محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( الفايسبوك )
الخميس 09 مارس 2017 – 11:48:49
يذكر الجميع أن ملك البلاد تحدث منذ توليه عرش سلفه الحسن الثاني، قبل حوالي العقد و نصفه، عن ما أسماه مفهوما جديدا للسلطة و أعقب ذلك بانخراطه في مشاريع كبرى سعت إلى تطوير البنيات التحتية للبلد، و في مشاريع أخرى تسعى لعصرنة” البنيات الفوقية” الوطنية و جعلها أكثر انْسجاما و تناغما مع طبيعة التحولات الكونية التي يشهدها العالم بصورة متواصلة و على فترات غير متباعدة.
التحوّلات المرصودة، التي يصفها الناس بأوصاف شتّى و مُتباينة، عديدة و تقع في مرمى عين الملاحظ العام، لكن ثمة تحولات أخرى خفِيَّة لم ينتبه ساسَةُ الحُكم لإيلاء القدر الكافي من الانتباه لرصدها أولا، ثم دراستها و كشف تأثيراتها المحتملة على بنية المجتمع و ثقافته.
لعل أكبر تحول، في اعتقادي، عرفه العالم مع بداية الألفية الثالثة، هو ذاك الذي مس الجانب التكنلوجي في شقه المعلوماتي، فبفضل هذه “التقـنولوجيا السـاحرة” صار بإمكان الجميع، فقراء و أثرياء، النهل من معين المعلومة و الخبر دون كبير عناء يُذكر. و إذا كانت الأجيال الغابـرة قد كابدت و شَقَتْ لبلوغ “الخبر اليقين”، مشقة أجبرت نبي الله سليمان على الاستعانة بخدمات الهُدهُد الاعلامية و تتسنى له معرفة أنباء عن مملكة سبأ،إذا كان الأمر بذلك العناء و الكبد في السابق، فإنه أصبح الآن، بفضل التقنية، جزءا من الماضي السحيق، و صار الإنسي يمتلك مقدرات الجني، فقد أصبح، وبلمسة زر واحدة، قادرا على الإتيان، من بلاد الله الواسعة، بأنباء لا تخطر ببال الشيطان.
لقد صار تداول المعلومة لا يضاهيه شيء في يُسْره و بساطته،و بالطبع، فإن المعلومة يُفترض وجودها قبل تداولها، وحين لا تتوفر هذه المعلومة المنشودة، بحكم المنافسة المحتدمة، فإن التكنولوجيا الساحرة تسعف المرء على صناعة و إنتاج “معلومته الخاصة” دون التعويل على الغير، ذاتيا كان أم معنويا، فقد سلَّحت التكنولوجيا أيادي الناس بأجهزة رخيصة و أمدتهم بشبكات تواصل خفِيَّةٍ لا تلحظها العين المجردة، و صار كل واحد من عوام الناس مُستعدا، في كل حين و لحظة، لرصد كل شيء يقع في شعاع عدسته، بل إنه، فـوق ذلك، يعمد في أوقات فراغه المديدة إلى تزجية نفسه بصناعة أخبار “جديدة” و نشرها بيُسْرٍ و سهولة على شبكة العناكب السحرية.
لقدْ أتاحَ التطـوُر التّقني، الذي حقَّقه الغـرب و بـاعـه للعـالـم، إمكانية نشوء جَمـاعـاتٍ و قِـوى “غيـر تقليدية”، قـوى لا تتخذ لنفسها هياكل منتخبة أو مقرات مركزيةً و أخْرى جهوية، كما اعتــادَت أنْ تفعلَ ذلك القوى التقليدية من أحزاب و نقـابــات، و صارت في حلٍّ من تعقيدات مساطر التأسيس و ما يرافقها من إيداع الملفات و انتظار “وصـولات الإيداع ” بل أصبح كافيا فتح حساب أو أكثر على موقع التواصل، المسمى اجتماعيا، و الانخراط مباشرة في أعمال التغطية الصحفية و التنظير أو التفسير و الدعوة أو التحريض، و كأي حزب تقليدي، فـإنَّ “الأحزاب العنكبوتية” اتّخَذَت لنَفسها أعضاء افتراضيين يتعاطفون مع قَضاياها، و ينفعلون أو يتفاعلون مع توجهاتها، لتنخرط بذلك في الصِّـراع من أجْـلِ بُل وغ أهداف معلنة و أخرى خفية.
إنَّ العـالمَ يعيشُ بـالفعلِ مَرحلة مـا بعد الحداثة، مرحلة أنتجت كائنات غير مرئية رغم تَواضُع الناس على وصْفها بالافتراضية، لكنها تتمتع بتأثير قوي مكنها، في أحوال عديدة، من إطاحة أنظمة و إقامة أخرى مكانها، و في أحوال أخرى مازالت “التنظيمات السرية” الشرعية، تمارس صراعها الأبدي من أجل نصرة منتسبيها و الذود عن مصالحهم المفترضة.إنه “حزب الفايسبوك”