أصدر المجلس الأعلى للحسابات مؤخرا تقريره السنوي، وقد تناول العديد من مظاهر التدهور والتقصير التي تكابدها مدينة طنجة، إذ فضح بصريح العبارة اختلالات جمة، سبقه إلى كثير منها تقرير الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، الأمر الذي وضع مدبري المدينة على محك فضائح وطنية ودولية.
ويلازم هذا الواقع البائس غضب واستياء عارم لدى السكان، ولا أدل على ذلك من تعبيرات الاستياء والإحباط، بل التهكم والسخرية من الإشارات الضوئية التي أحدثت بداية الأسبوع، وهو ما أقره التقرير بالتأكيد على ضعف ومحدودية أنظمة حركة المرور، معتبرا أن المدينة تعتمد على حلول تقليدية لا تواكب التحديات الراهنة، ودعا في ذلك إلى اعتماد الرقمنة والأنظمة الذكية لإدارة التنقل لتحقيق انسيابية حركة المرور وتقليل الازدحام..
وربط التقرير بين عدم نجاعة التخطيط الحضري وإكراهات النقل بالمدينة، حيث اعتبر أن العشوائية في التعمير وغياب رؤية شاملة ومتكاملة تستجيب لمتطلبات النمو السريع أدى إلى تفاقم الازدحام المروري وإضعاف جودة حياة السكان.
وأشار المجلس الأعلى إلى العديد من مشاريع التوسع العمراني التي تمت دون مراعاة متطلبات النقل الحضري، مما أدى إلى انتشار الأحياء السكنية بشكل عشوائي لا يأخذ بعين الاعتبار مسألة القرب من العمل والخدمات الأساسية، ما يضطر السكان إلى الاعتماد المفرط على المركبات الخاصة، وبالتالي تفاقم الاختناقات المرورية.
ومن جهة أخرى، أعاب التقرير ضعف شبكة النقل العام الذي يفتقر إلى التغطية الكافية ويعاني من ضعف جودة الخدمات، كما لاحظ التقرير غياب مرافق مخصصة للمشاة ومسارات للدراجات الهوائية، وهي من العوامل الأساسية التي تعزز التنقل المستدام وتخفف من أزمات المرور.
وقد أوصى التقرير بضرورة تبني إصلاحات جذرية لمعالجة هذه الاختلالات تشمل تحديث وثائق التعمير لتراعي احتياجات النقل المستدام، وتعزيز شبكة النقل العام من خلال توسيع التغطية وتحسين جودة الخدمات بالإضافة إلى إنشاء مسارات مخصصة للمشاة والدراجات الهوائية. كما دعا التقرير إلى الاستثمار في أنظمة ذكية لإدارة حركة المرور، وتشجيع التعاون بين الفاعلين المحليين والسلطات الوطنية لتنفيذ سياسات حضرية شاملة ومستدامة.
وعلى مستوى المرافق الجوهرية بالمدينة، سلط التقرير ضوءه على سوق الجملة للخضر والفواكه، باعتباره من أهم الخدمات وأقربها لمعيش المواطن، والتي لها انعكاس مباشر على وضعيته الاقتصادية والاجتماعية.
بداية، وضع المجلس الأعلى يده على الوضعية المتدهورة للبنية التحتية للسوق، مسجلا افتقاره إلى المعايير الصحية والبيئية الأساسية فضلا عن غياب تجهيزات حديثة لتسهيل عمليات التخزين والنقل، مما يؤدي إلى إهدار كميات كبيرة من المنتجات الغذائية، ويؤثر سلبا على أرباح التجار التي تنعكس في صورة غلاء الأسعار.
كما أشار التقرير إلى ضعف آليات التسيير والرقابة المالية داخل السوق، حيث كشف عن فجوة ملحوظة بين المداخيل المتوقعة والمداخيل الفعلية التي يتم تحصيلها، ويعزى هذا الوضع إلى الاعتماد على أساليب تقليدية في تسجيل العمليات التجارية وتحصيل الرسوم، مما يفتح المجال لحدوث اختلالات مالية تؤثر على الشفافية والمصداقية.
وفي توصياته بخصوص السوق، دعا المجلس إلى تحديث البنية التحتية من خلال توفير تجهيزات حديثة لتحسين عمليات النقل والتخزين، إلى جانب إعادة هيكلة إدارة السوق وتوفير تكوين مستمر للكوادر العاملة به، لضمان تطبيق أفضل الممارسات في التسيير، فضلا عن رقمنة العمليات التجارية بهدف تعزيز الشفافية وتسهيل عملية تحصيل الرسوم..
ولا يمكن الحديث عن نهضة طنجة في معزل عن ميناء طنجة المتوسطي، وفي هذا الصدد قدم المجلس بعض التوصيات التي من شأنها استدامة تفوق الميناء. وفي ذلك دعا إلى تحسين الربط بين الميناء وباقي مناطق المغرب، من خلال تعزيز شبكة الطرق والسكك الحديدية لتسهيل نقل البضائع وتقليل الضغط على البنية التحتية الحالية، إلى جانب مواصلة الاستثمار في البنية التحتية للميناء لتلبية الطلب المتزايد، مع تحسين الخدمات اللوجستية من خلال تقليص المدد الزمنية المطلوبة لإنهاء الإجراءات الجمركية، وتحسين آليات تحميل وتفريغ البضائع.
واعتبر المجلس الأعلى أن تبني الرقمنة بشكل أكبر في إدارة العمليات والخدمات داخل الميناء يعتبر أولوية من أجل تعزيز الكفاءة والشفافية، وكذا اعتماد أنظمة متطورة لتتبع الشحنات وإدارة الوثائق الجمركية إلكترونيا.
ومن جانب آخر، أشار إلى أهمية تطوير سياسات بيئية مستدامة تهدف إلى تقليل الانبعاثات والحفاظ على البيئة البحرية المحيطة، معتبرا أن تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وإدارة المخلفات بشكل فعال يجب أن يكون ضمن الأولويات.
وختاما، نشير إلى أن جهة طنجة تطوان الحسيمة تصدرت لائحة التوصيات الصدارة عن المجلس، حيث وجه لها 641 توصية من مجموع 3523، وهو ما يعكس بوضوح جسامة الاختلالات وحجم التحديات.
أ.ع