عاشت مدينة طنجة، على امتداد يومين، أشغال المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة، تحت شعار “الجهوية المتقدمة بين تحديات اليوم والغد”، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمبادرة من وزارة الداخلية وبشراكة مع جمعية جهات المغرب.
وترمي هذه المبادرة إلى تكريس التفاعل الجماعي بين الفاعلين المعنيين حول الأسئلة ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب تقاسم حصيلة تقييم تنزيل الجهوية المتقدمة بعد تسع سنوات من الممارسة، وكذا تقاسم الممارسات الفضلى والتجارب الناجحة لاسيما المتعلقة بالمشاريع المهيكلة، فضلا عن تعميق النقاش وتجديد التفكير في التحديات الكبرى التي تواجه التنزيل الأمثل لورش الجهوية المتقدمة، سواء تعلق الأمر بتحديات الأمس التي ماتزال تتسم بالراهنية أو تحديات اليوم والغد والتي تتطلب عملا استباقيا لمواجهتها، ومن ثم الخروج بتوصيات عملية وواقعية وقابلة للتنفيذ لمواجهة التحديات المطروحة.
وتوزعت أشغال المناظرة على ست ورشات، تتعلق بـ “تحديات تفعيل إختصاصات الجهة للنهوض بالجاذبية الترابية”، ”الالتقائية بين اللامركزية واللاتمركز الإداري متطلب أساسي لتحفيز الاستثمار المنتج”، ”تحديات تمويل البرامج الاستثمارية للجهات”، ”تأمين التزود بالماء في ظل الإجهاد المائي بين التحديات الراهنة والرؤى المستقبلية”، ”تطوير منظومة النقل والتنقل المستدامين بالجهات: التحديات والآفاق”، و”التحول الرقمي للجماعات الترابية رافعة لترسيخ الحكامة الترابية وتعزيز المشاركة المواطنة”.
وأطرت الجلسة الافتتاحية برسالة ملكية وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في المناظرة، حيث اعتبر أن المرحلة الحالية تقتضي وقفة تقييمية للأشواط التي قطعتها بلادنا على درب إرساء أسس الجهوية المتقدمة، وتعزيز اللاتمركز الإداري، ولاسيما فيما يتعلق بتفعيل التوصيات المنبثقة عن الدورة الأولى للمناظرة في هذا الشأن، مذكرا أن جلالته سبق له أن دعى في الرسالة التي الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة لسنة 2019، إلى “وضع إطار منهجي، محدد من حيث الجدولة الزمنية، لمراحل ممارسة الجهات لاختصاصاتها”.
وأشارت الرسالة الملكية السامية إلى سبعة تحديات كبرى تواجه المرحلة الحالية، يتجلى أولها في الأجرأة الفعلية للميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الذي عرف تأخر غالبية القطاعات الوزارية في تفعيله، رغم تشديد الرسالة الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة على ضرورة “تعبئة كل الطاقات والانخراط الفعلي لكافة القطاعات الوزارية في تفعيل هذا الميثاق، عبر التسريع من وتيرة إعداد التصاميم المديرية للاتمركز الإداري، والتي يجب أن تكون مبنية على نقل فعلي للاختصاصات الوظيفية والصلاحيات التقريرية إلى المستوى الجهوي”.
ويتمثل التحدي الثاني في تدقيق وتفعيل اختصاصات الجماعات الترابية لاسيما منها المجالس الجهوية، الذي ما يزال بدوره لم يتحقق بعد على الوجه المطلوب، بالرغم من المجهودات المبذولة في هذا المجال.
ويتمحور التحدي الثالث في تعزيز الديمقراطية التشاركية على المستوى الجهوي والمحلي، بما يقتضي من تفعيل إشراك المواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني في عملية صياغة وإعداد وتنفيذ ومراقبة وتقييم السياسات العمومية المتخذة بمعية المجالس المنتخبة.
ويعتبر ربط المسؤولية بالمحاسبة في مجال تدبير الشأن الترابي رابع تحدي يواجه التنزيل الأمثل لورش الجهوية المتقدمة، إذ أصبح من الضروري تعزيز مبادئ التخليق ومحاربة الفساد من خلال تطوير فلسفة الرقابة والمحاسبة. فيما يكمن التحدي الخامس في الارتقاء بجاذبية المجالات الترابية لجذب الاستثمار المنتج، حيث بات من المسلم به أن جاذبية أي مجال ترابي تلعب دورا أساسيا في تحفيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص الشغل، وتحسين ظروف عيش المواطنين.
وارتباطا بذلك، يُراهن على قدرة الجهات على ابتكار آليات تمويلية جديدة، فقد أثبتت الممارسة أن أشكال التمويلات التقليدية لتمويل الاستراتيجيات والتدابير لم تعد كافية لمواجهة التحديات المطروحة، مما يقتضي معه بلورة أشكال تمويلية أخرى من شأنها تخفيف الضغط المالي على الجهات والجماعات الترابية الأخرى، وهو ما يشكل سادس التحديات المطروحة.
أما التحدي السابع والأخير فيراهن على التصدي لبعض الأزمات والتكيف مع التحولات التي يفرضها واقع اليوم وتأثيرات الغد، فلا بد من تبني مقاربة أكثر مرونة وتفاعلية في التخطيط الجهوي. بما يوافق تعزيز قدراتها على الاستباق والتكيف والتعلم المستمر.
وتطرح على الجهات إشكاليات ومخاطر تعيق جهود التنمية، وقد حددت الرسالة الملكية كلا من تدبير أزمة الإجهاد المائي، وتطوير منظومة النقل والتنقل، والانخراط في مسار التحول الرقمي كتحديات يجب مواجهتها والتغلب عليها.
وبالفعل، تم في أطوار المناظرة التوقيع على أربع اتفافيات – إطار بين عدد من القطاعات الحكومية وكافة مجالس الجهات، تتعلق بكل من تسريع تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، الشراكة في مجال الماء، تمويل البرنامج الاستثماري الخاص بالنموذج الجديد لعقود التدبير المفوض للنقل العمومي الحضري وما بين الجماعات بواسطة الحافلات، وتدبير قطاع النفايات المنزلية والمماثلة لها برسم الفترة الممتدة من 2025 إلى 2034.
وعلى صعيد التوصيات، خلصت المناظرة إلى ضرورة تفعيل إصلاحات الشق المالي بما يشمل من مواكبة الجهات والجماعات الترابية في الاستعمال الناجع لرافعة الاقتراض كآلية لتمويل برامجها الاستثمارية، وكذا إلى دعوة المؤسسات المالية الوطنية والدولية إلى بلورة آليات مبتكرة لتأمين الحاجيات التمويلية لتحقيق التنمية المستدامة والمتينة، وأيضا رفع الموارد المالية المركزية المحولة إلى الجهات..
كما أوصت المناظرة بضرورة التقاء السياسات الحكومية مع المشاريع المندرجة في برامج التنمية الجهوية، وتعزيز التخطيط الموحد، مع الحرص على الالتقائية في البرمجة المالية بين البرامج الوطنية والجهوية أخذا بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة.
ومن جانب آخر نادى المشاركون بتسريع وضع الاستراتيجيات الجهوية المتعلقة بالنجاعة المائية في مجال اقتصاد الماء، مع إشراك الجهات في وضع وإنجاز وتتبع البرامج المتعلقة بالقطاع، كما طالبوا بوضع الآليات اللازمة لتسريع إنجاز المشاريع المتعلقة بتدبير الإجهاد المائي، مع توحيد الجهود بين الجهات والجماعات الترابية الأخرى لمواجهة هذا الإجهاد.
وتضمنت التوصيات أيضا إعداد وتنزيل مخططات مديرية للتحول الرقمي على مستوى كل جهة، واعتماد نماذج حكامة ترابية رقمية مبتكرة عبر إحداث شركات جهوية تدمج أساليب القطاع الخاص لتسريع تنزيل مخططات المديرية للتحول الرقمي على مستوى كل جهة.
أ.ع