«الحشرُ » بدل «الفاتحَة »
جريدة طنجة – عزيز كنوني (حذف سورة «الفتح » من المقررات الدراسية )
الأربعاء 27 يوليوز 2016 – 18:50:12
وزارة بلمختار الذي لم يخجل من أن يتباهى أمام صحافية أجنبية أنه لا يعرف اللغة العربية، أصدرت بيانا بالفرنسية ربما، تعلن فيه أنها في إطار مراجعة «الهندسة » المنهاجية للتربية الدينية، لاحظوا ضخامة الكلمات تقرر حذف سورة «الفتح » من مادة التربية الدينية -ولم تعد الإسلامية- للسنة الثالثة إعدادي وتعويضها بسورة الحشر : «باسم الله الرحمن الرحيم . سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ». صدق الله العظيم.
لو أن الأمر تعلق باستبدال سورة كريمة بسورة أخرى كريمة، لهان الأمر، فالقرآن كله «هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان » ولكن ما شاع هو أن «الإعراض » عن «برمجة » سورة الفتح ، جاء بسبب ما تتضمنه من آيات تدعو للجهاد !
والجهاد جاء ذكره في 39 موضعا في القرآن الكريم. ورد «إسما » في 9 مواضيع كقوله تعالى «وأقسموا بالله جَهدَ أيمانهم » (الأنعام/ 109) .
وورد «مصدرا » في 4 مواضع منها « وجهاد في سبيل الله » ( التوبة / 24 )، وورد «فعلا » في قوله تعالى «والذين هاجَروا وجاهدوا في سبيل الله » )البقرة 218 (.
وجاء لفظ الجهاد في القرآن الكريم على مَعان:
– الجهاد بالسلاح ضدّ عدو ظـاهــر: ومنها قوله تعالى « وفضل الله المجاهدين
على القاعدين أجراً عظيما » (النساء 95 )
الجهاد بمعنى القول : «وجاهدهم به جهادًا كبيرًا » (الفرقان 52 )
– الجهاد بمعنى العمل : «ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه » (العنكبوت 6).
وقيل أيضا إن الجهاد ثلاثة أضرب : مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان
ومجاهدة النفس ، وتدخل كل هذه المعاني في قوله تعالى : «وجاهدوا في الله حق
جهاده ».( الحج 78 ).

ولكن «الجهاد » المقصود في وثيقة الوزير المعلوم، ربما يقصدون به اليهود وهو ما ورد في تعليق ل «المفكر » الأمــازيغي عصيد المعروف بمواقفه المناوئة للإسلام والذي، وإن عبر عن ابتهاجه بحذف سورة «الفتح »، فتح الله عليكم وعلينا أبواب الخير إلا أنه عارض في نفس الوقت اختيار سورة الحشر مكانها، لأنها في نظره «إعلان الحرب على اليهود » وهذا ليس صحيحا، كما أنه ليس صحيحا أن يكون بسورة الفتح ما قد يفيد بأنها إعلان الحرب ضد اليهود، بل إن تلك السورة الكريمة الذي يأتي ترتيبها الثامنة والأربعون في المصحف الشريف والتي يبلغ عدد آياتها تسعا وعشرين آية، مدنية، وكلماتها 560 وحروفها 2456 ، نزلت على الرّسول الأعظم ﷺ وهو في طريقه إلى المدينة، بعد «بيعة الرضوان » وصلح الحديبية الذي تم في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة، والذي مكن من انصراف المسلمين إلى الدعوة داخل وخارج الجزيرة العربية، كما مكن من فتح مكة بعد غزوة قام بها المسلمون في 20 رمضان من العام الثامن للهجرة( 630 ميلادية).
لقد حفظت القرآن الكريم عن ظهر قلب وأنا في العاشرة، باللَّوح والصلصال والسمق وقلم القصب الذي كان يتطوع لصناعته لطلبة «المسايد » الملقب ب « زواجة » رحمه الله، وبموازاة مع الحفظ، كنا نستفيد من دروس التفسير على يد الشيخ بن تاويت، رحمه الله وأثابه، في مسيد قرب الزاوية العيساوية، تحول اليوم إلى سيبير كافي بعد أن كان مَتجرا لبيع الصناعة التقليدية ولم يطلع أحد من جيلي ولا الجيل الذي قبل جيلي أو بعده، إرهابيا أو مشروع إرهابي بسبب حفظنا لكتاب الله، بل كان القرآن عَوْنــًا لنا في دراسة النحو والبلاغة والعروض، في ما بعد.
الإرهاب الحقيقي هو في فتاوى الجهل وخطب فقَهاء المسخ الذين يفترون على الله وعلى كتابه ما ليس لهم به علم، والله سبحانه وتعالى وَعدَ بحفظ كتـابـه العـزيـــز : «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون « » ويوم القيامة تَرى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة أليس في جهنّم مثوى للمتكبرين «ٌ .» قل أبـــالله وآياته ورسله كنتم تستهزئون » صدق الله العظيم.
لم تعد خــافية تلكَ الجهات المناورة، التي لا تخفي عداءها للإسلام والمسلمين والتي تعتبر أن القرآن الكريم التي تتوحد عنده شعوب مختلفة الأعراق والأصول والألسن والثقافات، هو سر تماسك ملايين المسلمين عبر العالم وهو القاعدة التي قامت عليها الحضارة العربية الإسلامية التي أشعت على العالم قرونا ، علما وثقافة ومدنية وحضارة.
والمؤسف أننا نواصل اليوم سياسة «التغريب » التي أرسى قوائمها مستعمر الأمس، حين حاول جاهدا «القضاء على الثّقـافــة الإسلامية » بتجفيف منابعها : القرويين والمعاهد الدينية وكراسي المساجد، والمدارس الحُرّة، بينما نجتهد نحن اليوم في أن نكون عند «حسن ظن » من أوصلوا العالم العربي والإسلامي إلى حيث هو الآن، من فرقة وخِذلان وتنافر وتأخر، دون أن نحاول اتخاذ العبرة من معاهدة برلين 1884، ومؤتمر الجزيرة الخضراء 1906 واتفاقية سايكس بيكو (1916 ) وكلها مؤامرات على الشعوب الإسلامية، من أجل السيطرة عليها وعلى خيرات شعوبها عبر تشكيل خارطة الشرق الأوسط ومعه شمال افريقيا في انتظار شرق أوسط جديد ومعه شمال وغرب أفريقيا في مراحل أولية….
وما خَفِيَ كانَ أعظَم !!!….. .



















