ملف أمانديس.. أولى هزائم المصباح بطنجة
جريدة طنجة – محمد العمراني (امانديس)
الأربعاء 14 دجنبر 2015 – 11:04:08
وبدت حينها مدينة طنجة تغلي، وصار جليا أن الناس قد أرهقتهم ممارسات هاته الشركة، ولم يعد بمقدورهم التحمل أكثر، وصبرهم قارب على النفاذ..
الانخراط الشعبي العارم لقي تجاوبا حازما من طرف الملك محمد السادس، أعطى أوامره لرئيس الحكومة ولوزير الداخلية من اجل الانتقال إلى مدينة طنجة، بعد أن صار مجلس المدينة، الممثل الشرعي للساكنة، في حالة شرود، وقد تجاوزته الأحداث..
وبعد لقاءات مارطونية، انتهت بتقديم التزامات وتعهدات تخص إحداث قطيعة جذرية مع ممارسات الشركة الفرنسية، وتم التسريع بتنزيل تدابير عاجلة، همت مراجعة الفواتير، وتفعيل مذكرة العداد المشترك، وإلزام الشركة بتطبيق دفتر التحملات، وإخضاعها للمراقبة والمحاسبة، الأمر الذي ساهم أخيرا في نزع فتيل التوتر، وخمدت الاحتجاجات، بعد اقتناع الساكنة بضرورة منح الفرصة للقائمين على تدبير شؤون المدينة من أجل إخراج هاته القرارات إلى حيز التطبيق…
اليوم وبعد مرور سنة على الحراك، من حقنا التساؤل عما تحقق من التزامات وتعهدات..
الإخوان في حزب العدالة كانوا يتذرعون، أيام المعارضة، بأن أمانديس تغولت واستأسدت لكونها لم تخضع للمحاسبة من طرف المجالس المتعاقبة، حيث لم يتردد العديد من قيادات المصباح في إطلاق تلميحات، وصلت حد التصريح في أحايين كثيرة، إلى وجود تواطؤات من طرف المجالس المتعاقبة مع الشركة الفرنسية!..
ولذلك توجهت الأنظار إلى الطريقة التي سيتعاطى بها هذا الحزب، الذي حملته صناديق الاقتراع إلى موقع المسؤولية بقصر البلدية، عقب استحقاق 4 شتنبر 2015.
وكانت الآمال معلقة على مداولات مجلس المدينة بخصوص ملف مراجعة عقد أمانديس، حيث راهن ساكنة المدينة على الصورة التي سوقها الإخوان عن أنفسهم، حيث الجدية والصرامة، والحرص على الدفاع عن مصالح الساكنة هو منهجهم الذي لن يتزحزحوا عنه قيد أنملة..
وانتظر المواطنون أن يتم التصدي لجبروت الشركة ومحاسبتها على السنوات التي استباحت فيها جيوب المواطنين، ونهبها لأموال ساكنة المدينة بدون وجه حق، خاصة وأن الماسكين بزمام المدينة، كان بحوزتهم تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تدبير الشركة الفرنسية لتدبير هذا القطاع، حيث وقف على اختلالات خطيرة، وهو التقرير الذي كان بالإمكان الاعتماد علبه كخارطة طريق لإصلاح ما يمكن اصلاحه، وإعادة الشركة إلى جادة الصواب..
لكن بحجم انتظارات الساكنة، بحجم صدمتهم إزاء الموقف الغريب للإخوة، المسؤولين عن تدبير شؤون المدينة، الذين بدوا طيعين ومنقادين لمخططات الشركة…
لقد نجحت أمانديس في استصدار قرار مجلس المدينة بالمصادقة على مراجعة عقد تدبيرها لقطاع توزيع الماء والكهرباء، وترسيم بقائها بالمدينة إلى غاية 2027، بل الأكثر من ذلك تمكنت الشركة الفرنسية من إدخال ممثلي الساكنة إلى بيت الطاعة، ولجم ألسنتهم التي كانت تتطاول عليها، وتطالب بمحاسبتها…
وهكذا صوت الإخوان بالموافقة على خلاصات المراجعة، وتم منح الشركة شهادة إبراء الذمة على ما اقترفته من جرائم في حق المدينة وفي حق الساكنة..
اليوم وبعد مصادقة وزارة الداخلية على قرار مراجعة عقد أمانديس، الذي اعتمده مجلس المدينة، هل يمتلك القائمون على تدبير شؤون المدينة ما يكفي من الجرأة لمراقبة الشركة الفرنسية، وإلزامها بتنفيذ مقتضيات دفتر التحملات؟..
لا أمل يبدو في الأفق..
فحزب بنكيران وبعد سنة كاملة على تحمله مسؤولية تدبير شؤون مدينة طنجة، لم يتخذ ولو تدبيرا واحدا يستشف منه أنهم بصدد التحضير لمرحلة جديدة تقطع مع نمط المراقبة المعتمد طيلة السنوات المنصرمة…
فالجهاز المكلف بالمراقبة الدائمة للتدبير المفوض لازالت تركيبته البشرية كما هي، حيث لم يتم تعزيزه بموارد بشرية إضافية، مثلما لم يتم توفير الوسائل اللوجستيكية لتجويد أداء جهاز المراقبة!..
لقد أظهرت الأيام أن الشركة الفرنسية نجحت في امتصاص الغضب العارم للساكنة، وتأكد بالملموس أنها سايرت موجة الاحتجاجات، وأن جميع التدابير والإجراءات التي تم التطبيل والتهليل لها، كانت مجرد ذر الرماد في العيون ليس إلا..
وأبرز نموذج لهذا التحايل، ذلك المتعلق بتطبيق مذكرة العداد المشترك، ففي الوقت الذي سوقه الإخوة في العدالة والتنمية على أنه إنجاز تاريخي، تبين بعد ذلك أن أمانديس فرضت على مجلس المدينة أداء فارق الاستهلاك عن الأسر المستفيدة من فوترة العداد المشترك، حيث كلف ميزانية الجماعة ملايين الدراهم..
أي بعبارة أوضح لقد تحول مجلس المدينة إلى صندوق مقاصة موضوع رهن إشارة الشركة الفرنسية لتعويض فارق الاستهلاك الحقيقي. وهذا يعني أن قصة العداد المشترك كان أكبر عملية نصب وخداع تعرض لها سكان مدينة طنجة، والدليل أن مجلس المدينة قرر إيقاف العمل بمذكرة العداد المشترك مباشرة بعد هدوء الاحتجاجات، بعدما وجد نفسه متجها نحو الإفلاس…
أما فيما يخص الالتزامات التي أخذها على عاتقه مجلس مدينة طنجة بخصوص تغيير تعامل الشركة الفرنسية مع المستثمرين، فإنه إلى حدود يوم الناس هذا لم يحدث أي تغيير جوهري، ولازالت الشركة تعتبر أحد أكبر معيقات الاستثمار بالمدينة، ولكم أن تسألوا المستثمرين في القطاع الصناعي والمنعشين العقاريين عن ممارسات هاته الشركة، ومعاناتهم مع شططها، في غياب أي مخاطب يمكن التوجه إليه لحمياتهم من بطشها وجبروتها…
مؤلم حقًا أن يتحَول مُمثلو الساكنة، الذين تحمّلوا مسؤولية الدّفاع عن مصالحِ المدينة والساكنة، بتفويض ديمقراطي، إلى أداة طيعة في يد الشركة الفرنسية، التي يعلم الجميع طبيعة الجرائم التي ارتكبتها في حق الساكنة وفي حق المدينة، و بها تنفذ مخططاتها..
فالنوايا الطيبة تقود في غالب الأحيان إلى جهنم….