دولة سائرة في طريق النمو !…
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( شذرات )
الأربعاء 03 ماي 2017 – 15:41:09
• هل سَمعتم بـرُؤســاء ومُــدَراء جعلـوا مكـــاتبهم على متن طائرات رابطة بين القـــارات.
• من الطبقة المخملية، وطبقة «النبـلاء» انبَثَقـت إفـرازات أخـرى هـي «اولاد الفشوش»…
نعرف أكيداً أننا شعب فقير، متخلف، ومجـازا يحلو لقومنا أن يستعملوا الفظة “في طريق النمو”… ومنذ عشرات السنين مازلنا في طريق النمو، ولم نستطع مفارقة هذه الشرنقة والخروج إلى فضاء أرحب… ومازلنا نتطلع إلى غيث السماء، ونتابع نشرات أحوال الطقس التي تحدد أحوالنا… ونرسم ملامح اقتصادنا، فنقول أن نسبة النمو تتصاعد لأن السنة الفلاحية كانت جيدة، بمعنى أن الأمطار تهاطلت وغمرت الأرض، وملأت السدود… وعلى ذكر السدود فإن أعظم إنجاز أقدم عليه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه اللّه هو سياسته الحكيمة حول إقامة السدود، وهي السياسة التي أثمرت وأظهرت نتائجها فيما بعد.
فتخلفنا وفقرنا اللّـذان تحـوَلا إلى سير في طريق النمو يتَنـاقض مع عـالـم آخـر لعَلَّه لا يَمُت إلى حاضر وحياة السواد الأعظم من الناس بصلة.. هم يرون ملامحه… يعيشون مَخـاضـاتـــه، يلمسون تقلب أهله في رغد العيش، وسعة الرزق، وتلاوين أشكاله، فيتساءلون: هل هم قومنا؟… وتاريخنا وجغرافيتنا أم هم من طينة أخرى؟… ومن جبلة مغايرة؟ الفوارق الطبقية شاسعة وفادحة، منا من ينفق بغير حساب في جزر وبلاد بعيدة… في مهمة أو بدون مهمة، وبدون رقيب ولا حسيب لأنه مال سائب، ومال السائب يعلم السرقة قد تنشر الأخبار بعض المويقات التي افتضحت، ولكنها تظل قطرة في فيض عرمرم… وسيل هادر… ومنا من يفتش عن قوت يومه في القمامة… ويفترش الورق المقوى كفراش وغطاء في الليالي الباردة في محطات القطار، ومحطات النقل الطرقي…
ورغم أن السادة أعضاء مجلسي البرلمان، وأعضاء المجالس الإدارية الكثيرة العدد… والعديدة العدد يأخذون أجوراً سمينة مع حوافز أخرى… ورغم أنهم يـُؤجـرون مقابل واجبــات ومسـؤوليـــات، فإن أريحية المجالس تمنحهم تعويضات أخرى عن الحضور رغم أن هذا الحضور ضمن مسؤولياتهم، وعنه يأخذون أجورهم… وهكذا تصل تعويضاتهم إلى الملايين في وقت لا يتعدى ما تقبضه أرملة جندي الألف درهم على أبعد تقدير…! وهكذا يختلف الأمر بين ساكن القصور والشقق والسيارات الفارهة، وبين القابع وراء كثبان الرمل، أصبعه على الزناد، وبصره على حدود بلاده مدافعاً، حاميا…
ويأتيك بالأخبار مالم تزود… تطول قائمة الامتيازات، ويتزاحم الوصوليون والانتهازيون بالأقدام، والمناكب طمعا في دواوين الوزارات، والمناصب الكفيلة بجلب المكاسب، هل سمعتم برؤساء ومدراء جعلوا مكاتبهم على متن طائرات رابطة بين القارات؟ وآخرون من جماعات ترابية يتمتعون بسفريات خارجية دائمة بدعوى توقيع “شراكات”، أو إقامة “توأمات”…أما الإكراميات الموزعة بسخاء على مهرجانات ماجنة، ساقطة فحدث ولا حرج، رغم مرّ الشكوى من جفاف الميزانية… ونضوب الاعتمادات المخصصة لإقامة مشاريع تنموية… والديون الثقيلة التي تتخبط فيها هذه الجماعات، ويأتيك بالأخبار ما لم تزود… أخيراً تأتينا الأخبار حول عزم جماعة طنجة إقامة صنمين سمتهما مجسمين تجنبا للتعبير الحقيقي الذي لا لف فيه ولادوران، وهما للرحالة الكبير ابن بطوطة وأسطورة طنجة هرقل.
وبالمناسبة أذكر أن الراحل الحسن الثاني رحمه اللّه أراد نصب تمثال للفقيد المرحوم جلالة الملك محمد الخامس تغمده اللّه برحمته الواسعة عقب وفاته إلا أن العلماء آنذاك عارضوا الفكره رجوعا إلى مفهوم العقيدة التي تحرم صنع ونصب التماثيل والأنصاب والأصنام.
غرائب المجالس عندنا لاتنتهي… وهذه التعويضات الخيالية المستخلصة من البقرة الحلوب التي هي جيب المواطن…. والأجور الخرافية تتطلب مراجعة جذرية، وإيقاظ للضمير الغائب… والضمير الميت… والضمير النائب… فيبدو أننا فقنا أهل الكهف في سباتهم العميق… وتجاوزنا كل الخطوط الحمراء التي تقف ببين الغنى والثراء الفاحش والإنفاق المتوحش،… وبين الفقر المدقع، والحاجة الملحة، وضيق ذات اليد… وذهبنا أبعد من ذلك، فمن الطبقة المخملية… وطبقة “النبلاء” انبثقت إفرازات أخرى هي “اولاد الفشوش”… وليدة منتوج محلي مختلط… نسق من طينة أجنبية وهوية وطنية، وتربية بدون تربية… وأخلاق عجفاء لا يملك الأولياء ازاءها سوى المباركة الصامتة، والتزكية السلوكية وتكريس المزيد من الانحراف والجنوح والضلال ثم اللجوء إلى قوالب تعبيرية مجازية… وصيغ تنتمي لقانون السخرة والعبيد والموالي هي أقرب إلى منطق الغابة وابتلاع القوي للضعيف …. كثيراً ما قالوا عن أبناء وبنات يقودهم ويقودهن نزق التربية العرجاء… واسم القبيلة…إنهم فريسة حالات نفسية أو عقلية وأنهما أنهن غير مسؤولين ومسؤولات عن أفعالهم وأفعالهن، رغم أن الفعل قد ينتج مآسي، ويخلق ضحايا… والكثيرين تجنبوا المساءلة والمتابعة القضائية نتيجة سيادة قانون الغاب… وغلبة قانون السخرة والعبيد وتوافر الشهادات الطبية التي تبثت الخلل النفسي والعقلي، وتدخل أفراد القبيلة والعشيرة هذا هو التناقض بين خطابين ولسانين، وهو العلاقة الفارقة بين عالمين يتقطعان وينقطعان….
نحن بحاجة إلى عملية غربلة تلغي فيها كل الفوارق… وإن كان الأمر عصيا صعبا… وتذوب الطبقة الماجنة المنحرفة المنطلقة كقطيع مارق سائب السماء وتزول الامتيازات وركام الأجور العالقة والتعويضات التي لا معنى لها إلاّ نزيف خزينة دولة فقيرة يقولون عنها أنها دولة سائرة في طريق النمو…















