إصدار كتاب “صوت من طنجة” لمؤلفه الأستاذ رضوان بنصار
جريدة طنجة – د.نبوية عبد الصمد العشاب ( كتاب “صوت من طنجة” )
الخميس 02 مارس2017 – 15:33:58
•مؤلف يكشف النقاب عن قضايا مختلفة لواقع طنجة بين الأمس واليوم
هو الكاتب الأديب رضوان بنصار، من أبناء طنجة البررة، من مواليد سنة 1979،حاصل على الإجازة في التاريخ من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، ثم دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الأدب تخصص تاريخ من نفس الجامعة.
كاتب عام الجمعية المغربية لحماية اللغة “فرع طنجة” مهتم بقضايا الشأن المحلي ،له العديد من المقالات وساهم بمداخلات عديدة في الندوات والمحاضرات وكذلك الحوارات الإذاعية.
أما عن فصول وأبواب الكتاب فهي موزعة كالآتي:
أـ طنجة بين الأمس واليوم: ويضم خمسة عشر مقالا، وهو أطول فصل في الكتاب .يرحل بنا الكاتب في هذا المحور إلى عبق التاريخ، تاريخ طنجة الجميل بتراثه وتقاليده ومصطلحاته الخاصة به.
ثم يعرج بنا للحديث عن أولاد الحومة، ونوه بالدور الذي لعبوه من أجل خدمة الحي وساكنته،
ومدى التضامن والتآزر الذي كان يسود بينهم، فهم كالجسد الواحد(إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَهر والحمى)
ولم يغفل الأستاذ رضوان بنصار فئة الشيوخ من آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا الذين بلغوا من العمر عتيا، بل خصص لهم مقالا عنونه ب”الذاكرة المنسية” وندَد بالإقصاء الذي تعرضت له هذه الفئة العمرية و التي تعتبر منبعا ثقافيا وتاريخيا لكل متعطش للمعرفة والحقيقة.
وقد وشَح الكاتب هذا المحور بالحديث عن تراث الشمال الأصيل والغني بمواده، مقدما نموذجا للعيطة الجبلية، مبينا تأثير إيقاعاتها على نفسية مستمعيها، داعيا إلى حفظ هذا الفن وعدم اعتباره تراثا منسيا ومنحه حقه من الاهتمام والشهرة.
وبعد ذلك، يجد القارء نفسه منغمسا في قراءة مجموعة من المقالات المختلفة من حيث العناوين ( وأنت في طنجة ـ صوت من طنجة ـ كل شيء على ما يرام في طنجة ـ ملفات ومصائب طنجة الكبرى ـ حرروا طنجة ـ حين تنتفض أحياء طنجة بيئيا) لكن القاسم المشترك بينها هو لفظة “طنجة” فجلُها تسلط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية وتربوية وثقافية، تعيشها المدينة وتتخبَط في متاهاتها .
ب ـ القيم الضائعة: ويضم تسع مقالات. وقد استهل الكاتب هذا المحور بمقال اختار له عنوان “أزمة أخلاق” يتحدث فيها عن أخلاق نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويدعو إلى تطبيقها واستثمارها في مجالات شتى، واعتبارها قواعد وقوانين تنظَم حياتنا الاقتصادية والنفسية والاجتماعية وغيرها.
ويتطرق الكاتب أيضا إلى خلق ذميم، ومرض خبيث أصاب الأمة، وأصبح يهدد العلاقات بين الناس ويهدمها، وهو آفة النفاق، وقد خصَص لهذا الموضوع مقالتين، فتارة يتحدث عن النفاق الاجتماعي وأخرى عن النفاق الإداري.
وفي معرضه حديثه عن هذه القيم المفقودة، يستهجن الكاتب صفة “الأنا” التي تجعل الإنسان لا يرى إلا نفسه، ويجعل ذاته مركزا لعالمه دون الاهتمام بالآخرين، فالأولوية له، وللآخرين الطوفان، وهذا ما يؤكده الأستاذ رضوان عندما يتحدث عن خلق التضحية، وعندما يتساءل هل هو رفعة وعلو أم تنازل؟
وينهي الكاتب هذا المحور بالحديث عن ظاهرة الفايسبوك وانعكاساتها على المجتمع، دون أن يغفل جانبا مهما يتعلق بالكيفية التي يجب أن يتفاعل بها الإنسان في هذا العالم الأزرق مع أفكار وآراء الآخرين، وقصد بذلك النقد، والذي اعتبره كالمطر ينبغي أن يكون يسيرا بما يكفي ليغذي نمو الإنسان دون أن يدمر جذوره.
ج ـ قضايا لغوية: ويضم سبع مقالات، تصبَ جميعها في الإشادة بدور اللغة العربية ومدى قوتها وصلابتها أمام التحديات التي تواجهها في عصرنا الحالي، والتي ترمي إلى تهميشها بكل ما أوتيت من قوة، ولكن هيهات هيهات أن يكون لها ذلك؟
ويستعرض الكاتب في هذا المحور واقع اللغة العربية سواء بالمؤسسات التعليمية أو في الأسواق الممتازة مستفسرا عن الموقع الذي تحتله هذه اللغة داخل الإعلام المغربي، ومدى خدمة هذا الأخير لها، منهيا حديثه بمقال أخير يعبر فيه عن قلقه، وعدم رضاه عن ما أسماه ب”التلوث اللغوي” الذي انعكس سلبا على قطاعي الفن والتعليم.
في رحلة القراءة هنا بين طيات هذا العمل الكريم، يمكن أن نخرج بمجموعة من الملاحظات نجملها في ما يلي:
ـ لاشك أن العنوان يعتبر عتبة أولية مهمة في دراسة أي عمل مهما اختلف نوعه، فهو المفتاح التقني الذي يجس به نبض النص، والسبيل إلى التعرف على معانيه الدلالية والرمزية.
وقد كان الكاتب مصيبا عندما جعل للمدينة صوتا تتحدث به عن نفسها، فتجده تارة صوتا خافتا، حزينا عندما يتعلق الأمر بالقيم الضائعة، والتراث المنسي وغيرهما، وتجده أخرى شجيا عذبا عندما يستحضر لحظات جميلة من تاريخ المدينة، وفي غالب الأحيان صوتا صارخا، مستاءا، يتردد صداه في مجموعة من المقالات.
ـ حضور مجموعة من المصطلحات التي تندرج ضمن الحقل المعجمي الطنجي من قبيل { الطراح ـ الوصلة ـ المرشام ـ حْبابي ـ البْرَاني ـ الحيطي ـ التَاكرة ـ الحايك ـ الجَنْ الكْحل ـ أعيوع } والتي تعبر عن خصوصية هذه المدينة وحمولتها الثقافية والتراثية.
ـ الأفكار واضحة، جلية، لا لبس فيها، تمرر خطابا مباشرا، وتنم عن مواقف واضحة، يحاول فيها الكاتب التفكير بصوت مرتفع مع القارء في تشخيص مجموعة من القضايا، بقلم رصين وجريئ، لا يخشى لومة لائم، فتجده في كل مرة، لا يفوَت فرصة تحسيس المسؤولين وأصحاب القرار، بحجم المسؤولية الموكلة إليهم للنهوض بالمدينة.
ـ تحضر الجمل الاستفهامية بكثرة في الكتاب، وهي في غالبها استنكارية، تماشيا مع رغبة الكاتب غي إثارة انتباه القارئ إلى الوضع الذي آلت إليه المدينة، وهي في نفس الوقت أسئلة تبرز غيرته وصفاء سجيته.
ـ في ثَنايا الكتاب أيضا، تستشعر حضور النفس الديني من خلال مجموعة من الشواهد القرآنية، من سور مختلفة، حسب الفكرة التي يريد الكاتب تأكيدها وإتباثها، وهذا الأمر إن دل على شيء، فإنما يدل على مرجعية الكاتب، واحتكامه وتشبته بتعاليم الدين الإسلامي السمح.
ـ وأخيرًا، فالقارء لهذا الكتاب، سيجدُ نفسه مَشدُوهـًا إلى القَضـايــا و الاشكاليات التي حاول الكاتب جاهدا أن يُعلنها صَرخة مدوية، مجروحة، للواقع المعاش من زوايا مختلفة.
وأقولُ ختـامــًا، فبعد أن تَمَّ تشخيصُ الداء، وتعرية الأمــور، ألَم يَحـن الوقـت بعدَ أن تتظافَر الجُهــود، كل حسب موقعه من المسؤولية، من أجل إحياء المدينة ثقافيا من جديد، وأن تكون النية الصادقة في التعبير حاضرة بقوة، لتتفعَل على أرض الـواقـع ؟…