تتصاعد الأصوات اليوم في إيران بمراجعة عقيدتها النووية لحيازة قنبلة نووية بهدف التصدي لتهديدات إسرائيل التي أصبحت تتوعد بشكل مستمر بتوجيه الضربات لإيران.
ودعا البرلمان الإيراني إلى إعادة النظر في العقيدة النووية للجمهورية الإسلامية، وذلك من خلال الرسالة التي بعثها إلى المجلس الأعلى للأمن القومي.
وطالب النواب المرشد الأعلى “علي خامنئي” بإعادة النظر في فتواه التي تحظر استخدام الأسلحة النووية انطلاقا من مبدأ بأنه لا المنظمات الدولية ولا الدول الأوروبية ولا الولايات المتحدة تستطيع السيطرة على النظام الصهيوني المتغطرس الذي يرتكب الجرائم كما يحلو له، وأن امتلاك إيران السلاح الذري هو السبيل الوحيد لتحقيق الردع النووي، وعلى الرغم من التأكيدات المستمرة، أن البرنامج النووي السلمي يستخدم لإنتاج الطاقة، إلا أن طهران أصبحت تمتلك ما يكفي من المواد لصنع أكثر من ثلاث قنابل ذرية، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويظهر أن النكسات التي منيت بها إيران بعد أن تلقت ضربات كبيرة باستهداف قادة جماعات مسلحة تدعمها في لبنان وغزة، وحتى فشل الهجمات التي كانت تشنها على إسرائيل فقد تتجه إلى تعزيز ترسانتها العسكرية بصواريخ نووية.
يرى بعض المحللين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط أن طهران تتسارع مع الزمن لتطوير وتجربة القنبلة النووية، وذلك بهدف إيجاد مستوى جديد من الردع وتفادي حرب إقليمية مدمرة مع إسرائيل وحلفائها بما في ذلك الولايات المتحدة.
إن العلاقات بين إيران وإسرائيل، تشهد تصعيدا غير مسبوق، وهذا التصعيد يختلف عن الصراع السابق الذي كان يدار عبر الوكلاء والعمليات السبرانية والاغتيالات، وقد أصبح التراشق الصاروخي بين البلدين، كجزء من سياسة الرد والرد المضاد سمة أساسية في معادلة الصراع الإيراني- الإسرائيلي، خاصة وان إسرائيل أصبحت بعد 7 أكتوبر أكثر شراسة وجرأة وصلابة.
هناك حسابات معقدة تجريها إسرائيل وإيران، فإسرائيل تؤمن بأنها تخوض معركة وجودية، وتسعى بجد لحماية نفسها من التهديدات المحيطة بها،وفي مقابل ذلك تكافح إيران للحفاظ على دعمها لوكلائها ومشروعها في المنطقة مما يزيد من تعقيد الصراع يعكس الطبيعة المتعددة الأبعاد لهذه المواجهة.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجلسة الافتتاحية للكنيست أن إيران تسعى لبناء مخزون من القنابل النووية بهدف تدمير إسرائيل، تحملها صواريخ بعيدة المدى قد تهدد العالم بأسره في أي مكان، وأن وقف البرنامج النووي الإيراني يشغل أفكار الجميع.
يرى “إيريك بروير” الخبير في منع انتشار السلاح النووي، أنه في ظل البيئة الحالية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وامتلاك إيران لقدرات لتصنيع سلاح نووي هناك خطر بأن يقرر خامنئي وفي هذه الظروف بالذات التسريع بإنتاج أسلحة نووية.
في تل أبيب ثمة موجة تلويح هستيرية في استخدام السلاح النووي ضد غزة ولبنان وإيران، ويتردد صداها في جنبات الكونغريس الأمريكي من بعض النواب الصقرية- المتصهينة في مؤسسات صنع القرار الأمريكي، الأمر الذي يطرح بقوة خطر التهديد النووي في منطقة الشرق الأوسط.
الشرق الأوسط ما زال يتميز بوجود قطب واحد يحتكر السلاح النووي ويعرضه للاستخدام بعد ان ظل عقودا محكوما بالتعتيم والسرية التامة، ولاسيما مع صعود الفاشية والتطرف في إسرائيل دينيا وقوميا.
بخصوص سلمية البرنامج النووي والإيراني، المثبتة في تقارير الوكالة الدولية لم تفلح في تفكيك أطواق العقوبات والحصار المفروضة على إيران، بل إن واشنطن وحلفائها ما انفكوا يفرضون مزيدا من هذه العقوبات عند كل منعطف تمر فيه إيران و الإقليم.
الخطير في الأمر أن إسرائيل وبإيعاز أمريكي ما انفكت تهاجم العلماء النوويين الإيرانيين والمنشآت النووية الإيرانية، عبر وسائل استخبارية وسبرانية، وتلوح دوما بما هو أبعد من ذلك، وتسعى لاستجرار الولايات المتحدة لتوجه ضربات عسكرية مكثفة إلى المواقع النووية في عمق إيران، الخطر ما زال جاثما والتهديد سيظل قائما ما لم تتكرس معاملة الردع الإقليمي المتبادل،بحسابات الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل سواء بسواء.
ومن المؤسف القول أن بعض الدول العربية لم يثر قلقها تفرد إسرائيل بامتلاك الأسلحة النووية، وصبت جام غضبها وامتعاضها بدلا من ذلك على برنامج إيران النووي، ولم يزعجها أبدا فشل محاولاتها المتكررة لتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، بل كانت الأكثر نشاطا في مقاومة محاولات دول عربية للحصول على هذا السلاح ويتعلق الأمر بالعراق وسوريا.
اليوم ينصب اهتمامها على مواجهة التهديد النووي الإيراني، ولا يعرف سر طمأنينة هذه الدول، ولاسيما بعد اشتداد حمى التطرف والوحشية الفاشية في إسرائيل وسقوط الأقنعة، عن وجه الولايات المتحدة والدول الأوروبية في سياقات الحرب الهمجية على البشر والشجر والحجر في قطاع غزة ولبنان.
من هنا يبدو أن القرار الإيراني كان حاسما وقطعيا بالرد على اي عدوان إسرائيلي بشكل يتناسب مع فظاعته وطبيعته ونتائجه بالتوازي مع المواقف التي تطالب بتغيير العقيدة النووية الإيرانية في حال تعرض المنشآت النووية للاعتداء، وقد تعزز الموقف بالتوجه الروسي بتزويد إيران بمنظومات دفاع جوية متطورة لردع الهجوم الإسرائيلي، إلى جانب الموقف الصيني الرافض لأي عملية عسكرية ضد إيران مع التحذير من خطورة الحرب الشاملة.
واستنادا إلى المواقف الإيرانية والإقليمية والدولية والتقييم الأمريكي-الإسرائيلي لظروف الميدان والمواجهة، وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتراجع عن دعمها المطلق للخيار الإسرائيلي بتوجيه عدوان واسع غير مضمون النتائج، مما أدى بواشنطن إلى إقناع الكيان الإسرائيلي بضرورة تجنب استهداف منشآت الطاقة والمنشآت النفطية والنووية.
الجدير بالذكر في هذا السياق، أن العقل الإستراتيجي الإسرائيلي أصبح يدرك بأن وقف الحرب قد يكون أشد خطورة على وجود الكيان من اجتراع الاستنزاف اليومي للصراع، بل بات على يقين ان وقف الحرب يعني انتحارا سريعا، واستمرارها يعني انتحار بطيئا، وأن كل الانجازات التي حققها منذ البداية وحرب الإبادة على غزة ولبنان يكاد يقارب الصفر على المستوى الإستراتيجي، وأن المصطلح الذي أصبح يستخدمه الكيان “الحرب الوجودية” هو خير دليل على قرب انهياره المرتقب.
الأستاذ محمد الخراز