تعمد وزارة الداخلية إلى تحقيق نقلة نوعية في مسار التدبير العمومي المحلي، حيث قررت مؤخرا الانتقال من أسلوب التدبير المفوض في توزيع الماء والكهرباء إلى الاعتماد على “الموارد” المحلية في تحقيق هذه الخدمات الجوهرية.
وطالما تم توجيه الانتقاد إلى الاعتماد المفرط والطويل الأمد للشركات الأجنبية التي كانت تحظى بهذه الصفقات الدسمة، معيبين السلطات الجسيمة التي كانت تتمتع بها في مقابل سوء ورداءة الخدمة حسب العديد من التصريحات، ما أنتج وضعية غير متكافئة بين المرتفق ـ وليس الزبون ـ والإدارة ـ التي أصبحت شركة ـ الأمر الذي جعل واقع هذا التدبير متسم بالاستياء والامتعاض كشعور عام، فضلا عن وصفه بالحيف والجور في نوازل عديدة.
وكان بعض الخبراء قد حذروا من خطورة اعتماد أسلوب التدبير المفوض في تقديم خدمات أساسية من قبيل توزيع الماء والكهرباء وتطهير السائل، ذلك أنها تلبي حاجة أساسية وجوهرية للمواطنين لا يستساغ أن توضع بين أياد أجنبية، في سبيل نهج الاكتفاء الذاتي والحفاظ على الاستقلالية ودرء التبعية.. غير أن الواقع فرض ضرورة مواجهة ضعف الموارد المادية واللوجستية والبشرية فضلا عن قلة خبرة هذه الأخيرة.. وهو ما جعل فكرة الالتجاء إلى الشركات الأجنبية معقولة، لكن بعقلانية وتبصر.
ولعل أدهى ما وُجه في انتقاد هذا التدبير هو الصلاحيات القوية التي فرّطت فيها الإدارة لصالح الشركات، بشكل أصبحت معه هي نفسها في كفة أدنى من الشركة، وقد تابعنا كيف تتحجج الإدارة في الذود عن إنصاف المواطن في نزاع الشركة، متمسكة بالغرامات التي يمكن أن تفرضها هذه الأخيرة تارة وبخروج الاختصاص من يدها تارة أخرى..
وفي نفس السياق، لم تحتفظ الإدارة بسلطات حقيقية وفعلية في مجال التدقيق والمحاسبة، وهنا لا يعدو الأمر أن يكون تحصيل حاصل، فلو كان بإمكانها الاضطلاع بهذه المهام لكان الأولى بها أن تقوم بالتدبير.
واستدراكا لكل هذه الاختلالات، قررت وزارة الداخلية، وعلى الصعيد الوطني، النأي عن أسلوب التدبير المفوض، وذلك بشكل تدريجي حتى يعم كل المجالات، مع العمل على تفعيل كافة الإمكانيات المتاحة، قانونا وماديا. وهو ما تم بالفعل، وهنا نتحدث خصيصا عن جهة طنجة تطوان الحسيمة، حيث أصدر وزير الداخلية، قرار الإعلان عن تكوين مجموعة الجماعات الترابية التي سميت “طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع”، على أن يتشكل مجلس تنفيذها من كل من والي الجهة ورئيس المجموعة وقابضها، وفق الاختصاصات المحددة لكل طرف.
وعمليا، دخلت مجموعة الجماعات الترابية لتوزيع الماء والكهرباء بجهة طنجة تطوان الحسيمة حيز التنفيذ بحر الأسبوع الماضي، خلفا لشركة “أمانديس” التي سينتهي عقد تدبيرها قريبا.
وستتولى مجموعة “طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع” إلى جانب تدبير مرفق توزيع الماء والكهرباء وتطهير السائل، تزويد العالم القروي بالخدمات المتعلقة بالمرفق، وذلك لمدة غير محددة.
ومن الأهمية بمكان التوضيح أن هذه المجموعة تتشكل من 171 عضوا منتدبا، ممثلين لمختلف الجماعات الترابية بالجهة، على أن تمثل جماعة طنجة بـ 3 أعضاء، والمجالس الإقليمية ومعظم الجماعات الحضرية بعضوين، فيما تمثل الجماعات القروية بعضو واحد. وقد تم انتخاب كل من منير ليموري (الأصالة والمعاصرة)، وحميد بليطو (التجمع الوطني للأحرار)، وحسن بلخيضر (الاتحاد الدستوري) أعضاء منتدبين عن مجلس جماعة طنجة، فيما تم انتخاب محمد لحميدي (الأصالة والمعاصرة) ومحمد الحمامي (حزب الاستقلال) عن مجلس عمالة طنجة أصيلة، في دورات استثنائية أقيمت لهذا الغرض.
بقي أن نشير إلى أن المجموعة تتخذ طنجة مقرا لها، كما أنها ستحتفظ بنفس الموظفين والموارد البشرية المغربية التي اشتغلت إبان التدبير المفوض.
أمل عكاشة