الحايك والجلابة
جريدة طنجة – سمـيّة أمغار (اللباس المغربي الاصيل بين الاصالة والحداثة )
الثلاثاء 17 يناير 2017 – 18:21:41
ومن أقوالِ المشايخ أيضًا أنَّ المــرأةَ مكانها المطبخ والفراش وأنها قد تكتسب ورقة الدخول إلى الجنة إذا كرست حياتها لخدمة زوجها وسعت إلى إرضائه وطلب مرضاته وتجنبت غضبه وسخطه. فهو المطالب بستر ضعفها وعورتها باــ “لبيت “!
وفي هذه الحال، لا طائل من لباس أكان ساترا أم كاشفا لهذه العورة، و”العورة”، لغة ، الخلل والعيب وكل ما يخجل من ذكره، والعور الشين والقبح !!!….
وحين انتهى الرجل إلى القبول بخروج المرأة إلى الحمام أولا، وإلى السوق والمدرسة فيما بعد، وضع المشايخ لها سجنا من لباس “يغيبها” من رأسها إلى القدم، حتى لا “يكشف” عنها إلا “مالكها” وصاحب الأمر والنهي عليها ، تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم التقاليد والأعراف، وجهل الجاهلية الأولى، وهكذا تشكل لباس المرأة وفق مشيئة الرجل الذي له الأمر، وعليها الطاعة إلا في معصية الخالق !
ولباس المرأة العربية المسلمة يختلف من مجتمع مسلم إلى مجتمع مسلم آخر، تحكمه المزاجية والثقافة الشعبية وشروط التطور الناتج عن مخالطة شعوب أخرى وحضارات مختلفة، وانتشار الوعي بأن المرأة ليست “متاعا” ولا “دمية جنسية” بل بشر مثل سائر البشر خاطبها الله كما خاطب الرجل سواء بسواء، وأوجب عليها دينا ودنيا، ما أوجب على الرجل ، وبالتالي فإنه يصعب القول بما يوزعه بعض المشايخ من أفكار وآراء بخصوص المرأة تمس بإنسيتها وحقوقها ووجودها……
وبالعودة إلى الجدل الحاصل بخصوص لباس المرأة الذي فيه يختلفون، يجب التذكير بأننا لم نعرف للمرأة بالمغرب سوى “الحايك” بالنسبة للمرأة الحضرية و”أشمال” بالنسبة للقروية وهو لحاف من صوف ، بينما الحايك “يحاك” من قماش، وكلاهما يلف جسد المرأة لفا من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، بينما يتولى “لثام” غطاء الوجه من الأنف إلى الذقن .أما المرأة القروية فغالبا ما تستغني عن اللثام حيث إنها تمسك بيديها طرفي أشمال (ولعل أصل الكلمة أمازيغي) وتدفع بهما إلى الوجه وتترك متنفسا عند العينين. هذا في حالة زيارتها للمدينة أما في القرية فإنها غالبا ما تكون سافرة، لا تحتاج إلى “ستر ما ستر الله” لأن أهل البوادي لا يشعرون بالكبت الجنسي الذي يملك على رجال المدن عقولهم وقلوبهم ومشاعرهم…
وفي مسيرة المرأة المغربية للتحرر من بعض صور الجمود التي كانت تطبع حياتها، وحتى تقترب أكثر من الرجل ومحاكاته في لباسه، تعبيرا عن نوع من المساواة ولو على مستوى اللباس، انتقلت المرأة من الحايك إلى الجلباب الذي كان حكرا على الرجال. إلا أنها “هذبت” الجلباب الذكوري بما يساير نعومة جسمها ورقة أنوثتها ، الجلباب يغطي كامل جسمها بينما جلباب الرجل يتوقف عند الركبة أو ينزل قليلا، وعدلت “القب” بما يجعله يستوعب رأس المرأة وشعرها ، و تفننت في صنع “اللثام” بأن زينته برسوم من الطرز المغربي الأصيل حتى صار تحفة تسر الناظرين، وتعمدت، فيما بعد، التغاضي عن انفلات خصلة من شعر الرأس من تحت “القب” حيث يزيد الجبهة والعينين جمالا وحسنا وبهاء.
وتطور الجلباب من لباس “حسبي” يخاط غالبا من قماش “الشركا” صوفا أو قطنا أو خيطا، يضفي عليه نوعا من الرزانة الجدية إلى قماش بالوان “مفتوحة” ، زاهية، توحي بالسعادة ولأمل والتفاؤل ، كما أن طريقة الخياطة تطورت بشكل رائع لتقترب من القفطان تتوسطه “سفيفة” من الطرز الرفيع يحيط بــ “العقاد”، والطرز يكون بـ “الماكينة” أو باليد حيث يختلف الثمن بين هذا وذاك لأن طرز اليد عمل فني رائع وبناء “تشكيلي” يعكس مهارة الخياطة أو الخياط ، وقدرتهما على الإنشاء والإبداع. أما اللثام فقد صار خفيفا وشفافا نوعا ما ، يوحي بالجمال، جمال ما يخفي وجمال ما يظهر، حتى أن المرأة، خاصة في طنجة وتطوان وبعض مدن الشمال كانت تبدو في جلابتها و”القب” واللثام، في منتهى الرقة والعذوبة والجمال …سبحان الخالق !
ومع ذلك، فإن الرجال كانوا يحترمون وجود المرأة في الشارع أو في السوق ولا ينطقون في حضورها بكلمة نابية، أو كلام فاحش، فلم تكن من المروءة أن يتحرش الرجال بالمرأة إذ أن التحرش جاء مع الثقافات الدخيلة وضياع بعض القيم المجتمعية . ثم إن احترام المرأة، من طرف الرجل، هنا في طنجة، على الأقل، كان وإلى وقت قريب ، يمثل قمة التربية والأخلاق والمروءة في التعامل مع المرأة التي كان ينظر إلى أسرتها وأهلها قبل النظر إليها.
وهكذا تعايش الحايك والجلابة مع الحياة العصرية، فيما فضلت بعض النساء خاصة الفتيات، اللباس الإفرنجي الذي يساعدهن أكثر في حياتهن الدراسية والعملية، ولو يكن في ذلك من حرج بالنسبة لهن أو لأهلهن. ومع أن المدينة كانت ولا زالت تزخر بالفقهاء والعلماء، فلا أحد اعترض ، لإيمان الجميع بأن العفة مسألة أخلاق وتربية، وأن التشدد في لباس المرأة غالبا ما يأتي من رجال مكبوتين جنسيا ويريدون تصريف كبتهم على المرأة بـــ “تغييبها” داخل “كفن” أسود ، سموه ما تشاؤون، يشهد التاريخ والجغرافيا أنه دخيل علينا وعلى قيم ثقافتنا و أصالة مجتمعاتنا. …