عيد الأضحى بالمغرب .. إستغلال للمناسبات الدينية و تشويه للموروث الحضاري للشعوب المسلمة.
السبت 10 شتنبر 2016 – 17:25:00
كما هي العادة تسارع وزارة الفلاحة لنشر أرقام عدد الرؤوس من الماشية المرصودة للعرض مع اقتراب العاشر من ذي الحجة. وبالموازاة مع ذلك، تدخل المؤسسات المالية في سباق محموم مع الزمن لاصطياد عدد أكبر من طالبي السلف. فتغزو الإعلانات الإشهارية القنوات و الشوارع ، حتى المحلات التجارية الكبرى، تلجأ للإشهار من خلال تقديم عروض للسلف لشراء كبش العيد و أجهزة ألكترونية مرتبطة بذلك كالثلاجات و الشوايات مثلا، الأمر الذي تلجأ له العديد من العائلات المغربية ، الاقتراض من أجل شراء الأضحية، على الرغم من أن الأمر لا يرتبط بفريضة مؤكدة، وهو ما يعتبره علماء الاجتماع “ظاهرة حديثة” مرتبطة بالتحولات التي طرأت على المجتمع في الآونة الأخيرة، في حين يؤكد علماء الدين أنه “لا حاجة للاقتراض لتطبيق السنة”.
علي الشعباني، عالم الإجتماع، يقول إن لجوء الأسر إلى الاقتراض من أجل اقتناء أضحية العيد “ظاهرة حديثة” تعود إلى أن “مفهوم عيد الأضحى قد تغير؛ ففي الماضي كان لهذا المفهوم طابع ديني تنفيذا للسنة النبوية، قبل أن يصبح مظهرا احتفاليا وولائميا في الوقت الراهن”.
ويرى الشعباني، أنه حينما كان الناس يحافظون على المفهوم الديني للعيد كانوا يلتزمون بالقدرة الشرائية؛ فإن كانت للفرد مقدرة مادية يضحي، وإن لم تكن له لا يقوم بذلك”. وأردف المتحدث ذاته أن “البعد الديني فقد، وتحول العيد إلى احتفال يرتبط بالولائم والزيارات”.
وتحدث الخبير السوسيولوجي أيضا عن تغير في عقليات المواطنين المغاربة، مشيرا إلى أن “المسلم كان يعتبر أن الاقتراض حرام لغير الضرورة وأن الدين دين يسر وليس بعسر”، مؤكدا أن اقتناء أضحية العيد أصبح اليوم يرتبط كذلك بـ”نوع من المباهاة والأنفة، فلا يمكن أن لا يضحي شخص فيما بقية الجيران قامت بذلك”. وأوضح الشعباني أن السبب في اللجوء إلى الاقتراض مرتبط أيضا بتسهيل القروض.
من جانبه، أوضح أستاذ التربية الإسلامية ، حسن الابراهيمي ، أن الأضحية هي سنة مؤكدة للقادر عليها، ومن لم يقدر فلا تلزم ، و أضاف، : “قد ضحى النبي ﷺ بكبشين أقرنين أملحين، فقال عند ذبح الأضحية الأولى بعد البسملة والتكبير: اللهم هذا عن محمد وآل محمد ، وقال في الثانية بعد البسملة والتكبير: اللهم هذا عمن لم يقدر من أمة محمد”.. وخلص المتحدث ذاته إلى أنّه “لا حاجة للاقتراض لشراء الأضحية”.
بالمغرب، يعلم المواطن البسيط أن شركات السلف و متاجر السوبر ماركيت يمتلكها الحاكمين. وهي على رأس المستفدين من مناسبة عيد الأضحى. وأرباحها تتضاعف خلال هذه الفترة، فيما تبقى الأسواق التقليدية لعرض المواشي، رغم أهميتها من حيث عدد زبنائها، تتسم بضبابية وعدم وضوح الجهات الأكثر استفادة : هل هم المربون الصغار و المتوسطين أم المعلفين و المسمنين ؟ أم السماسرة و الشناقة؟
مهما يكن، فإن الجزء الأكبر من الأموال التي تروج في سوق الأغنام، لا تذهب للعالم القروي، و هي أموال تقدر بمئات الملايين، و من هذه الزاوية، لا يمكن أن نقول أن الدورة الإقتصادية لعيد الأضحى تساهم في تنمية البادية المغربية، أين يذهب هذا الرأسمال ولماذا لا يخلق ما يكفي من التراكمات على مر السنين، لإصلاح أوضاع و حياة الناس بالبادية؟
إنها دورة اقتصادية مغلقة، الكساب الصغير يسترجع مدخراته لتوليد خرفان جدد للموسم المقبل، و هو ما يجعل من الصعب أن يحصل لديه تراكما رأسماليا كافيا لنشله من واقعه المزري المقيد بتعاقب سنوات الجفاف المريرة و و الشروط المجحفة التي تستنزف عرقه و شقاءه والمفروضة من المؤسسات الزراعية المموّلة.
يذهب الجزء الأكبر من الأموال التي يضخها العيد الى المؤسسات المالية و التجارية و الى الأشخاص المتدخلين في عمليات البيع وهم غالبيتهم ليسوا بقرويين. وهؤلاء هم المستفيدين من سوق الغنم. وليس في بالهم بتاتا استثمار أرباحهم أو جزء منها في مشاريع إقتصادية و إجتماعية بالعالم القروي.
اذا كان الفقراء و أيضا الجماهير القروية لا يستفيدون من عيد الأضحى، فمن يستفيد إذن؟
بالاضافة للمؤسسات المالية و التجارية طبعا، تستفيد الدولة و نظامها السياسي بالأساس من هذه المناسبة. فهي أولا آلية تنفيس كبرى، تشل الحياة العادية للمواطنين و تدخلهم قسرا في جو مشحون ومفعم شكليا بالتعاليم الدينية. عمليا يعتكف غالبية المضحين في بيوتاتهم لمدة قد تصل لأسبوع كامل. بالمدن الكبرى، حيث ينتمي أصحاب الدكاكين التجارية و المحلبات و الورشات الحرفية الصغرى و المتوسطة، الى بلدات قروية أو مدن صغرى بعيدة عن موقع تجارتهم، يستغلون المنافسة لاقفال محلاتهم و السفر الى ذوييهم.
بطنجة مثلا، تشل الحركة التجارية المرتبطة بشكل مباشر بحياة المواطن بوجه عام لفترة قد تتجاوز الأسبوع. لن نتكلم عن ما يراكمه العيد من مشاكل مرتبطة بالنفقات المنزلية و العائلية التي تتضرر بسبب ارتفاع ثمن “الحولي”.
نعم، يستفيد النظام السياسي من هذه المناسبة و يستغلها لإعادة انتاج آليات تحكمه في المجتمع و فرض وصايته عليه. ظرفيا، ولو لبضعة أيام، يوفر عيد الأضحى للمهمشين و العاطلين فرصا لكسب بعض النقود. فالعديد من الشرائح الإجتماعية المنبوذة تجد في الدورة الاقتصادية المغلقة للعيد وسيلة للتنفيس و الخروج المؤقت من حالة العوز المستديم . كما أن بعض أفراد الطبقة الوسطى من مالكي العقارات السكنية، يستفيدون هم أيضا من خلال كراء “كراجات” لبائعي الغنم غير عابئين بالضرر الذي يتسببون فيه لبيئة حيهم و محيطهم.
حقًا في مثل هذهِ الأجواء، هل لازال للأضحى فلسفته الدينية و الاجتماعية التي تدعو للتكافل و التآزر و مساعدة الفقراء و المحتاجين؟
بتركيا مثلا ، حيث مكنت التنمية على مدى السنوات العشرين الأخيرة، من رقي الوعي الإجتماعي للأتراك. بعد صلاة العيد، يقوم البعض بالتوجه للجمعيات الخيرية و التنموية لكي يتبرع لهم من خلال شيك بنكي بثمن كبش العيد. و قد أفتى مفتي الجمهورية فيما مضى بأن ذلك مستحبــًا، نظرا إلى فساد الكميات الكبيرة من اللحوم التي يتصدق بها المضحون للجمعيات بسبب افتقاد هذه الأخيرة لخزائن تحفظها من التلوث.
الإسلاميون الذين يتبجّحون بتجربة الحــزب الاسلامي الحاكم بتركيا، ينتقون ما يتماشى مع مصالحهم، لذلك فهم لا يقفون عند هذا الإجتهاد الذي يحول مبدأ الأضحية الى فعل ملموس للتضامن و البناء الذي يعود على الجماعة الإسلامية بالخير و المنفعة. العالم يتطور، أيضا المؤسسات و المقاولات و السماسرة و المحتكرون من منتهزي الفرص .. يتطورون في اتجاه معاكس لأي تنمية وطنية حقيقية باستغلال المناسبات الدينية و تشويه الموروث الحضاري للشعوب المسلمة…