الخبز والأمن
جريدة طنجة – إعداد : مصطفى بديع السوسي ( الفقر و الحاجة للأمن )
الثلاثاء 23 ماي 2017 – 14:45:09
• قـرن الله الأمن بالإطعام، والجوع بالخوف…
• شبابنا يهتز كـالمجاذيب لاي حركة نشـــاز أو تقليعة سخيفة تأتي من الغرب.
• تابعنــا قفشـــات ابراهيم المازني وعبد العزيز البشري وأشعار حافظ ابراهيم..
فهل يسبق الخبز الأمن أو العكس..؟ عند من سبَقـونـــا إلى حقوق الإنسان، فهما يسيران معاً، فالخبز مرّ بدون أمن والأمن بدون خبز كمن يحرس أمواتا لا حياة فيهم، واللّه عز وجل قرن الخبز بالأمن حينما قال وقوله الحق «الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف» سورة : “قريش”
فالجوع مجلبة للشكوى والفتنة وحينها ينعدم الأمن المرتبط أساساً بالرخاء الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي، والتوزيع العادل لثروات البلاد والمساواة في الحقوق والواجبات… وتحصين المجتمع من فلتات المستكبرين في الأرض، الذين يخوضون في الوحل… ويقلبون معادلة المجتمع المستقر الآمن.
ويبتدعون أنماط سلوكية عليلة تفرز خللاً يؤدي إلى الإرتباك والتأرجح في منزلقات غير آمنة… الجوع يملأ الأرض أنينا يتصاعد إلى السماء زفرات حارة ودموع قد تكون دموع ثكلى أو أرملة أو عجوز تخلى عنها ابنها الطبيب أو المهندس أو الموظف السامي أو مجرد تائه في أرض الله الواسعة يشكو المخمصة في مجتمع متخم بالأثرياء والوجهاء، وأولاد الفشوش… أي في أرض يعيش في ظلالها الوارفة أبناء الطبقة المخملية… أي أقلية ضمن جحافل الشتات والمعوزين والجوع والمهمشين والمسحوقين… ثم تأتي أرقام المندوبيات السامية!… والوزارات المعتمدة لتحسب لنا نسب النمو البطيء بالأرقام والتوقعات التي يفندها الواقع المعيش وقفة المواطن البسيط…
وعندما نقرأ الآية الكريمة السابقة نفهم لماذا قرن الله الأمن بالطعام.. والجوع بالخوف… فعندما يحيا الجميع حياة كريمة… ويجد المرء قوت يومه يبيت في سربه آمنا مطمئنا، وعندما يفتقد كل هذا، يدب أطفاله أمامه وهم يتضورون جوعاً، أو يحتاجون دواء، أو مقعداً في مدرسة لا يجدونه فإن الأمن والأمان يبتعدان وينأيان ويصبحان صعبا المنال.
وصدق القائل: «عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه»، فالأمن الغذائي حاجة ملحة… والرخاء الاقتصادي منفذ إلى الاستقرار الاجتماعي… ومع ذلك فكثيرا ما يحدث الانفلات الأمني رغم حالة الرخاء واليسر… فقد نلاحظ أحيانا وجود تجاوزات واختلالات وسلوكات شاذة في مجتمع راق أوعلى الأقل في مجتمع لا يشكو عوزاً ، ليس لأنها نتاج الحالة والوضع، ولكنها انعكاس لتربية وأخلاق… ولتطلعات فوقية أو أحلام كرتونية مثل ما نشاهده أحيانا من خروج عن الوضع الطبيعي لدى شباب القارة العجوز…
وتقليدا لدى شبابنا الذي يهتز كالمجاذيب لأي حركة نشاز أو تقليعة سخيفة تأتي من الغرب. ولنا ولكم فيما يظهر أحيانا في مهرجانات موسيقية كموازين مثلا من تموجات وصراخ مصحوب بهيجان ودقات صاخبة ومجموعة مجانين يتحركون في فضاء الفرجة كالقردة بدون ذوق ولا ضابط ولا أخلاق…
أكيد أن الموضوع أكبر من أن نعالجه في هذه العجالة… وأهم من أن نخصص له ركنا على المقاس فالأمر بحاجة إلى أمثلة ووقائع، والتاريخ مليء بأخبار معارك الخبز وإشكاليات الأمن المعقدة… فالخبز مرّ في بلد فقير… والأمن مقصّر، فشساعة الأرض والناس، وقلة الموارد البشرية تجعل مسألة الأمن قضية اليوم والغد واللحظة، ولكن هذا النقص، وهذه القلة تقف حائلاً بين مانريد وبين ما هو موجود فعلاً.
وقد عالج رجال أفذاذ، وعلماء ليس من بينهم طبعا علماء دين وروح، لأن هؤلاء أولاً وأخيراً يعلقون كل شيء على المقدر والمكتوب… ينفضون اليد والعقل من كل مناقشة بردهم الأمر إلى اللّه سبحانه وتعالى.
والأمر أولا وأخيراً اجتهاد علمي وعقلي يتحرك فيه العلم… علم الاقتصاد والاجتماع… والاجتهاد يأخذ بالمعطيات والوقائع والمعلومات تحليلا وتمحيصاً وبحثا ثم نتائج وآراء قابلة للتطبيق… وصالحة للتنفيذ… وقادرة على إخراج المجتمع من بوثقته المغلقة إلى فضاء أرحب… وعيش أرغد…. ووضع أمن.
ومن ثم يتحقق مفهوم الآية الكريمة: «وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا»… فالله قادر على إسقاط التمر على سيدتنا مريم العذراء دون أن تحرك ساكنا وهي التي تحمل في أحشائها المسيح عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام ولكن اللّه أرادنا أن نأخذ بالاسباب فإذا كان الله قد أمر مريم العذراء بهز جذع النخلة وهي سيدة الخلق وأم من كلم الناس رضيعا، فكيف بنا نحن المثقلين بالخطايا والذنوب التي ملأت الأرض وارتقت عنان السماء لولا لطف الله بنا وصدق عمر الفاروق رضي الله عنه عندما قال قولته التي سارت بذكرها الركبان: «إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة».
وهي دعوة إلى العمل للحصول على الرزق، نعم للتوكل ولا للتواكل. ورد في الحديث الشريف أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ما معناه: «إن كل امرئ وجد قوت يومه، وصحة في بدنه، وبات وهو آمن في سربه فكانما ملك الدنيا وما فيها».
عالج رجال ومهتمون إشكالية الخبز والأمن… وعندما نقول الخبز فإننا نعني المفهوم الشمولي والقصد به الفقر وما يطويه… أما الأمن فمعناه حالة الطمأنينة والاستقرار المهيمنة في مجتمع رغد… وحتى في مجتمع ابتلي أهله وأناسه بفضيلة الصبر… ومنها الصبر على المكاره…
فالشعب المصري كان يواجه الاستعمار الإنجليزي بسلاح قوي وفعال ومخيف…سلاح النكتة… وحتى وهو يعاني خصوصا بعد توالي السنوات العجاف… وكارثة سنة 1948 فإنه ظل يلوح بالنكتة في وجه الاستعمار وأذنابه هي فترة تابعنا فيها قفشات ابراهيم المازني، وعبد العزيز البشري وأشعار حافظ ابرهيم… وغيرهم كثيرون…
الخبز والأمن إذن خطان متوازيان ملتحمان يسيران معا، وإذا اختل أحدهما تضعضع الآخر لأنهما نتاج وضع ومشهد ولقاح واحد…