أمّة العرب الشاردة.. ولعبة الكبار
جريدة طنجة – مصطفى بديع السوسي ( العرب )
الأربعاء 28 دجنبر 2016 – 18:26:19
هل عجزت القوة الغربية الأولى عن إيقاف الحرب الأهلية بسوريا وإطفاء أوارها… من قال بذلك فهو واهم… لو أرادت لفعلت… لو أرادت روسيا لفعلت، أما إيران وتركيا فإنهما ذيلان يتوزعان بين شرق وغرب في شبه حلف مشبوه كذبوا ولو صدقوا… فالحرب مكسب لأمريكا وروسيا… تجارة السلاح مزدهرة وسياسة كسب المواقع رائجة… وهما يضحكان على العالم ويحيلان القضية… قضية تدمير وطن وتصفية أهله، وتمزيق وحدته إلى مجلس الأمن الذي يلعب فيه الكبار لعبة النقض ثم تلتئم لجان وجمعيات وينبري خطباء للتنديد، وتصدر في الأخير توصيات لا تحرك للفتنة ساكنا… أما القرارات فهي عقوبات ومزيد من العقوبات ضد المعتدي، عقوبات تمنع كبراء البلد من التنقل عبر العالم…! فبماذا يفيد هذا ضحايا الفتنة والقتل المجاني؟.. وبماذا ينفع حشود المشردين واللاجئين في عز الصقيع وزمهرير الشتاء؟!…
العالم المتقدم كله يمارس لعبة الاستغماية على المنكوبين، ويهزأ من استجداء المغلوبين به… بينما الآخرون يجمعون الصدقات والمعونات للاجئي المخيمات ومحاصري المدن المشتعلة…
وقد اختلطت الأمور على الناس أمام كم وتعدد وتلون واختلاف الأسماء والمسميات… والألوان والألوية والجماعات.
عسكر نظامي، دواعش، جيش حر، النصرة، جيش فتح الشام، الدعم الشعبي، الأكراد، ثم رايات أخرى انبثقت عن فتنة ليبيا.. في طرابلس، وبنغازي، وسرت، وحرب مواقع للاستئثار بحقول النفط… ومع ذلك مازال هناك من يستمع إلى خزعبلات أمريكا، وتلويحات روسيا، وبينهما إيران وتركيا والمواقف الموالية ثم المتناقضة… بالأمس كانت تركيا تطالب برأس الأسد وتقول أنه لا مخرج للأزمة إلا بذهابه، واليوم تدعي بأنها لا تستهدف الأسد.. وهذه هي السياسة لا روح فيها… لا ضمير، ولا مبادئ، وكما قلت سابقا في السياسة لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، ولكن مصالح دائمة…
وللذكرى، فبالأمس أيضا وصلت العلاقات بين روسيا وتركيا إلى الحضيض بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية.. تركيا سعت بعد ذلك وبكل الوسائل إلى الاعتذار لروسيا، وإلى التمسح بقباب قصر الكرملين إلى أن انفجرت الأمور والتحقت تركيا بركب روسيا…
تركيا نفسها، وبعد حادث سفينة مرمرة لفك الحصار عن غزة، ورغم ضحاياها، عادت لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد غضبة كصفير الريح أو السحاب الذي لا ي مُطر فذهب الضحايا مع شربة ماء م سُكر إثر تبادل الأنخاب…
لازالت أمة العرب الشاردة تثق في مسيلمة الكذاب وتصدق نبوءته الضالة… وتبحث عن الخلاص في مجالس «الحكماء » والدائمي العضوية… وأروقة الأمم والجمعيات ومراتع الببغاوات… مازال العرب، رغم إمكانياتهم الهائلة، غير قادرين على حل خلافاتهم المزمنة، ففوضوا لأمم وقوى أخرى حل إشكالاتهم المعقدة، لدرجة طالب معها الرئيس الأمريكي الجديد من دول الخليج منح بلاده ثلث عائدات النفط مقابل الحماية التي توفرها لهم أمريكا.. وهكذا دفع التخاذل العربي إلى الطمع الغربي. أضف إلى ذلك، تصويت الكونغرس الأمريكي على حق كل مواطن أمريكي تضرر في حادث برج نيويورك أن يرفع دعوى المطالبة بالتعويض ضد المملكة العربية السعودية، بدعوى رعايتها للإرهاب، وإلا فسيتم اللجوء إلى المدخرات السعودية بالولايات المتحدة.
وعندما سمُح لبضعة آلاف محاصر سوري بالخروج من حلب الشرقية إلى حلب الغربية، كانت روسيا هي الراعية، وهي الحارسة، وكان العرب هم آخر من يعلم بالرغم من قوتهم العددية، وقوتهم الاقتصادية، ولكنهم غثاء كغثاء السيل وبإطلالة سريعة على الحصيلة الثقيلة للصراع المسلح في سوريا نجد أنه قُتل ما بين 400 ألف ونصف مليون سوري.
وأصيب ثمانية ملايين بإعاقات جسدية، ود مُرت ثلث مدارس سوريا وكل مدارس شرق حلب، ونزح الشعب إلى مناطق أخرى داخل سوريا وخارجها، و 13 مليون شخص أصبحوا بحاجة إلى مساعدات، بينهم 5 ملايين و 800 ألف طفل، وجود أكثر من مليون شخص تحت الحصار، و 7 ملايين و 900 ألف يعيشون في مناطق يتعذر الوصول إليها، وعملية الإجلاء لم تشمل لحد الآن إلا فئات قليلة كالفتات وسط الزحام. ثمانون في المائة أصبحوا يعيشون تحت حد الفقر، ومع ذلك، ورغم ما يعانيه العرب في ديار الفتنة أو غيرها، فحضارتهم بأبراجها وبحيراتها الاصطناعية بنيت بكفاءات أجنبية.. أمريكية بالخصوص، فلا غرابة أن تتقوى علينا هذه القوى الكبرى، ثم أن تجعل الأرض العربية سوقا للسلاح، وكثيرا ما استعملت في حروبها المفتوحة أسلحة جديدة للتجربة كصواريخ «طاو 2 ألف » و «طاو 2 باء » و «طاو بانكر باستر » التي تنتجها شركة «رايتون » الأمريكية، والتي ج رُبت في شرق حلب بسوريا… وامتدت شرايين الهيمنة والتحكم لتشمل إفريقيا وتركز ذلك بالخصوص في تأسيس «أفريكوم » وجعل مقرها كمركز للقيادة الإفريقية في السينغال، فأصبح أطلس إفريقيا أمريكيا بلا منازع، في حين ليس للعالم العربي دور حتى للاستشارة.
فالمفروض أن يلتئم لكل القرارات الفوقية. فالدول المتقدمة تملك كل أوراق الضغط… كما أن لائحة الاتهامات و الافتراءات وحتى الأكاذيب جاهزة كتشجيع الإرهاب، ومعاداة السامية وغيرها… ألم ت بُرر الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الموالية لها اكتساحها لعراق صدام بتوفره على أسلحة الدمار الشامل، وسعيها لتدميرها؟… وأخيرا وبعد مهزلة الاجتياح، وقربان عيد الأضحى، تبين للعالم أجمع أكذوبة بوش الأب والإبن.. فلا أسلحة دمار شامل ولا هم يحزنون… وقد قالها صراحة الوزير الأول البريطاني آنذاك طوني بلير في مذكراته واعترف بالأكذوبة الكبيرة…/ وتساءل الباحثون يومها : لماذا لم تمارس أمريكا وحلفاءها نفس الجنون مع كوريا الشمالية رغم توفرها على هذه الأسلحة التدميرية… ورغم تجاربها المتكررة لأسلحة متطورة بعيدة المدى، ورغم تهديدها لجارتها كوريا الجنوبية التي تحظى بالمظلة الأمريكية؟.. وهو تساؤل مشروع خصوصا أمام كم التهديدات التي وجهتها أمريكا للنظام الشيوعي بكوريا الشمالية… وتجاهل هذه الأخيرة للتهديد بل ومواجهته بمزيد من التجارب للأسلحة التدميرية…
هكذا ترسم خريطة العالم… فلا مكان للضعيف مهما بلغت قدراته المادية والاقتصادية، فالعالم م جُمع للكبار وملك لهم أيضا، لذا خلقوا أسطورة «العالم الجديد .» وفي الأفق القريب والبعيد، تبدو ملامح تشكُّل خريطة جديدة مثيرة قد تكون حافلة بالمفاجآت، فكل شيء ممكن الحدوث..