نوادر وطرائف من التراث العربي الأصيل (27)
جريدة طنجة – محمد وطاش (طَرائف من الثُراث العربي (27) )
الجمعة 29 أبريل 2016 – 12:05:40
•مـا أحـوجَ المَــرء، في هَذا الزّمن الرَّهيب ذي الوَجْه الكَئيبِ، إلى ما يُبَدّدُ ظُلُمــات غَمّه و يشع نُور البَهْجة في صدرهِ، وهو يستمتع بقراءة ما سَجّلهُ السابقون من مُسْتَمْلَحــات و نــوادر وطرائف تعيد للنفس بعض الاتزان.
ومِمّا يُحَفّز على اقْتِنــاص فُرْصَة شــافية لتصفية المَزاج، ما تَزخــرُ بهِ خزانة الثقافة العربية من أمهات كتب أدبية وفكرية تتضمن كما هائلا من النوادر والطرائف، المجسدة بشكل فني ساخر للحظات مشرقة تنطوي على فوائد ترفيهية ونقدية (اجتماعية،أدبية وسيا سية…)، ككتاب «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني، وكتاب «العقد الفريد» لابن عبدربه، و«يتيمة الدهر» للثعالبي، و«المستطرف» للأشبيهي، و«نفح الطيب» للمقري، و«مروج الذهب» للمسعودي، و«المحاسن والمساويء» للبيهقي، و«عيون الأخبار» لابن قتيبة، و«صبح الأعشى» للقلقشندي، وكتاب «الأذكياء» لابن الجوزي والجاحظيات عامة، وغيرها من الكتب والتراجم التي لايسع المجال لذكرها.
وإحْيــاء لهَذا الترُاث الطَّريف التّليد الّأذي يُشخص لحظات عابرة عاشتها أقـوام غـابرة، نُقدّمُ للقَـارئ الكريم، وعبرسلسلة حلقات، باقة منتقاة من الطرائف والنوادرالتي اقتطفناها بعناية من حقل كتاب «أحلى الحكايا» وهو ـ من منشورات دارالكتب اللبنانية ـ لمؤلفه الباحث عبد الأميرعلي مهنا، الذي يقول في مسك ختام مقدمة كتابه الذي أعده بأسلوب فكاهي :
«وتراثنـا العـربـــي مليء بالكتب التي تتناول الشخصيات الطريفة التي تدخل إلى الأوساط الغنية المترفة والأوساط الفقيرة وقصور الملوك ومجالس الخلفاء والقادة، هذه الشخصيات التي وهبها الخالق البديهة والحساسية النقدية المرهفة التي تجعلها تلتقط أحداث الحياة وأحوالها العادية فتتحول على يديها إلى ضحك ونوادر مفعمة بروح النقد الاجتماعي والخلقي والأدبي والسياسي.
هذه الطرائف تُصَوّر لَنـا جــوانب من الحَيــاة الاجْتِمـــاعية عند العرب، أعددتها بأسلوب فكاهي شيق وممتع، آملا أن أكون وفقت إلى بعض مانشدت ومااجتهدت، والله الموفق». وأملنا أن يستفيد اللاحقون مما خلفه السابقون من نوادر وطرائف لاتخلومن فائدة، فهي أشبه ماتكون بوجبات صحية ضمت صحونها مائدة.
فَقِراءة مُمْتعة ومُفيدَة.
وقال الإمام علي: فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها.
وقال: عثمان بن عفان: يكفيك من حاسد أنه يغتّم وقت سرورك.
وقال الامام الحسن بن علي: ما تمّ دين رجل حتى يتم عقله.
وقال عمر بن عبد العزيز لزاحم مولاه: إن الولاة جعلوا العيون على العوام، وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت منّي كلمة تربأ بي عنها، أو فعالاً لا تحبّه فعظني وانهني عنه.
خطب معاوية يوماً فقال:
إن اللّه تعالى يقول: وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه، وما ننزله إلاّ بقدر معلوم.
فعلام تلومونني إذا أنا قصّرت في عطاياكم؟
فأجابه الأحنف قائلاً:
نحن لا نلومك على ما في خزائن اللّه … ولكن على ما أنزل اللّه من خزائنه، فجعلته في خزائنك وحُلت بيننا وبينه.
سمع عمر بن الخطاب سائلاً يستعطي بعد المغرب، فقال لرجل في مجلسه: قم وعشّ الرجال، فعشّاه ثم سمعه ثانية يسأل فقال للرجل: ألم أقل لك عشّ الرجل؟!
قال: قد عشّيته، فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبراً فقال له عمر: لست سائلاً ولكنك تاجر، ثم أخذ المخلاة ونثرها بين يدي أهل الصدقة وضربه بالدرّة وقال له: لا تعدْ.
قال الطرطوشي:
أرق عبد الملك بن مروان فاستدعى من يحدثه، فكان مما قيل له:
كان بالموصل بومة وبالبصرة بومة، فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصر ابنتها لا بنها. فقالت بومة البصرة.
لا أفعل إن لم تجعلي لي صداقها مئة ضيعة خراب.
فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن ولكن إن دام حكم والينا ـ سلّمه اللّه ـ سنة واحدة فعلت.
قال: فاستيقظ عبد الملك، وجلس للمظالم وأنصف الناس.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري يطلب إليه أن يجمع له أمر الدنيا وأمر الآخرة في كتاب فأجابه:
إنما الدنيا حلم والآخرة يقظة والموت متوسط.. ونحن في أضغات الأحلام.
من حاسب نفسه، ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر في العواقب نجا، ومن أطاغ هواه ضلّ، ومن حلم غنم، ومن خاف سلم، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، ومن علم عمل، فإذا زللت فارجع وإذا ندمت فاقلع، وإذا جهلت فاسأل، وإذا غضبت فامسكْ.
كتب المنصور إلى الإمام جعفر الصادق:
لم لا تغشانا كما تغشانا الناس؟
فأجابه: ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه، وما عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك بها، ولا نعدّها نقمةً فنعزّيك لها!
فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا.
فأجابه: من يطلب الدنيا لا ينصحك، ومن يطلب الآخرة لا يصحبك.
ممّا رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء وأخرجه الصولي قال:
لما اشتدّت علّة الخليفة الواثق، دخل عليه مستشاره «ايتاخ» ينظر إليه هل مات أم لا، فلما دنا منه نظر إليه الواثق بمؤخر عينه ففزع وخرج القهقرى فسقط على سيفه حتى اندقّ عنقه هيبةً منه لنظرة الواثق إليه.
وبعد ساعة، مات الواثق فعزل في بيت ليغسل فيه فجاءت فأرة فأكلت عينه التي نظر بها إلى ايتاخ.
سأل الإمام أحمد بن حنبل حاتم الأصمّ وكان من الحكماء: كيف السبيل إلى السلامة من الناس؟
فأجاب: تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم، ويؤذونك ولا تؤذيهم، وتقضي مصالحهم ولا تكلّفهم بقضاء مصالحك.
قال: إنها صعبة يا حاتم.
فأجاب: وليتك تسلم.
دخل النبي محمد (ص) على زوجته عائشة فوجد عندها امرأة رثة الهيئة، فسأل عن أمرها، فقيل له إنها زوجة الصحابي عثمان بن مظعون، وأنها تشكو بثها وحزنها، فعثمان مشغول عنها بالعبادة يقوم ليله ويصوم نهاره.
وذهب الرسول حيث لقي ابن مظعون فقال له: أما لك بي أسوة؟
قال: بأبي وأميّ، وما ذاك؟
قال: الرسول الكريم: تصوم النهار وتقوم الليل؟
قال: إنّي لأفعل.
قال الرسول (ص): لا تفعل، إن لجسدك عليك حقاً وإن لأهلك حقاً.
وجاءت زوجته في اليوم التالي لزيارة بيت الرسول (ص) وهي عطرة نضرة، ولما قيل لها في ذلك قالت: أصابنا ما أصاب الناس.
ادعى رجل النبوة في البصرة، فأتي به سليمان بن علي مقيداً، فقال له: أنت نبي مرسل؟
قال: أمّا الساعة، فإنّي نبيّ مقيّد!
قال: ويلك من بعثك؟
قال: ما هذه مخاطبة الأنبياء يا ضعيف العقل، واللّه لولا أني مقيّد لأمرت جبريل يدمدمها عليكم.
قال: والمقيّد لا تجاب دعوته؟
قال: نعم، الأنبياء خاصة إذا قُيّدوا لا يرتفع دعاؤهم.
فضحك سليمان وقال: إني أُطلقك، الآن، فأمر جبريل، فإن أطاعك آمنا بك وصدّقناك.
قال: صدق اللّه حيث يقول: {فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}. فضحك سليمان، وسأل عنه، فشهد له محرور مغيظ، فخلّى سبيله.
قال رجل لطفل: ابن كم أنت؟
قال: ابن رجل واحد!
قال: إنما سألتك عن عمرك.
فقال: فقل كم عمرك؟ فقال له كذلك، قال: ثمانية أعوام.
قال: أحيّة أمّك؟
قال: ما هي بحيّة ولا بعقرب، ولكنها امرأة.
فقال: فكيف أقول؟
فقال له: قل: أفي الأحياء أمك؟
فقال له كذلك.
فقال له: نعم.
ذكر الشافعي قال:
كنا في أرض اليمن، فوضعنا سفرتنا لنتعشى، وحضرت صلاة المغرب، فقمنا، نصلي ثم نتعشى. فتركنا السفرة كما هي وقمنا إلى الصلاة، وكان فيها دجاجتان. فجاء ثعلب فأخذ إحدى الدجاجتين.
فلما قضينا الصلاة أسفنا عليها وقلنا حرمنا طعامنا. فبينما نحن كذلك إذ جاء الثعلب وفي شيء كأنه الدجاجة فوضعه. فبادرنا إليه ليأخذه، ونحن نحسبه الدجاجة قد ردّها. فلما قمنا، جاء إلى الأخرى وأخذها من السّفرة، وأصبنا الذي قمنا إليه لنأخذه، فاذا هو قد هيأه مثل الدجاجة..
(يتبع)












