الذكرى الأولى لرحيل المرحوم العلامة الموسوعي الدكتور عبد الهادي التازي (2)
جريدة طنجة – محمد وطاش (الذكرى الأولى لرحيل العلامة عبد الهادي التازي “2” )
الثلاثاء 12 أبريل 2016 – 15:39:04
•في اليوم ثاني من أبريل/نيسان من سنة 2015 فَقدت الأمّـة عَلَمـًا من أعلامها الأفذاذ، فقدت الفقيه المؤرخ” عميد المؤرخين المغاربة“، المترجم المحقق، الدبلوماسي الرحالة،العضو بأكاديمية المملكة المغربية، والعضو بمجمع اللغة العربية، العلامة الموسوعي، الدكتور عبد الهادي التازي .عام يدور على رحيل روح مرشدنا على جناح ملاك الموت إلى دار البقاء ملبية نداء ربها:”ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية،فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”.
وتزكية لوَشائج المَحبّة الأزلية الــرّابطة بين مُهجتنا ورُوح الفقيد العزيز، ارتـأينا أن نستحضر -في الذكرى الأولى لرحيله إلى دار البقاء – بــاقة من الرسائل العطرة التي بعث بها إلينا رحمه الله، في مناسبات معينة،دعمًا و تشجيعًا وتعقيبًا على بعض ما نشرناه من مقالات عبر سلسلة حلقات ضمن ركن” نبش في الذاكرة…” بجريدتي طنجة و الشمال ؛ وهي رسائل لطيفة لاتخلو من متعة وفائدة.. كما كان سعادته لا يتقاعس عن مراسلتنا ولو كان على سفر أوحل به سقم ،حيث راسلنا رحمه الله من أرض الكنانة في أوج ربيعها،وكذا بعد عودته من مسقط (عمان )وإثرعدد من الرحلات العلمية قادته إلى بعض بلدان الخليج، كما راسلنا – رحمه الله- وهو طريح الفراش بالمستشفى العسكري بالرباط.
و إنّه لشرف عظيم أن يحظى شخصنا المتواضع بصفة “النباش” من لدن هذا الرجل العظيم الذي ستظل محبته متجذرة في أعماق وجداننا إلى يوم تحشرفيه أجسادنا، فتتعانق بفرحة اللقاء بعد حرقة فراق ولوعة اشياق أرواحنا.
فَقِراءة مُمْتعة ومُفيدَة.
وهكذا توطدت الصلة بين النباش و مُحبّه شيخ النباشين عميد المُؤرخين المغاربـــة عبر مراسلات غنية بالمعلومات الدقيقة والإشــارات العميقة.إذ لاتكاد تخلو رسائل الفقيد من سرد لعدد من الأحداث التاريخية والوقائع ،مذكرابالمصادروالمراجع،
هذا فضلاً عن رُوحهِ المَرحة التي تُضفي على رسائله مسحة إنسانية، تحطم كل تلك البـرتـــوكولات الجوفاء وتجعلك تُحس بمدى عُمق إنسانية هذا الرّجُل العظيم وجوهر تواضُعه واتساع خاطره ونبل عَواطفه. وذلك ما نَستشفه ونستنشقه من بــــاقة رسائل عطرة نحتفظ بها للذكرى هو ذا نموذجها:
تحية تقدير و وُد وبعد
فإنّي أشكرُ لكم عواطفكم ومشاعركم، وقد قدرت مرّة أخرى اقتحامكم لميدان النبش في شتى الحقول وخاصة منها تراثنا الذي يظل في حاجة ماسة إلينا..
لعلمكم فإن اعمدتكم حول (النبش) أحتفظ بها ضمن طروسي التي أرجع إليها عند الحاجة.
وبودي أن أهنئكم على تناولكم (المثل) الذي يظل التعبير الصادق للشعوب أينما كانت هذه الشعوب، والذي يبقى الوسيلة الناجعة لإقناع الناس بما نريد أن نقول!
وبودي أن تساعدوا المواطن المغربي في هذا الميدان، ولعلكم تعلمون أنني في موسوعتي (التاريخ الدبلوماسي للمغرب) اهتممت بالمثل المغربي على الصعيد الدبلوماسي وأرجوكم العودة إليها في المجد الثاني، على ما أذكر، لتقفوا على جانب هام من تراثنا في هذا الميدان لتزدادوا إيمانا بما عنونتم به عمودكم : “اللّه يرحم الاولين حتى مثلة ما جابوها كذوب .”
عندما كنت أقوم بتحرير مونوغرافيتي حول التاريخ الدولي للمغرب لا حظت أن (الأدب الإداري) في المملكة لا يتردد في الاستعانة بالمثل لكي يبلغ الرسالة كاملة لمبعوثيه وسفرائه، وسأهديكم مع هذا الخطاب صورة لرسالة من الملك الحسن الأول إلى وزيره في الخارجية المقيم بطنجة آنداك محمد بركاش عندما كان في طريقه إلى مدريد لحضور المؤتمر التاريخي حول معضلة الحماية القنصلية التي كان بعض الموظفين الأجانب يمنحونها للمغاربة.
في هذا الخطاب الحسني ضبطنا ثلاث أمثال:
كمن غسل دماً بدم!
جاء يطبه عماء!
ذهب الحمار يطلب قرنين فراح بلا أذنين!
الرسالة الملكية تعتبر وثيقة سياسية رائعة من وثائق طنجة حبذا لو تتمكنون من إخراجها من الخط إلى الطباعة فهي غاية التحذير من الوقوع في الخطأ!!
مع هذا سأبعث لكم بنسخة من تأليف لي، له من العمر أكثر من نصف قرن، بمناسبة حديثكم عن العادات الشعبية في شأن الزواج.
يبقى لي قبل أودعك أن أطلب منك إرسال الصورة المركبة لصاحب العود الذي يدندن في سفح قصر الشريف الريسوني التي نشرتموها قبل أسابيع.
متمنياتي لك وللجريدة طنجة.
وتعقيبا على قريحة زجلية نظمتها تحت عنوان “كرة الندم”وافانا مرشدنا الجليل بالرسالة التالية:
الأستاذ الباحث والأخ العزيز محمد وطاش
فقد اكتشفت فيك أنك أيضا من المولعين بالكرة وما قيل عنها بالزجل الذي فرض نفسه على الساحة الأدبية في المغرب منذ العصر الوسيط، ولهذا فإني أبعث إليك ما كنت سجلته في المجلد الثاني من التاريخ الدبلوماسي صفحة146-147حول اهتمام المغاربة بالكرة وحول ترديدهم لما قاله الشيخ العربي بن عبد الله المساري في ديوانه(العلم الثقافي24ماي2012)،قاله من شعر في تأليفه الرفيع:
ولعب الكرة ليس مذهبي *** إذ فيه للقتال أقوى سبب
وبهذه المناسبة أبعث لك نسخة من قصيدة زجلية للشيخ مولاي اسماعيل العلوي(آسفي) أهداها لي بمناسبة تكريمي من لدن جمعية الشيخ الجيلالي امتيرد بمراكش،وكانت حربة القصيدة:
أهلاً وسهلاً ومرحبا بالضيف المصان* عبد الهادي فبيان المؤرخ الساني :
كانت هذه “الحربة”مقدمة لأقسام أربعة تفضل بإنشادها ورحبت بها،وأبعثها لك دعما لبحثك حول فن الملحون والزجل،هذا الفن الذي اكتشفت فيه،مثلك،جوانب جديدة تتعلق بالتاريخ الدولي للمغرب على ما قلته في إحدى محاضراتي…
المهم أن أشد على يديك لتظل وطاشا طواشا نباشا.
وإلى فرصة أخرى.
فمرشدنا الفقيد العزيزكان سمحا كريما يزودنا بوثائق ومطبوعات نادرة ويحفزنا دوما على بذل مزيد من النبش والبحث عن المطموس و المطمور من نفائس تراثنا.كما أنه رحمه الله كان يستحضر بعض الذكريات التي جمعته بثلة من الشخصيات المهمة وما داربينها من أحاديث في جلسات ،كما هو وارد في الرسالة التالية:
د. عبد الهادي التازي
عضو أكاديمية المملكة المغربية
بواسطة جريدة (طنجة) الغراء التي أقرأها من بداية القسم
العربي إلى النهاية ثم أعود إليها ثانية لأقرأها من القسم الفرنسي
إلى البداية!
تحية تقدير وود
وبعد، يطيب لي أن أهنئكم باهتمامكم بحاضرة مراكش الحمراء التي تظل معملة شامخة بمنشئاتها ومؤسساتها وبرجالها الأفذاذ كذلك، كنت وسأبقى وراءكم حول ما تفيد به الجمهور المغربي.
ولزيادة التوثيق لملعوماتكم الهامة حول زميلنا الراحل الأستاذ محمد البنبين الذي متعه اللّه بذاكرة قل نظيرها، أذكر لكم أنني من كان وراء ترحيبي بالشاعر الكبير محمد مهدي جواهري في المغرب! وقد كان من أخلص أصدقائي في بغداد أيام كنت سفيراً لبلادي بأرض الرافدين، والمهم أن تعرفوا كيف حصل ذلك الترحيب؟ كنت في مكتبي بالمعهد الجماعي للبحث العلمي أثناء السبعينات وإذا بجرس التليفون يرنّ، يطلبني السيد مدير مطار سلا ـ الرباط الذي قدّم لي أحد المسافرين “العابرين” يطلب مكالمتي. ولم يكن هذا الذي “نفدّت نقوده” غير مهدي جواهري (أبو فرات) الذي حكى لي عن وضعه الذي لم يسمح له بمواصلة الطريق!! حيث بعثت له سيارتي وبعد استراحته، قدمته إلى صديقنا الراحل الحاج محمد باحنيني الذي كان يشغل منصب وزير الثقافة.
وكان ما كان مما ذكرتم في حديثكم القيّم عنه…
وإن ما يمكن أن أضيفه لمعلوماتكم أن الشاعر أبا فراث، في جلسة خاصة من الجلسات التي كنت أقوم فيها بدور (المنشط) كما يقولون بلغة اليوم، أنشدنا قصيدة حول الصحراء المغربية، وكنا وقتها، نعيش مع المسيرة الخضراء، قصيدة نشرت في عدد من المنابر المغربية عن مبدع المسيرة جلالة الملك الحسن الثاني.
التوثيق الثاني الذي رأيت أن أزودكم به حول ذاكرة صديقنا الراحل محمد البنبين رحمه اللّّه ، أنه جمعنا مجلس بالصخيرات لدى الملك الحسن الثاني في خيمة عظيمة يوم 1983/0/26، كنت يومئذ بالعرائش، حضرت بعد دعوة عاجلة للمجلس الملكي، لا أدري شيئا عن الموضوع الذي سيطرح في هذا المجلس. عملت بعد الحضور جلالة الملك أن الأمر يتعلق بمناقشة تأليفي: (الرموز السرية في المراسلات الدبلوماسية المغربية عبر التاريخ) حيث ألقى على جلالته سؤالا حول (الرموز السرية في الشعر الملحون)، هناك استدللت ببيت شعر للشيخ التهامي المدغري يقول : “وعن المخفي اسأل الونان”.
هنا انبرى الأستاذ البنبين ليصحح كلمة (المخفي) بكلمة (المكمي) التي كانت فعلاً هي ما ورد في نص قصيدة الشيخ المدغري بعنوان (الزهو في بنات وشبّان)، والتي أرجو أن تقرؤوها فإنكم ما تزالون من (حزب الشباب)!
لم يكتف الأستاذ البنبين بهذا ولكنه أطلعنا على معلومة سررت بها هي وأن الأستاذ الرئيس عبد اللّّه إبراهيم علّق على تأليفي المذكور بأنه (لبنة) أولى SEMIOLOGIEفي تعريف القوم بأن المغاربة كانوا مهتمين بعلم السيميولوجيا ().. أذكر من عيون الحاضرين في هذا المجلس عددا من رحلوا عنا، وعدداً من الأحياء فيهم العلامة الجليل مولاي الصديق والبروفيسور بربيش …أطال اللّه عمرهما.
أهنيك مرة أخرى وعليك أن تستمر في النبش فإنه نعم الورش! .
الموافــق 28 شتنبـــر 2012