“نحن أم البصري؟”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( أوطم : التاريخ الطلابي )
الخميس 18 فبراير 2016 – 11:17:11
و كأي صراع لا بد أن تكون له نهايات، كيفما كانت طبيعته،فإن الصراع الذي شب في الجامعة بين اليسار الجذري، ممثلا بالطلبة القاعديين، و بين النظام الذي مثله آنذاك رجل الدولة البصري “خير” تمثيل، قد تمخت عنه معارك “أدبية” بين الجانبين.
“النظام” آنذاك، لم يكن يعدم الوسيلة التي تمكنه من “تعميم” مواقفه و نشرها و تبريرها على نطاق واسع، بحكم إمساكه بأدوات الإخبار و آلياته، فيما كانت “الحركة الطلابية” وقتئذ تعاني من تبعات أشكال حظر تراوحت بين “القانوني” و “العملي” بحسب التوصيف الذي كان رائجا في أدبيات الحركة، فهذه لم تكن تتوفر سوى على “مجلة حائطية” تحيط بها أسوار الحي الجامعي، و تخصصت في إعادة نشر كتابات تنهل من معين الاشتراكية، أو في نشر “تحليلات و أفكار تقدمية” صاغها كُتّابٌ ينتمي معظمهم لفصيل الطلبة القاعديين.
في خضم “الصراع” الدائر، حدث مرة أن أعلن البصري،وكان حينها يشغل وزارة الداخلية و الإعلام،أن الدولة، ويقصد المخزن، تعتمد على “خريجي مدرسة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” لدعم مواردها البشرية بالأطر و الكفاءات الضرورية، و ذلك، كما يبدو، في محاولة من الوزير “المخزني” لنفي وجود أي حظر عملي جرى تسليطه على التنظيم الطلابي، بل و لتصوير العلاقة القائمة بين “المخزن” و “أوطم” علاقة تكامل و تعاون لا علاقة صراع و تضاد.
و لم يكن هذا الرأي الذي عبر عنه “بوق النظام” ليرضي مناضلي الاتحاد الوطني، فقد اعتبروه طعنا يستهدف الشرعية النضالية التي اكتسبها “أوطم” على امتداد سنوات من النضال، دفاعا عن توجهات الاتحاد، و لتأكيد مواقفه الثابتة من طبيعة النظام، باعتباره منافيا لتطلعات “الجماهير الشعبية” و لإثبات انحياز التنظيم الطلابي لقضايا “الطبقات الكادحة” فقد كان من اللازم أن يقوم “أوطم” بالرد على “ادعاءات النظام” و تحصين هويته النضالية من أن يطولها عبث “أعوان النظام”، و هكذا نشر طالب شاب بشعبة الأدب الانجليزي في كلية الآداب بجامعة محمد الأول بوجدة “كلمة ممانعة” ناظر من خلالها “النظام” مُذكِّرا إياه بالطبيعة التقدمية التي تحكم توجهات “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” و أنه إطار مستقل عن النظام و معارض له،مؤكدا على ثبات هذه التوجهات المكرسة للإطار الطلابي كرافد من روافد حركة التحرر الوطني و استحالة أن يصبح يوما ما في موقع آخر غير موقع “المناهض و المناقض للنظام”.
كشأن مُعاصريه من طلاب الجامعة اليساريين، فقد كان “الرفيق مصطفى الريفي”، مولعا بالأغنية الملتزمة و عميدها الشيخ إمام عيسى، وخلال تلك المرحلة، أطلق الفنان الضرير أغنية ينتقد عبرها، و بصورة ساخرة، طبيعة الأنظمة العربية القائمة على الصراع فيما بينها بدل التعاون، و من جملة ما ورد في أغنية إمام، التي حملت اسم الرئيس الفرنسي “فاليري جيسكار ديستان”، قوله :” و حنعمل وحدة عرابيا مع لندن و الفاتيكان” هازئا بالخطابات “الوحدوية” التي سوقها جمال عبد الناصر وخلفه أنو السادات .
مضت عقود طويلة على هذه الأحداث و الوقائع، وشاءت الأقدار أن يُعيًّن المُمانِعُ و القاعدي السابق مصطفى الريفي سفيرا للمملكة المغربية بحاضرة “الفاتيكان”، وكان الأمر مناسبة ملائمة لأحد “القاعديين”، ممن عاصروا “السفير الريفي” خلال رحلة نضاله بجامعة الشرق، من أجل التعليق على واقعة التعيين قائلا:”من منا كان على حق.نحن أم البصري؟”.