قسمة ضيزى (1)فجرت غضب عدد من صحافيي الصحافة المكتوبة
النباش محمد وطاش
كانت فرحتنا بالإعلان عن توزيع كعكة الدعم التكميلي،فرحة لاتضاهيها سوى فرحة أولاد وبنات المزاليط بيوم العاشور،حيث بتنا نحلم ب”الشعيلة”وبنصيبنا من “حلوى باباعاشور”، ذاك الدعم التكميلي المطمورالذي انتظرنا الإفراج عنه لشهور،أملا في تغيير شيء من حالنا المستور؛ لكن وببالغ الحسرة والأسف تحولت الفرحة إلى قرحة ،حينما تبخرحلمنا وخاب ظننا ،إثر تقسيم الكعكة بسكين الغدروالخيانة،الذي طعن صلب ميثاق شرف المهنة، وأبان عن نوايا مبيتة في حشاشة هذا الجسد الصحفي العليل، المتخن بجراح الميز والتفرقة والعنجهية والأنانية والاستعلاء وشتى السلوكات المرضية التي كادت تفقد هذا الجسد هيبته وسلطته وتوازنه،فأضحى كبهلوان سيرك يقفز على الحبل تارة،ويلعب “سمسبوت”تارة أخرى.
كان زملاؤنا الأشاوس في زمن “التضحية والكفاح”يقاومون بأقلامهم النظيفة كل أشكال الجور والحيف والظلم والاستبداد والفساد،وكانوا ” يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة”؛يتقاسمون بالقسطاس مع زملائهم البسطاء شطائرالخبزوالسردين المصبر وحبات الزيتون في ردهات المطابع ومكاتب التحرير،قانعين بالقليل ،غير طامعين في الكثير ؛ورغم أجورهم الهزيلة التي بالكاد تسد الرمق كانوا يقدمون الدعم بسخاء لزملائهم الأحوج منهم،ولايبخلون عليهم بالسلف،وتعويض ماتلف؛كانوا طينة من الصحافيين الطيبين المتآزرين ،المتكافلين،المتضامنين في السراء والضراء،الحريصين أشد الحرص على تمثين أواصر الزمالة وأداء الواجب بأمانة؛لم يبق من أمثال هؤلاءالزملاء الشرفاء سوى قلة قليلة تناضل في الخفاء، بعدما اكتسحت الساحة شرذمة من الصحافيين النفعيين الطلحاء ، ممن يعكرون الأجواء ويمتصون الأثداء، إذ ترى كذا واحد منهم “أنفه في السماء وإسته في الماء”يتربص الدوائرللإثراء وإثارة القلاقل بين الزملاء،فسحقا لهؤلاء الدخلاء أصل كل بلاء،و نحن منهم براء.
إننا لاننكرما بذلته نقابتنا العتيدة ،عبرتاريخها النضالي المجيد، من جهود جبارة لضمان سلامة هذاالجسد الصحافي المتهالك وتطهيره من شتى العلل والشوائب ،صونا لطهر الدماء السارية في عروقه وشرايينه، وحفاظا على كرامته وماء وجهه؛حيث بادرت إلى إخراج ميثاق شرف المهنة،وأصلحت ذات البين بين الصحافيين ومشغليهم،وآزرت زملاء مطرودين من عملهم بتوكيل محامين للدفاع عن حقوقهم،كما ساهمت في ميلاد جمعية أعمال اجتماعية تساندهم في محنهم؛و ناضلت من أجل انتزاع دعم تكميلي لتحسين أوضاعهم؛ولازال درب النضال طويلا أمام نقابتنا العتيدة في عهد زميلنا “الشريف “عبدالله البقالي حامل مشعل “الصحافة الوطنية المواطنة”التي لافرق فيها بين صحافة مركزية وصحافة جهوية؛ فالصحافي المهني الحامل لجنسية مغربية وطني ،سواء كان ينتمي إلى منبر شمالي أوإلى منبرجنوبي، فكلنا جند مجندون بأقلامنا لخدمة قضايا هذا الوطن الحبيب بقلوب أصفى من حليب، وليس لأي كان حق التمييز بين صحافة وطنية وصحافة جهوية ،لما في ذلك من إهانة وتحقيرلشريحة عريضة من الزملاء ؛ فهذه الخلفية المتجذرة في لاوعي شرذمة من المجزئين والشطار الصحافيين بانت حقيقتها وفاحت رائحتها في أجواء تقسيم كعكة الدعم التكميلي لصحافيي الصحافة المكتوبة/المكلومة،وهي قسمة ضيزى لغلاف مالي قدره 12مليون درهم ،وزع شيكات غيرمتكافئة الأرصدة بين(صحافيي المركز)و(صحافيي الجهة)فكان نصيب الأولين من الكعكة ،بلهجة أهل الشمال، هي(جوج كيلو وربع )،ونصيب الآخرين(كيلوؤنص ربع).حصة الأسد كانت لزمرة من الزملاء الصحافيين المنعمين،منهم من يصل راتبه الشهري، ولاحسد، إلى ثلاثة كيلو “الله يزيدو”؛وببلاغة شعبية نقول”زادوالشحمة ف … المعلوف”وهذا في بلاد العجب شيء مألوف.
كان حريا ،وبشيء من العفة والشهامة أن يتنازل أصحاب الكيلوات الزائدة عن نصيبهم من الكعكة لصالح زملائهم المحتاجين أشد الحاجة لهذا الدعم،أوعلى الأقل، استنكار وإدانة هذه القسمة الضيزى/ غيرالعادلة؛والمطالبة بتقسيم الكعكة بالقسطاس بين كافة الزملاء،لافرق بين ميسورومعسور،ولا بين صحافي مهني جهوي وصحافي مهني مركزي؛أما والحالة تلك ،فسلام ياصاحبي على الصحافة والصحافيين.
إلى حد الساعة لم تصدر نقابتنا العتيدة سوى بلاغات محتشمة عن هذا الدعم التكميلي “التنقيصي” الذي نقص من قيمة الصحافي المهني وشطرجسده شطرين، بين مركزي وجهوي؛ولم يصدر أي بلاغ توضيحي بعدد المستفيدين من هذاالدعم، ولاالمبالغ المرصودة لكل مستفيد ،ولاعرض المقاييس والمعاييرالتي حدد وفقها تقسيم هذا الدعم ؛و سبق لرئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن أوضح في لقاء جمعه مع زملائنا بالبيضاء أن” حوالي 800 صحفي مهني سيستفيدون من الدعم، وفق ثلاث فئات هي كالتالي: الفئة التي تتقاضى أقل من 6000 درهم، ثم الفئة التي تتقاضى ما بين 6000 و9000 درهم،ثم الفئة التي تتقاضى ما بين 10000 و19000 درهم”.
إلا أنه قد انقلب عاليها سافلها فاختلط الحابل بالنابل ،حيث استفاد من الدعم بالتمام والكمال جل الصحافيين “المرفهين ” بينما حاز على نصفه من هم في أمس الحاجة إليه لضعف أجورهم وتردي أوضاعهم.
عددلايستهان به من الصحافيين المتضررين عبروا عن غضبهم من الطريقة التي دار بها ملف توزيع الدعم على الصحافيين، وطالبوا وزير الاتصال بفتح تحقيق في الموضوع ..
فبصفتي أحد هؤلاءالصحافيين الغير راضين بهذه القسمة الضيزى التي نلت منها “حصة ضبع” لاتكفي حتى لترميم مافقدته من أسنان ،خلال ماينيف عن الربع قرن من الكفاح في خندق الحروف ؛فإنني ألتمس من القائمين على تقسيم الكعكة بما لايرضي الله ولا الضمير المهني،جبر هذا الضررالذي نأمل أن لايتكرر.ومع ذلك فنحن لانكن العداء لأحد ،وتحية محبة وتقديرلكل الزملاء المستفيدين من الدعم(سواءكان تكميليا أوتنقيصيا)،وتحية مماثلة لنقابتنا العتيدة ولجمعية الأعمال الاجتماعية لصحافيي الصحافة المكتوبة على بذلوه من جهود وماحققوه من مكاسب بعد نضال مستميت،لكن ما ينقصنا هو شيء من الوضوح والشفافية ،مع بعض الإخلاص والوفاء و الإنصاف وتكافؤ الفرص ،سعيا لتكريس القيم النبيلة بين عشيرة الزملاء في حنطة المتاعب اللذيذة.
1_معنى قسمة ضيزى أي: قسمة جائرة؛ قال الطبري في تفسير قوله تعالى في سورة النجم: ( تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ) يقول جلّ ثناؤه: قسمتكم هذه قسمة جائرة غير مستوية، ناقصة غير تامة، لأنكم جعلتم لربكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه” .
قال القرطبي في تفسيره: ” قوله تعالى: { تِلْكَ إِذاً } يعني هذه القسمة { قِسْمَةٌ ضيزى } أي: جائرة عن العدل، خارجة عن الصواب، مائلة عن الحق. يقال: ضَازَ في الحكم أي جار، وضَازَ حقّه يَضِيزه ضَيْزاً عن الأخفش أي نقصه وبخسه “.