طينة خاصة …
جريدة طنجة – عبد السلام مفرج (.مساحة حرّة.)
الأربعاء 03 فبراير 2015 – 10:52:40
لقد بسطَ سُكــان المغرب نِظام حياتهم بأنفسهم, من غير أن يقتبسون من فيلسوف أو مذهب، ودون أن يفرض عليهم من خارج ذواتهم، سوى ما كان من أثر الإسلام النقي فيهم, بعد إيمانهم به وامتزاجه بقلوبهم و عقولهم، فهم لم ينخرطوا في دين معين يتوحدون تحت لوائه، حتى أقبلوا على دعوة الفاتح ( عقبة بن نافع) في أرضهم, ولو لم يجدوا ضالتهم في هذه الأخيرة – بوصفها الغداء المشبع لطباعهم وخصالهم- ما رضوا بها ونافحوا عنها, بل لقاوموها و طاردوا ريحها دون هوادة، كشأن مصير ما سبقها من أفكار وتعاليم وردت عليهم قبل ظهور الإسلام,ولم تحمل في طياتها حرية ولاعدالة ولامساواة … وإنما جاء أصحابها غزاة محتلين وحاكمين معتدين، آستعبدوا المغاربة الأقحاح وأهانوهم في عقر ديارهم .
على الدوام حيل المغاربة على حب الحرية و التحرر ومناهضة الظلم و الاستبداد، لا يخضعون للقوة والجبروت مهما كان الثمن, إن خنعوا – في ظرف عابر ولعلة ما- لا يلبثون أن يعلنوها ثورة فارقة بين عهد وآخر ، ظلت صحف التاريخ وأهله يقرأون ( صفحاتها الساخنة ) بغير قليل من الإعجاب و الفضول.
ومنذ القديم, برزت في هذا الشعب نزعة فطرية للتضامن الإنساني والتشارك الاجتماعي , فتقاسموا الأرزاق في ما بينهم ولو في حدود ضيقة ممزوجة بالنعرة القبيلة، في زمن لم تكن الحياة هينة ولا هنيئة بمواصفات اليوم، ومع كل ذلك عرف المغاربة – أيضا – الملكية الفردية على غرار الملكية الجماعية ، التي عاشت بينهم حتى أتى من يفسد عليهم حياتهم ويضرب بنياتهم .
تشبت المغاربة – عبر تاريخهم الاجتماعي و السياسي – بطبيعتهم الثورية الخالية من الشوائب الدخيلة, مع وقوفهم في وجه كل مكابر أو معاند يريد آستغلالهم لنفسه أو إخضاع رقابهم لسيف سطوته، وهذا ما يُؤكّـد أن بلدنا السعيد لم يشهد (حكما إقطاعيا) بالمفهوم المتعارف عليه في أروبا خلال عصر ظلماتها، بل ظل وفيا لروح أصالته ( الأمازيغية العربية الإسلامية) وقد تجذرت في وجدان سكانه قاطبة , بآختلاف آنتماءاتهم وتنوع مشاربهم .
دأب المغاربة – وهم أحرار – على التشاور في ما بينهم داخل نظام الجماعة و المدشر و الدوار ، وكونوا لأنفسهم مجالس مفتوحة للتداول في ما يهم شؤون حياتهم ، دون أن يسمحوا لأحد أن يفرض عليهم رأيه دون موافقتهم ، لذلك لم تكن مجالسهم و ملتقياتهم صورية الطابع تسير من خارجهم ، بل لعبت دورها الشوري كاملا بكل مصداقية بأنفع مردوية.
بعد تنظيم الدولة وطنيا ، لم ينعدم التشاور المحلي و التآزر القبلي ، رغم إحداث ( النظام الحكومي / الوزاري ) بعديه ( المركزي و الجهوي ) بمواصفات الأمس ، على صعيد المدن و البوادي معا . وبفضل وحدتهم الوطنية تمكن المغاربة من التأسيس الدول العظمى و الإمبراطوريات الشامخة و إقامة أركان المؤسسات ..
وكانت الحروب – على سبيل المثال – مناسبة لإظهار حاجتهم للمزيد من الاتحاد و التلاحم ، حيث يترك حق آختيار القائد الحربي للمقودين أنفسهم، حتى لا يولى عليهم من يكرهون إمرته، فيكون سببا كافيا يقودهم لسوء الإخلاص في جهادهم، وبناء عليه كانوا يشترطون في القائد الحربي – صفات الحنكة و الشجاعة و الصبر و الثبات … فإذا غابت مجتمعة ، سقطت نظرة الاحترام من جانب من وضعوا تحت قيادته .
ومن طريق الأمثلة على ما كان يجري في المغرب الأمس توظيف النساء لمباشرة شؤون المرأة، التي قد يشكل إشراف الرجل عليها مساسا بكرامتها أو إلحاقا للشبهة بأخلاقها ،فوجدت لهذا الغرض من يسمين <العريفات >هن اللواتي يباشرن الاتصال بالمرأة، حفاظا على شرفها و مكانتها في المجتمع، وتعزيزا – أيضا – لموقعها في نظر أخيها الرجل المغربي الذي كان يرى في هذا الشرف خطا أحمر وجب الدفاع عنه حتى الموت .
على العموم , لامناص لكل من أنيط به التكليف في تدبير الشأن العام للمغاربة، أن يعرف – بعمق و ذكاء – نفسيتهم ومطامحهم ، ويدرس جيدا تاريخهم و سوابقهم الثابتة سياسيا و اجتماعيا ، حتى لا يقع في المحاذير و يزرع الشكوك و الفتن ، ويمس الهوية الوطنية المشتركة بإقصاء مكوناتها و إفراغها من جوهرها . !!!….



















