التاريخ… واللغة … والهوية
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( اللغة والهوية في الإعلام المغربي )
الأربعاء 12 أبريل 2017 – 16:21:59
• اللّغـة هـوية.. وهي إحدى مقومات الأمة .
• الاستعمار الحقيقي يستهدف روح الأمـة، و تــراثها وأدابها، وتاريخها..
من تقصد ونهم لا يتابعون تلفزاتكم المهترئة المتآكلة، أنهم يذهبون مباشرة للقنوات الأجنبية فلاحاجة بكم إلى تملقهم، هذا الاصرار على الحديث باللغة الأجنبية، يدفع الكثيرين إلى هجر هذه القنوات المستلبة الدخيلة، والتوجه إلى القنوات العربية خليجية كانت أو مصرية أو لبنانية بعيدا عن اللسان المزدوج والمنحرف وهنا أتذكر أن صلاح الدين مزوار وزير الخارجية في حكومة بنكيران ألقى كلمة في ديبلوماسيي المملكة بفرنسا أبلغهم فيها تعليمات صاحب الجلالة للعناية بأفراد الجالية المغربية بفرنسا، وتبسيط إجراءات استخراج الوثائق الإدارية، وحفظ كرامة المواطن المغربي، وهنا فالوزير مغربي، والحضور من رجال السلك الديبلوماسي مغاربة ومع ذلك كان الخطاب بالفرنسية مع أن مزوار يتحدث العربية بسلاسة وطلاقة وفصحى، وليس لهذا من تسمية سوى الاغتراب والتبعية للاستعمار المندثر…
ألم تقل فرنسا أنها وهي تخرج من المغرب عسكريا فأنها تركت فيه ثقافتها، ولغتها، ورجالها من الأذناب والتابعين، وهذا هو الاستعمار الحقيقي لأنه يستهدف روح الأمة، وتراثها، وأدابها، وتاريخها، فإذا تعكر كل هذا تعكر كل الكيان وتمرغ في الوحل… شيء آخر، فكل البيانات المثبتة في لوحات تعريفية للمشاريع المدشنة تعرض باللغة الفرنسية حتى يخال المرأ أنه في قلب فرنسا في ربوع المغرب.
وكأن هذا البلد بدون لغة فتستعير لغة الغير لتقديم المعلومات، هذا النموذج المخزي للاستحواذ الأجنبي الاستعماري لانجده الا في الجارة الشرقية بل حتى تونس التي عرفت الاستعمار الفرنسي لا تعرف هذا الوضع الشاذ، وتتعامل بلغتها العربية في الادارة، والمراسلة والخطاب الرسمي، والحديث العادي، وللحفاظ على هذا الارث الاستعماري، ولربط المستعمرات السابقة بالبلد المستعمر (بكسر الميم) أحدثت المنظمة الفرنكوفونية، وهي تجمع للدول الناطقة بالفرنيسية في افريقيا تحديداً مقابل الجاكسونية وهي تجمع الدول الناطقة بالانكليزية، وهكذا توزعت المستعمرات القديمة بين الدولتين الاستعماريتين الكبيرتين وأصبحت تابعة ثقافيا بعد أن كانت محميات عسكرية وترابية نهبت خيراتها، وسيق أهلها عبيدا وإماء وخدماً، أفلم يكن الأجدر بافريقيا أن تنفض عنها هذا الرداء المخزي؟ وأن تنتفض وتنتصر لثقافتها وتقاليدها وهو ما يشكل ذخيرة لا يستهان بها، فتاريخها وعراقتها حافزها إلى الانسلاخ عن التبعية للغير… وخيراتها وإمكاناتها الطبيعية والبيئية لا وجود لها في العالم كله، فكيف لقارة هذه طبيعتها أن تكون في آخر الصف؟!..
اللغة هوية… وهي إحدى مقومات الأمة، وقد ألف بها جهابذة الفكر على مرّ التاريخ مؤلفات ومصنفات تناولت جميع مناحي الحياة والعلوم، وتلاقحت الثقافات والحضارات لتنتج إرثاً إنسانيا خالدا أخذ منه الغير كما أخذ العرب من أمم سالفة، وكانت للعربية دائما اليد الطولى، والباع الكبير في كل هذه المؤلفات والعلوم، ولنا في تجارب الآخرين المثل والنموذج فدول، آسيا رغم صعوبة لغاتها ومحدودية انتشارها حققت تقدما علميا مضطرداً اعتمادا على علمائها وكفاءاتها أولا ثم بلغاتها المعقدة التي تأبى الحديث بغيرها في المحافل الدولية وفي إطلالاتها على العالم الخارجي، ورسخت قدمها وأثبتت وجودها… ودخلت كل المجالس والمؤسسات والمنابر الدولية بفضل لغاتها وهي تعتر بها أيما اعتزاز وتعتبرها هوية وعلامة وجود، فما معنى أن يتخلف العرب الذين كانوا أسياد العالم ورموزه؟.. وماذا يعني انحراف لسانهم، وارتباك صفوفهم وتخليهم عن قوميتهم وهويتهم وتعلقهم حدّ الهوس والجنون بقشور هي أوهى من بيت العنكبوت؟…
لا ينكر أحد أن افريقيا كقارة ابتليت بالاستعمار البغيض والعبودية والاذلال والتبعية والتفتيت والتمزيق بدأت تتخلص من القيود التي تشدها إلى الأرض، وتشهد طفرة تحررية ديمقراطية تكرس لمبدأ الانعتاق، وبناء الإنسان الإفريقي الحر، والقضاء على نزعات الانفصال، والتقسيم، والقبلية التي أرهقت الشعوب الافريقية بحروب وفتن أتت على الأخضر واليابس… وأضرمت نار الفتنة والعصبية والأثنية في الأرض الافريقية.
نعم… فالقارة تنعتق.. تحرر.. وتتقدم .. وقد قطعت أشواطاً في هذا المضمار… ويبقى التاريخ… واللغة.. والهوية أساس الكيان الافريقي الذي سيصبح قوة ناهضة وصوتا مسموعا يفرض الاحترام والاعتبار…