العالم الجديد والطوفان.!..
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( العالم الجديد كما أرادوه !! )
الأربعاء 05 أبريل 2017 – 11:56:03
• أرادوا محوَ ” تدمر ” رغمَ أنَّهـا مدينة مُــرَصّعة بـأريـج التـاريــخ…
• والفتنة نــائمة، لعنَ اللّه من أيقَظَها…
• ألا تشهد الإنسانية بدايــات نهـايتهـا ؟!…
العالم الجديد ليس كله إنتاج امريكي… فالدب القطبي تحرك ليغادر بساط وجبال الجليد، ويكتسب أرضاً فيحاء فيما وراء الجبال والثلج، وشراب الفودكا، وفتح صروحاً وقلاعاً، ووجد قوماً ضعافاً محتاجين فضمهم إلى جناحه، ومدّ أطرافه بعيدا بقوة النار والحديد، أو بتقسيم كعكعة الضعفاء مع أقوياء آخرين اتفقوا على أن يتفقوا، فقسموا مواقع النفوذ، ووزعوا الأرض والبشر مع أنهم يصرخون ليل نهار بشعارات حقوق الإنسان المُفترى عليها.
وكانت حرب الخليج الأولى والثانية في عهد البُوشين إيذانا ببدء مخطط التقسيم، وسلب دول المنطقة الملتهبة سيادتها وحريتها في التصرف داخل حدودها الآمنة، وفي علاقاتها بالجوار وما بعد الجوار وما وراء البحر… كان المخطط يمضي بهدوء.. يتغلغل في الكيانات المستلبة (بفتح اللام) كالسم في الدسم لأنه كان مصحوبا بإغراءات من جهة، وبأضاليل وأباطيل ما أنزل اللّه بها من سلطان من جهة ثانية، كان المال يتدفق بقوة الشلاّل وسرعته… وكانت التحالفات التي أصبحت تبعية قد حولت خريطة الشرق الأوسط وبلاد العرب إلى رقعة شطرنج يلعب فيها وفوقها الكبار ويوزعون أدواراً لا مكان فيها للضعيف إلا دور التابع الذليل المطيع اللائذ بحمى الغرب والشرق.
ومع تدفق المال نزل السلاح كالمطر في ليل دامس طويل، وانقلبت أريحية الدول المانحة وكرمها المهين إلى شرّ مستطير حين انقلب السّحر على السّاحر… وتسرب سلاحهم إلى أيدي وجماعات لاتنتمي للإنسانية بصلة فترى في جزّ الرؤوس، وتفجير الجسور والمعالم طريقا إلى اللّه وسعيا لإقرار واقع جديد، ووضع ظلامي يعود بالعالم والناس إلى الجاهلية الجهلاء… وإلى تدمير القيم، ومحو كل مظاهر وآثار الحضارات الإنسانية البائدة.
وفي خضم هذا العالم المتغير الجاف ولدت ونمت جماعات الباطل التي اتبعت أصناماً وتماثيل صاغتها من أفكار وضلالات وخرافات أساسها نشر الموت، وإشاعة الفكر الجامد والقاتل، واعتمدت النار والحديد وكل مخترعات القوى العظمى التدميرية لفرض الأمر الواقع، وخلق كيان مسخ، كان الكبار يريدونها كيانات مستلبة، صغيرة، طيعة، مطيعة، فإذا بها مارد يتلقف كل شيء… تأتيه وسائل التدمير والتمويل من كل مكان، يمولون الإرهاب ثم يتحدثون عن الإرهاب، ويدفعون باسطواناتهم الجاهزة إلى أوطان العرب ليستهلكونها ويروجونها داخل مجتمعاتهم، ويؤلبون على الإرهاب القاصي والداني، وقد يدرون بغباء، أولا يدرون عن جهل بأن من يدعو لمحاربة الارهاب هو من خلق وغذّى ونفخ في الإرهاب فحوله إلى أداة تدمير انقلبت عليه وهددته في قيمه، وسلوكاته، وأخلاقه، ومجتمعه، فمن سلّح الجماعات المتناحرة في ليبيا حينما كانت قوة تحارب نظام الجماهيرية وصاحب الكتاب الأخضر؟… ومن سلح جماعات سوريا وقد كانت قوة واحدة تقاوم جبروت الطاغية، ثم تفرعت شيعاً، وقبائل، وجماعات كل يغني على ليلاه، ويرفع شعاراته؟، ففي ريف حلب هناك “درع الفرات” و”قوات سوريا الديمقراطية” إضافة إلى ميلشيات عراقية مذهبية و”حزب اللّه” المتغلغل في المنطقة و”الحرس الثوري الإيراني” ثم الجماعة التي أرادت إحياء خلافة انتهت بانتهاء الخلفاء الراشدين، وفي العراق وسوريا وليبيا انبثقت أسماء ورايات وألوان… وأرادوا محو تدمر من خريطة سوريا رغم أنها مدينة مرصعة بأريج التاريخ الذي هو تراث إنساني، ثم الموصل وكلها مناطق لها عمق تاريخي وحضاري، وتلتهم أمم ودول، وممالك، وبيارق لم تعرف خلافة، وإنما عرفت ملوكا، وأمراء، وجبابرة فسقطت خلافتها المزعومة في أتون نار مستعرة …وفُرقة… وشراذم أحرقت كل شيء في سوريا والعراق، وخلقت تظاماً عنصريا عشائريا.
أفرغت البيوت والمباني من ساكنيها، وساقت الناس عبيداً ودروعاً وحواجز بشرية، وهدمت تاريخاً كاملاً لأمم سادت الأرض ثم بادت، وبشرت بإسلام هو غير الإسلام الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم، وذكره القرآن على لسان ابراهيم وعيسى عليهما السلام.
ولم تكتف الجماعة المارقة بحدود الخريطة الممزقة فمدت شرارتها إلى الآخرين بمن فيهم أولئك الذين خلقوها، أورعوها، أو مدوها بمقومات الحياة والاستمرار، ومن هنا جاء الموت الذي تربص بالناس في دور العبادة، وفي الشوارع، والجسور، والقناطر، والمؤسسات، والأشخاص، وحتى المساجد وهم الذين رفعوا الإسلام شعاراً، ودينا، وخياراً، ومنهجاً لم يتركوها لحالها وصلاتها وقنوتها بدعوى أن الموجودين فيها من مذهب آخر… شيعة مثلاً …فاللّه واحد عند الشيعة والسنة… والدين واحد ـ فلماذا يقتتل أصحاب التوحيد والعقيدة الواحدة؟! ولماذا يبيح بعضهم دماء بعض وأعراضهم وأرزاقهم؟!.. ولماذا تحترق حافلات تنقل زواراً شيعة إلى مزارات ومراقد، وأضرحة وعلماء انتقلوا إلى عالم آخر؟!.. ولماذا تنهار مساجد على رؤوس أصحابها في كراتشي وحلب لأنها كانت تضم مصلين شيعة، وفي بعضها الآخر سُنّة، والعكس بالعكس؟!…
وهكذا تشرئب نار الفتنة التي كانوا لا يقوون على إضرامها في الأنظمة السابقة…. وحينما جاءت ثورة الربيع أو الخريف جاءت بالشر ولم تأت بالخير!… ولفتنة نائمة لعن اللّه من أيقظها، من سكت عنها.. ومن مهّد لها، وفتح سبل الاتساع والإنتشار والتفريخ…
وهكذا أصبحنا وأمسينا نعيش على أخبار عمليات إرهابية تنال رؤوساً قطفوها غيلة وغدراً في مقاه، وشواطئ، وشوارع آمنة… وانتقل فيروس القتنة الناشبة إلى أوربا والغرب عموماً… في أمريكا.. وفرنسا، وبلجيكا، وهولندة، وألمانيا، وبريطانيا بالرغم من كل أجهزة الرصد، والمراقبة الفعالة الموجودة والمبثوثة في كل مكان… ورغم المتاريس والحراسة، والعدسات الدقيقة اللاقطة، وحالة التأهب، والاستنفار، وإجراءات الحيطة في أعلى درجاتها وأرقامها ومراتبها.
ألسنا بهذا.. وأمام كل هذا ننحدر بسرعة أقوى من سرعة الصوت إلى هوة عميقة تفغرفاها الرهيب لتبتلع كل ما بنته الحضارة الإنسانية طيلة عقود؟! ولنجعل من أفلام الخيال العلمي بمشاهده المرعبة وفضاءاته الملتهبة… وأفلاكه وأجرامه الطائرة… والشهب السابحة في محيطات غامقة، وجبال سامقة، وطيور تقذف حجارة من سجيل فتجعل البشر كعصف ماكول…
ألا تشهد الإنسانية أمام كل هذا الطوفان بدايات نهايتها؟ آمل أن يكون هذا الكلام مجرد خيال وأوهام تتساقط مع تساقط أوراق التــوت عن عــورات كبـــار القوم أصحاب الفتنة… وخالقي الفتنة.. ومُوزعي الفتنة ثُمَّ المُتفرجيـــن، والصـــامتين، وحمالي الحَطب لإضرام النار وتأجيجها…
تدمر : كان يُطلق عليها “عروس الصحراء” ،و تُعد من أهم المدن الأثرية العالميـة ولها شُهرتها ومكانتها، تقع في وسط سوريا وتتبع لمحافظة حمص، مدينة ذات أهمية تاريخية حيث كانت عاصمة مملكة تدمر، و كانت من أجمل المدن السياحية وهي اليوم تحت النار. و تبعد 215 كيلومتر عن مدينة دمشق إلى الشمال الشرقي منها..