“ماكاين مخزن فالبلاد” ……طنجة تحت رحمة المجرمين و السفاحين …….. لو عصرنا بعض الجرائد لسال الدم منها، من كثرة صور العنف و الفساد
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( صورة وتعليق )
الإثنين 15 فبراير 2016 – 16:12:30
عرفت المجتمعات البشرية قاطبة منذ القدم ظاهرة الجريمة وتعايشت معها وعرّفتها في دساتيرها وقوانينها بردّة فعل عدواني تهدد الجنس البشري نفسانيا ،تربويا ،اقتصاديا ثقافيا ،اجتماعيا وسياسيا وبأساليب وأشكال أكثر تفننا وتنوعا.
في حين أكّدت الدراسات المختلفة أن تصاعد وثيرة هذه المشاكل الاجتماعية تؤثر سلبا على العادات والقيم والمعايير السلوكية وتتولد عنها أمراض مجتمعية جد خطيرة بكل الأوصاف والمقاييس، ولا يسلم منها أي بلد ولا تقتصر فقط على المجتمعات المتخلفة من غيرها، كما تنتشر كالنار في الهشيم في المحيطات الاجتماعية ذات المستويات الثقافية والاقتصادية والعقائدية الجد المتدنّية .
فكما يزدهر أي مجتمع بصلاح أفراده فهو كذلك يتقهقر بفسادهم ويتأثر بالأوبئة الأخلاقية والأمراض الاجتماعية الغريبة عن هويته وثقافته التي تزعزع استقراره وتفقد سلامة وأمن جميع مواطنيه.
بعد هذا التقديم الوجيز أدخل مباشرة إلى عمق هذا المقال الخاص بغية التفحيص وتسليط الضوء والتحسيس بعد إذن أصحاب الفضل والاختصاص ،لنقف سويا على دوافع ومسببات هذه الظواهر المجتمعية الفاسدة،ونتوصل إلى معرفة الصيغ الوقائية وبعض الطرق العلاجية .
بداية تتحدث أحدث الدراسات الدولية عن نسب عالية من الانحراف والإجرام في صفوف الأوساط القليلة الثقافة والمعارف أو الغير المتعلمة والتي عادة تنمو وسط تربة الاهمال وتترعرع في بطن أرضية القصور التربوي والتعليمي خاصة في سماء اللامبالاة المحفوفة بغياب التوجيه وقلة الرقابة من الأسرة والمجتمع.
سوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتمثل في تدنِّي الحالة المعيشية للفرد نذكر من أسبابها: استفحال الفقر والبطالة ،عدم الاستقرار المهني الغير اللائق ،الهجرة القروية، عدم الاندماج في المحيط الجديد ، قلة الدخل ،الحاجة ،الفشل في التوافق المهني وغيرها…
عوامل ومسببات أخرى تولّد شحنة القلق والخوف على المستقبل أمام ازدياد المطالب الفردية على اقتناء مغريات البيئة في ظل سوء الحالة الاقتصادية وغلاء المعيشة المتزايد الذي لا يعرف التوقف ولا الانقطاع.
وهذا ما يساهم بلا شك في حرمان الفرد من تلبية متطلباته الأساسية وإشباع حاجياته الشخصية ويحرمه الأمن والاطمئنان ويحسّسه بالشعور داخل وخارج وسطه بعدم الاستقرار والأمان .كما يسهل عليه عملية التأقلم والتعوّد والانسجام على بعض السلوكات الاجتماعية الغير السوية والمرفوضة من المجتمع أو الممنوعة بقوة القانون،والتي تخلق ظروفا ملائمة ومناخات جد مهيَّئة للحرمان والإحباط وتدفع باتجاه التنافس الشديد والصراعات والانحراف أو إلى ساحة الاضطهاد والاستغلال وعدم المساواة.
وهذا ما يفتح على الأسرة والمجتمع كل الأبواب اللاأخلاقية من متاجرة في الممنوعات والمحرمات من (خمور ،حبوب هلوسة ،مخدرات بجميع أنواعها ،السرقة ،الرشوة ،الاحتيال ،الغش ،التزوير،الذعارة،الفساد وغيرها…) ومن الواضح أن هذه الأمراض المجتمعية قد تفضي إلى هلاك الشخص المدمن بلا هوادة وقد تؤدي به إلى القتل والسجن أو إلى الإقدام على الانتحار في بعض الأحيان.
إن الإحصائيات حول الجريمة لا تمثل سوى حالات ما يعرف بالإجرام الظاهر،ففي مجتمع بنيته الفكرية شبه تقليدية – شبه عصرية مثل المجتمع المغربي، ما تزال كثير من الجرائم لا تدون في سجلات الأمن إما لأن أطرافها تخشى على تضرر سمعتها، أو لأنها تسوّى خارج القانون، من خلال إجراء تسويات مصالحة، أو تطوى باللجوء إلى فرض تنازلات بالإكراه والضغط.
وعلى ذلك فإن الأرقام – متى توفرت – لا تعبر عن واقع الجريمة الفعلي، لكنها تمنح من يتفحصها صورة تقريبية. والصورة المتاحة لمشهد الإجرام في المغرب عامة و طنجة خاصة لا تبعث على الاطمئنان.
بعيدا عن الأرقام لكن قريبا جدا من مراتع الجريمة، تغطي الشبكات الاجتماعية نقص المعطيات فتعرض بالصوت والصورة مثلا مشاهد مخيفة لمجرمين مسلحين بسيوف ومُدًى، وهم يعتدون على الناس في أحد أحياء طنجة … بني مكادة و بئر الشيفا و المصلى و و و و … تتعدد الأشرطة التي التقطها راصدون هواة، وبعد مشاهدتها لا يمكن لعاقل أن يشعر بالارتياح لما آل إليه حال مدينتنا، فهل يشاهد مسؤولونا ما يعرض من شواهد حية عن واقع الجريمة في شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن يطمئنونا إلى تراجع الجريمة؟ وهل تدرك قنوات التلفزيون المغربي بأن ما تعرضه يكون له تأثير إما سلبي أو إيجابي على مشاهديها، خصوصا من خلال عرض تفاصيل مصورة لوقائع جرائم شهيرة على النشء الصاعد؟
اعتاد المواطن على كلمة “فلان قتل ” و”آخر تعرض للسرقة” وآخر أصيب بجروح جراء اعتراض سبيله وسلب ما يمتلك تحت التهديد بالأسلحة البيضاء بأحياء المدينة.
إن ما آلت إليه الأوضاع بمدينة طنجة أصبح يمزق القلوب ،و يزرع الرعب في صفوف الساكنة ،حيث أصبح المواطن يعيش في ترقب شديد تفاديا لان يكون هو الآخر ضحية من ضحايا الإجرام بقلب حيّه أو بالقرب منمكان عمله أو أي مكان تطأه قدماه.
لمحاولة معرفة أسباب تفشي هذه الظاهرة بصفة عامة ، يلزمنا كثيرا من الدراسات واستطلاعات الرأي إلا أنه ثمة هناك عوامل بديهية لا تحتاج لدراسة تكون سببا أساسيا في تنامي هذه الظاهرة بطنجة، نبدأ بالمؤسسات التعليمية التي أصبحت ملاذا للانحلال الأخلاقي عوضا عن فضاء للتربية والتعليم، فكثيرا ما وقفنا في المواقع الاجتماعية على صرخات التلاميذ يشتكون من ظاهرة ترويج المخدرات و استهلاكها داخل المؤسسات التعليمية و ظاهرة التحرش بالتلميذات ، و كذا غياب الرقابة و المتابعة العائلية خاصة من جانب الآباء وتبني طريقة الحوار لا سيما مع الأبناء في فترة المراهقة لما لهذه الفترة من أهمية في تكوين الفرد.
غياب الحس الديني و التمسك بأخلاقه الفاضلة و الاقبال على مجالس العلم و الارشاد بدل التسكع في الشوارع ومجالسة المنحرفين و التشبع بأفكارهم ، الإعلام الذي أصبح مصدر إلهام وتأثر فئة عريضة من الشباب، حيث يروج للفكر الإجرامي انطلاقا من المسلسلات الدخيلة على ثقافتنا التي مافتئت تعرض على شاشات قنواتنا المغربية، غياب الجمعيات والمنظمات الشبابية والأحزاب السياسية و ابتعادها عن دورها في تأطير المواطنين خاصة الشباب، على الرغم من التنصيص في الدستور الجديد على مكانتها المتميزة في التنمية إلا أنها بمدينة طنجة تعتبر الى جانب الأحزاب السياسية إما صورية أو إسترزاقية.
السلطات المحلية والتي تتحمل جزء كبير من المسؤولية بخصوص انتشار الإجرام بالمدينة، والحديث عن السلطات المحلية يجرنا لذكر المجلس الحضري الذي يتحمل المسؤولية الأكبر في انتشار مقاهي الشيشة بشكل مخيف بالمدينة، حيث أصبحت هذه المقاهي ملجأ لكل الشباب ذكورا و إناثا و حتى القاصرين منهم.،وأيضــا بيع المخدرات و الخمور على مرآى و مسمع السلطات المحلية وأمام حياد المجلس مما يدل على مساهمتهم بشكل غير مباشر في انحراف فئة كبيرة من الشباب.
قد تكون مجمل الأسباب المذكورة أعلاه متداخلة، غير أن القسط الأكبر من المسؤولية تتحملها السلطات المحلية كونها لم تقم بواجبها بتطهير أحياء المدينة من المدمنين على المخدرات،وكذا غضها الطرف عن أماكن مشبوهة أصبحت ملاذا للمنحرفين , وكذا السماح و الترخيص بانتشار مثل هذه الفضاءات التي تساهم في تخريب عقلية الشباب.
إن القضاء على الانحراف و الانحلال الخلقي بالمدينة يتطلب تظافر الجهود من طرف جميع المتداخلين من مؤسسات تعليمية و أسر وسلطات عمومية ومجالس منتخبة قصد وضع استراتيجيات ترقى بذوق الشباب و عقليته و اكتسابه إمكانيات تقيه من الانحراف و الانحلال.
و ما يدو الى الاستغرابالشديد أيضا، الطريقة التي «تُسوَّق» بها المؤسسات السجنية في وسائل الإعلام، عبر «إظهار سجناء يتمتعون بمميزات كثيرة، من تعليم وتكوين مهني وزيارة بعض الفنانين والشخصيات الاعتبارية في المجتمع، وهي أمور قد لا تتوفر للفرد خارج السجن، كما أن حصول السجين على التغذية والرعاية المجانية داخل السجن يدفع البعض إلى تفضيل «الإقامة» داخله، فيعود لارتكاب جرائم في كل مرة».
على كل المختصين والأطر والباحثين والأكاديمين سواء كانوا من المؤسّسات التّربوية والاجتماعية أو الدّينية أن تتصدى بتشريعات صارمة للحيلولة دون تفشي هذا المرض المجتمعي القاتل ومحاولة غلق كل الأبواب التي تؤدّي إلى بؤر الانحراف الانحلال، والعمل فرادى وجماعات ومؤسسات مدنية وحكومية لتطوير مناهج وبرامج توعوية وتعليمية وتثقيفية تربوية ملائمة، مع وضع برامج اجتماعية من أجل إصلاح ما انشقّ وانكسر وبناء نشء سوي بمساعدة مربين وكوادر تعليمية ومثقفين وجمعيات وهيئات من أجل إعادة بَثِّ الروح الإيمانية والقيّم السمحة التي كان يرتكز عليها المجتمع.
على كل وسائل الإعلام بكل أنواعها أن تشمّر على ساعدها وتفتح صفحاتها وشاشاتها ومنابرها في سبيل التكامل والتآزر والعمل صفا واحدا مع غيرها على كل المستويات ومن كل الجهات لإصلاح ما يستطيعون إصلاحه.
على كل المسؤولين والمختصين وباقي الفعاليات المجتمعية النشيطة ببلادنا أن يتقبلوا سياسة توزيع الأدوار وأن يخضعوا لاقتسام المسؤوليَّات على كل المستويات النفسية والاجتماعية والدراسية والمهنية والدينية والحرص على الرعاية النفسية والاجتماعية بمشاركة الأسر والمدارس والمعاهد والجامعات والمؤسسات النفسية والاجتماعية.
على كل ضحايا الظروف الاجتماعيّة والثقافية واختلالات التوازن المحتاجين إلى الرعاية والعطف والحنان أن يتابعوا وأن يعاملوا بالحنان والرفق بدل العقوبات التأديبية الرادعة التي لم تزد الأمور إلا تعقّدا وخطورة على بقية المجتمع، على هؤلاء أن يوافقوا على عملية الانقاذ والإصلاح هذه سواء انطلاقا من وسط محيطهم الأسري بتغيير سلوكياتهم وملء فراغهم بالصحبة الصالحة وتنمية قدراتهم الجسمية والعقلية بالدروس التثقيفية القيمة، ومزاولة الأنشطة الرياضية وتلقين التربية الصحيحة للقضاء على هذه الضغوطات النفسية والاجتماعية المسببة للإنحراف.أو بإعادة تفعيل الرعاية الاجتماعية، وتأمين حالات الاكتفاء والإشباع للاحتياجات الخاصة بهم وبالمجتمع،والاعتماد على التنشئة الصحيحة لتبديل السلوك وتغيير الأخلاق.
و على السلطات الأمنية التعامل بكل الحزم و الشّدة مع هؤلاء المجرمين ان باءت كل محاولات اصلاحهم بالفشل، فالانسان بفطرته عنيف و يميل للدمار و الخراب، و اذا تركنا له المجال خصبا، فسيأتي علينا يوم يدخلون فيه الى قلب بيوتنا و يغتصبون بناتنا و أولادنا أيضا و يسلبونا ما نملكه وو كان بضع دريهمات ثم يقتلونا بدم مثلّج و طيب خاطر، الأمر لم يعد يقبل أي تهاون أو تساهل، طنجة أصبحت مرتعا للمجرمين المنحدرين أغلبهم من القرى المجاوة و المدن المهمشة بالمغرب.
طنجة لم تعد تستحمل مثل هذه الممارسات، لقد طفح الكيل، على الكل تحمل مسؤوليته، مؤسسات حكومية و مدنية ، القوانين عليها أن تكونح حازمة، هؤلاء لا يفهمون معنى للديمقراطية و التسامح و حرية التعبير و التصرف، هؤلاء لا يردعهم الا العصى الحديدية، طنجة نعم تتطورا شكليا، لكن مضمونها يتخلّف يوما بعد يوم .
إلى أي اتّجاه تدفع رياح الحضارة بسفن زمان، ونحن نيام قيام على فوهة بركان؟ إن صار أخطأنا في ثانية، لطمتنا أمواج الطوفان العاتية،أُسَرُنا لاهية ومجتمعاتنا غير مبالية.