قراصنة “يخدمون” دولتهم ؟
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( خدام الدّولة )
الأربعاء 10 يوليوز 2016 – 12:33:00
في الماضي، كان البــاحث عن الخبر لا يَصِلُ إليهِ إلاَّ بعدَ جُهد جَهيد و قد يتَأخَــر عنـه بـأيــّام ضــوئية، أما الآن، فكبسة زر واحدة كافية لبلوغ أخبـــار كانت تعد من “أسرار الدولة”، و هكذا أصبح الشعب، بكل فئاته و طبقاته، قادرا على على بلوغ عيون الأخبار المختلفة مثل اختلاف العيون التي يورد منها الناس، فهذه العيون تختلف طبيعتها من مكان لآخر، منها ما يغذي جسم شاربه بالمعادن المفيدة، ومنها ما لا يتسبب إلا في تلوين قواطع مبتلعه بلون “الشكلاطة”
في الأيام القريبة الماضية انتشر خبر فريد على شبكات التواصل الاجتماعي بعد إذاعته في مواقع لا حصر لها، فرادة الخبر المنشور، الذي تأكدت صدقيته و ناقشته وسائل الإعلام الورقي، ليست في مضمونه الذي صور كيف حاز بعض الناس عقارات باهضة الثمن بأبخس الأسعار، بل الفرادة في ما استعمل لوصف هؤلاء “الهارفين”، فقد اختير لهم نعت “خدام الدولة”، و رغم أن الوصف لا يحمل أي مضمون قانوني يُخضعه لقواعد المصطلحات القانونية، أو يجعل منه موضوعا لبحث جامعي، فقد ذاع ذيوعا واسعا و أصبح حديث الجميع، تارة بلغة السخرية، وتارة أخرى بلغة الاستنكار، الحكومة المحكومة تقول إن تفويت “البقع الراقية” تم باحترام تام لمساطر مرسوم يُقال إنه صدر أواسط تسعينات القرن الفائت، أما القاضي المعزول محمد الهيني فنفى أن يكون أي مرسوم قد نشر في الجريدة الرسمية، كوسيلة تبليغ قانونية، ليخص أشخاصا بامتيازات عقارية كما في نازلة الحال.
بصرف النظر عن صحة نشر المرسوم من عدمها أو صدوره من انعدامها، فإن ما قامت به “الدولة” تجاه “خدامها” يقتضي إجراء مساءلة عسيرة أمام القضاء الدستوري قبل سلوك أبواب القضاء الجنحي، فكيف يعقل أن لا تنتبه الدولة أو أية جهة قضائية أو إدارية إلى العيب الذي شاب المرسوم المزعوم، بل و استندت عليه بغاية شرعنة سرقة الملك الخاص للدولة المغربية و منحه على رسم عقاري للمؤلفة كروشهم لا قلوبهم ؟
هل يعقل أن ينتظر المغاربة زَوال الفساد و تحقيق العَدل بين الناس لعقُود من حَيــاتهم ليكتشِفــوا عن طريق الصدفة أن قانونا، تُجهل طبيعته المكتوبة أو العرفية، يجري استعماله لتضخيم أرصدة لصوص المال الخاص للدولة؟ صحيح أنه ملك خاص للدولة، يحق لها التصرف فيه بكل أوجه التصرف القانوني، بيعا و رهنا و كراء، لكن أن تفوته بثمن بثمن زهيد لأشخاص بداعي كونهم “خداما لها” فهذا منتهى التمييز القائم على اعتبارات ما أنزل الله بها من سلطان بين أبناء البلد.
هل تعتبر “خدمة الدولة” وصفا قانونيا يرتب حقوقا دون التزامات؟ و من يملك صلاحية و سلطة إسناده للفرد ؟ و ما هي المسالك القانونية التي يتوجب سلوكها للحصول على هذا الوصف ؟ و ما هي طرق الطعن في قرار ضمني يحوز بموجبه فرد صفة “خادم الدولة” و يستثنى آخرون ؟ و هل يتعلق الأمر حقيقة بخدام دولة أم أنهم ليسوا سوى قراصنة “يخدمون” دولتهم ؟..


















