لمياء السلاوي
يُعد التعليم حجر الزاوية لتحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالمجتمعات، إلا أن الواقع يكشف عن تفاوتات كبيرة بين المناطق الحضرية والقروية في المغرب، حيث تعاني المناطق القروية من تحديات جمة تجعل من توفير تعليم جيد للأطفال مهمة صعبة، رغم الجهود المبذولة من طرف الدولة والمجتمع المدني. في هذا المقال، سنناقش الوضع الراهن للتعليم في المناطق القروية بالمغرب، أبرز التحديات التي تواجهه، والفرص الممكنة لتحسين هذا القطاع الحيوي.
الوضع الراهن للتعليم في المناطق القروية
تعاني المناطق القروية بالمغرب من نقص كبير في البنية التحتية التعليمية، حيث تفتقر العديد من القرى إلى مدارس مجهزة بشكل مناسب. كما أن بعد المسافة بين المساكن والمدارس يشكل عائقًا كبيرًا أمام التحاق الأطفال بالدراسة، خاصة الفتيات. بالإضافة إلى ذلك، تشير الإحصائيات إلى نسب مرتفعة من الانقطاع عن الدراسة، إذ تضطر العديد من الأسر إلى إخراج أبنائها من المدرسة بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية.
برامج مثل “برنامج تيسير” لدعم التمدرس وتحفيز الأسر على إبقاء أطفالهم في المدارس ساهمت في تقليص هذه النسب، لكنها لم تقضِ تمامًا على هذه الظاهرة. ولا تزال المناطق القروية تعاني من ضعف الموارد البشرية، حيث يتسم نقص المعلمين المؤهلين بالاستمرار، فضلًا عن عدم استقرارهم بسبب صعوبة الظروف المعيشية..
التحديات الرئيسية التي تواجه التعليم في القرى
نقص البنية التحتية وضعف أو غياب المدارس في بعض المناطق النائية، وكذا غياب المرافق الأساسية مثل الماء الصالح للشرب ودورات المياه مع ضعف وسائل النقل المدرسي، مما يجعل الوصول إلى المدارس محفوفًا بالمشقة، كلها تحديات مهمة تواجه التعليم في القرى.
ثم نجد الفقر والهشاشة الاجتماعية، فارتفاع معدلات الفقر في القرى يجعل التعليم أولوية ثانوية مقارنة بالحاجات الأساسية، فالحاجة إلى عمل الأطفال لدعم دخل الأسرة يؤدي إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة.
العوائق الثقافية كذلك تعد من أبرز التحديات، فهناك التقاليد والأعراف التي تعيق تعليم الفتيات، خاصة في القرى النائية، وضعف الوعي بأهمية التعليم وتأثيره على تحسين ظروف العيش، وأخيرا ضعف جودة التعليم، من نقص في التكوين المستمر للمعلمين العاملين في القرى، وارتفاع عدد التلاميذ في الأقسام، ما يؤثر على جودة العملية التعليمية.
أوضاع مقلقة للمدارس القروية
رسم المجلس الأعلى للحسابات صورة قاتمة عن حالة التمدرس في العالم القروي، حيث سجّل استمرار العديد من الإشكاليات، خاصة في ما يتعلق بالجودة وضعف التحصيل، بالإضافة إلى تدني نسبة إتمام المراحل الدراسية. وأكد المجلس في أحد تقاريره أن مستوى التعلم لدى التلاميذ في العالم القروي ما زال ضعيفاً، وهو ما تعكسه نتائجهم الدراسية، إلى جانب استمرار ظاهرة التأخر الدراسي، سواء بسبب التسجيل المتأخر في السلك الابتدائي أو نتيجة التكرار.
وأشار التقرير إلى أن العديد من مدارس العالم القروي غير مربوطة بشبكات المياه والكهرباء، وتفتقر إلى المرافق الصحية الأساسية. كما أن هناك مدارس لا تزال تعتمد على قاعات دراسية من البناء المفكك، وتعاني من نقص في التجهيزات اللازمة للتلاميذ ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى عدم توفر تدفئة مناسبة في الفصول الدراسية خلال فصل الشتاء، ونقص العتاد الديداكتيكي. كما لفت التقرير إلى نقص الخدمات في الداخليات والمطاعم المدرسية، وسوء ظروف النوم والتغذية، فضلاً عن الافتقار للاستدامة في النقل المدرسي، والاكتظاظ وسوء حالة المركبات
الفرص الممكنة لتحسين التعليم في المناطق القروية
رغم التحديات الكبيرة، هناك العديد من الفرص التي يمكن استغلالها للنهوض بالتعليم في القرى المغربية، هناك البرامج الحكومية والمبادرات الوطنية، كبرنامج “تيسير” لدعم الأسر الفقيرة وربط الدعم المالي بالتزام الأطفال بالدراسة، وتطوير البنية التحتية التعليمية في إطار المشاريع الكبرى التي تهدف إلى تقليص الفوارق المجالية.
استخدام التكنولوجيا في التعليم: توسيع استخدام التعليم الرقمي كوسيلة لتجاوز نقص المعلمين، توفير دروس عبر الإنترنت أو منصات تعليمية مخصصة للمناطق النائية.
إشراك المجتمع المدني: دعم الجمعيات المحلية التي تعمل على محاربة الهدر المدرسي وتنظيم حملات توعوية لتحفيز الأهالي على إرسال أطفالهم إلى المدارس.
تكوين المعلمين وتحفيزهم: كتنظيم دورات تدريبية للمعلمين لتأهيلهم للتعامل مع التحديات الخاصة بالمناطق القروية، وتقديم حوافز مادية ومعنوية لجذب المعلمين إلى القرى وضمان استقرارهم.
توصيات وحلول مقترحة لمواجهة التحديات وضمان تعليم جيد للجميع في القرى المغربية، من الضروري تبني مقاربة شمولية تشمل:
زيادة الاستثمار في التعليم القروي من أهم الحلول، يجب على الحكومة تخصيص ميزانيات أكبر لتطوير البنية التحتية وبناء مدارس جديدة، تعزيز التعاون بين القطاعات: يمكن إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في تمويل وإنجاز مشاريع تعليمية.
إطلاق برامج موجهة للفتيات كتقديم منح دراسية وحوافز للأسر التي تُبقي بناتها في المدرسة واستخدام النقل المدرسي المجاني: ضمان وصول الأطفال إلى المدارس بأمان ودون معاناة.
هي معاناة لمواطنين مغاربة كسائر أنواع المعاناة في شتى المرافق والمجالات، لكن موضوعنا اليوم هو بالفعل يعد تحديًا تنمويا كبيرا، لكنه في الوقت نفسه فرصة لتحقيق العدالة الاجتماعية والنهوض بالمجتمعات المحلية. ويتطلب تحسين التعليم في القرى تعاونًا جماعيًا بين الحكومة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص. من خلال استغلال الفرص المتاحة ومعالجة التحديات بفعالية، يمكن للمغرب أن يحقق قفزة نوعية نحو تعليم شامل وعادل للجميع، مما سينعكس إيجابًا على كافة مناحي الحياة.