كيف نغير العالم؟
جريدة طنجة – هدباء الفاطمي ( التنمية الذاتية)
الجمعة 27 يناير 2017 – 19:06:58
أتذكر المفتش كلومبو؟ إن كنت من جيلي الذي أقفل الأربعينيات فستذكر معطفه الرث و شعره الأشعث شيئا ما و نظراته الثاقبة. لن ترى شعري لأنه مرصود عن الناظرين و لكن سوف تسمع أسئلتي الخمس The five why’s التي سأطرحها. نبدأ.
1) لماذا لم تختف الرشوة بعد من مجتمعنا؟
حتى تتم عملية الرشوة يجب أن يكمل الثلاثي : راشي + مرتشي + فئة صامتة.
الراشي يعتقد أن دفعه للرشوة يحقق أهدافه.
المرتشي يعتقد أن مبلغ الرشوة سيزيده غنى.
الفئة الصامتة تعتقد أن السكوت عن الحق فرض عين في هاته الأيام الصعبة التي يكثر فيها اللغط عن نهاية الزمان و تنسج الخرافات من كل الألوان.
أنا لا يهمني من أي فئة أنت يا قارئي. كل ما يهمني هو أن تقتنع بأن ظاهرة الرشوة مجرد اعتقاد خاطئ و بأن تغييره ممكن بتقنية التدريب (الكوتشين).
جاء وقت السؤال الثاني.
2) لماذا ينتشر الغش في صفوف الموظفين؟
حدثوني عن مستثمر فرنسي فتح معملا للنسيج في بلدنا. خصص مكانا للصلاة للعمال. بعد بدإ العمل بمدة اكتشف أن عدد من العمال يذهبون للنوم في مكان الصلاة. فكيف بدل الله أكبر يخون الموظف الأمانة و يضحك المسثمرين علينا.
أما أن سلسلة الأشباح في الإدارات و السيدات اللواتي يتركن حقيبة اليد معلقة في الكرسي و هن يتنزهن في الأزقة. تعلمون طبعا أن الرجال يتركون سترة معلقة على الخزانة. و زد و زد.
أما السوق فهو مكان “حضي راسك” بامتياز. إن لم تنتبه حصلت لك حكايات جحا في أزقة بغداد.
إخلاص الإنسان في عملة قيمة تتكون عند الإنسان نتيجة اعتقاد. هل يسعد الموظفون المغاربة الذين لا يعتبرون قيمة الإخلاص ضمن قيمهم ؟ لقد سبق أن كتبت عن مستوى السعادة المتدني عند الموظفين المغاربة.
كيف نحول قيمة الفوز بمعناها المكيافيلي للغاية تبرر الوسيلة إلى قيمة أخلاقية تدعى الإخلاص في العمل؟ أقترح إدماج النقابات في تربية الموظفين على القيم بدل الإضرابات التي لا تعطي أية نتيجة. و أنا على استعداد لإعداد برنامج تكويني في التنمية البشرية يشمل كل النقابات المغربية بالمجان.
3) لماذا نتكلم كثيرا و ننجز قليلا؟
يعتاد المغاربة على قول فلان و فلانة عندو أو عندا الكلمة, فلان رجل أو فلانة مرأة. إن كان المجتمع يقدر الإنسان صاحب المبدأ و الصدق و الأمانة فكيف أصبحنا نغوص في مجتمع يكلم هنا و هناك و كلامه ليس له أية مصداقية. يشتري الناس أغلى الأيفونات و يشحنوها و بالفورفيات و يتكلمون ساعات بعد ساعات بالكذب و الزور و الزبد الذي يذهب جفاء.
لقد كرم الله الإنسان و أسجد الملائكة لأبيه آدم لأنه تعلم الأسماء كلها. فهل تحولنا إلى همج متخلفين لا نصدق لا مع الله و لا مع أنفسنا؟
أعود إلى أن التدريب و الاشتغال على الذات هو أولوية في حالنا هذا و لنتذكر أن العمل قرين الإيمان. تعج المكتبة الوسائطية التابعة لمؤسسة محمد السادس بالدروس و التكوينات المجانية تقدمها كوكبة من مدربي التنمية البشرية الرائعين يتطوعون للوطن و للشعب بأحدث التقنيات العالمية. أين أنت أيها الشعب حتى تركب القطار المكوكي الذي سوف يوصلك إلى السكينة و الإنتاج وإلى حياة ذات جودة؟
4)لماذا الكل يطلب الدعم؟
كم هي ميزانية التغيير و كم يكلفنا التغيير و كم سنأخذ من الدولة مقابلا لأن نتغير؟ متى نفهم أن التغيير ميزانيته صفر درهم و أن التغيير يكلفنا صفر درهم و الدولة لا نأخذ منها بل نعطيها نتيجة تغييرنا مواطنين محترمين مشرفين يجعلون العالم الخارجي يقدرنا و يتطور ذلك إلى استثمار اقتصادي حقيقي يرفع قيمة الموظف و الطالب و التلميذ.
كفانا جرينا المستمر وراء من سيعطينا مالا و لنفكر بما يمكن إنجازه بطاقتنا.
يقولون أن البلدان الإسلامية متخلفة لأنه ليس لديها ميزانية للبحث العلمي. كم كلف أرقميدس لكي يخترع اختراعاته العديدة؟ هل ندفع للدماغ مالا لكي يفكر و يعطينا بنات أفكاره؟
عذر عدم وجود الميزانية عذر واهي و لو انتظر الإنسان القديم أن يدعم و أن يأتيه المدد قبل أن يشعل النار لكنا لا نزال في المغارات.
الكون يحتاج لمن يتعايش معه و ينسجم معه و يترك بصمته. أكيد أنه لا يحتاج للصف الطويل لطلب الدعم.
5) لماذا يقف الطلبة الموجزون قبالة البرلمان؟
حدثني بروفسور مغربي شهير عن طالب موجز درسه و ظل ينتظر خمسة و عشرين سنة أمام البرلمان. ما هذا الهدر للطاقة ؟ في نفس الخمس و العشرين سنة اشتغلت ككاتبة إدارة لأكسب قوت يومي ثم كتبت أربعة عشر كتابا طبعت جلها على نفقتي بدخلي كسكرتيرة منها ما هو موجود في مكتبات الكونكرس و جامعات هارفارد و جورج تاون و ستانفورد. قاومت مرضا عضالا و تقاعدت. درست التنمية البشرية و تكونت ككوتش مع سلسلة من الشواهد عن نشإة البطل الإغريقي و نشأة الأمة الأمريكية و تقنيات التغيير المستعصي و غيره. و أنا الآن أخرج من بيتي لأقول لكم يا من تقفون أمام البرلمان :
تعالوا إلى كلمة سواء بيني و بينكم
نعلي الصرح و نحيي الأمل فيكم
أنتم كنز هذا الوطن و أنا معكم
ما رأيكم أن نترك الحكومة تشتغل بملفاتها الصعبة و نحل ملفنا نحن. أنا مثلكم لا ثروة لي و أشعر أني أغنى الناس على الأرض. مغربنا نعيش فيه بخبز قيمته درهم و نصف. فاتـركـــوا ساحة البرلمان و تعالوا نتعلم ما ينقصنا حتَّى نقف على أرجلنا و حتى من ليس له أرجل فليقف معنا.
من معنا؟ .