اقترحت روسيا في قمة بريكس دمج أنظمة الإيداع للدول الأعضاء تحت مظلة ب ” بريكس كليرBRICS CLEAR” في إطار عروضها المقدمة للقمة، المنعقدة خلال هذا الأسبوع في كازان، وذلك لضمان تنفيذ المعاملات المالية عبر الحدودو كبديل للأنظمة الحالية مثل “يوروكليرEURO CLEAR” و ” كلير ستريم “”CLEAR STREAM”.
وقد عرفت منظمة بريكس انضمام كل من الإمارات العربية وإيران ومصر وإثيوبيا إلى جانب المؤسسين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وأشار بوتين في كلمته أمام القمة أن تطور المجموعة أظهر عالما متعدد الأقطاب في تحد للنظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، غير أنه من الناحية العملية لا توجد علامة تذكر على أن معظم أعضاء مجموعة بريكس باستثناء روسيا وإيران الخاضعتين للعقوبات مهتمون بالانضمام إلى نظام الإيداع المشترك، وذلك راجع بكون معظم دول مجموعة بريكس لديها علاقات اقتصادية كبيرة مع الدول الغربية وليست لهم رغبة في الإنفصال عنها.
من هنا يبدوا واضحا أن روسيا تسعى إلى تطوير هياكل مالية بديلة لكي تتجاوز العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوربية في مجموعة السبع بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، حيث تم فصل البنوك الروسية عن نظام الدفع العالمي ” سويفت” وتجميد الحسابات الروسية في مؤسسة الإيداع الدولية، ويشار إلى أن شركة “يروكلير” تحتفظ لوحدها بنحو 173 مليار يورو، تتعلق بالأصول والممتلكات الروسية الخاضعة للعقوبات، بما في ذلك أصول البنك المركزي الروسي التي أصبحت مجمدة من تاريخ الغزو الروسي.
وعليه فإن الشركات الروسية تواجه صعوبات متزايدة فيما يتعلق بالمدفوعات عبر الحدود بخصوص الواردات والصادرات وحتى مع الصين والهند وتركيا، حيث تتخذ البنوك الأجنبية حذرا من خطر العقوبات الأمريكية الثانوية، مما حفز روسيا على الدفع من أجل نظام بديل داخل مجموعة بريكس يعتمد على العملات الوطنية بدلا من الدولار.
وقد علق “توم كيتنج” مدير مركز التمويل والأمن في لندن، أن أنظمة الدفع البديلة قد لا توفر الحصانة من العقوبات المتوقعة، خاصة أن الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يعملون بشكل متزايد بتطوير آليات العقوبات ومراقبة الصادرات التي لها نطاق خارج الإقليم، في إشارة إلى أن العقوبات الغربية ستكون لها تأثير كبير على الوضع الاقتصادي الروسي.
وعلى الرغم من الإنتقاد للمسؤول البريطاني، فهناك تخطيط من طرف المسؤولين في البنوك المركزية لدول مجموعة بريكس لمناقشة نظام الدفع الموحد في دجنبر القادم.
ويرى الخبراء أن العملية ستبقى ضعيفة وبطيئة، لأن دول المجموعة لديها بروتوكولات تكنولوجية وأمنية مختلفة، وقوانين ولوائح متباينة، فإن نظام الدفع المتكامل جزئيا هو احتمال وارد ويمكن أن يعزز التجارة بين أعضاء بريكس بنسبة تتراوح ما بين 5 % و 7% .
لكن يبدوا أن هناك اختلاف داخل المجموعة استنادا إلى رأي رئيس الوزراء الهندي ” ناريندرا مودي” الذي يرى أن مجموعة بريكس يجب ألا تتصرف كبديل للمنظمات العالمية، حتى مع محاولة الأعضاء المؤسسين مثل روسيا والصين لتوسيع المجموعة لتحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وعلى المجموعة أن تكون حذرة لضمان عدم اكتساب هذه المنظمة صورة منظمة تحاول استبدال المؤسسات العالمية، وكل ما هناك يجب أن تعمل على إصلاح مؤسسات مثل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة والمقرضين المتعددين الأطراف.
في نفس السياق أكدت مجموعة دول بريكس ضرورة وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، معربة عن إدانتها استهداف الاحتلال الإسرائيلي العمليات الإنسانية ومراكز توزيع المساعدات في القطاع، وأصدرت بيانا أكدت فيه على دعمها منح فلسطين المحتلة عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وأدانت بشدة قيام الاحتلال بتفجير أجهزة ” البيجر” في لبنان ويعد خرقا للتشريعات الدولية.
أعرب زعماء دول بريكس عن قلقهم إزاء الوضع في جنوب لبنان، حيث ذكر في الإعلان النهائي عن قلقهم الشديد، وأدانوا بشدة مقتل المدنيين والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية المدنية نتيجة الهجمات الإسرائيلية على المناطق السكنية في لبنان ودعوا للوقف الفوري للأعمال العدائية، وشددوا على أهمية الامتثال الصارم لقراري مجلس الأمن الدولي رقم 1701 لسنة 2006 و2749 لسنة 2024.
وأضاف مشاركو قمة بريكس بإدانتهم للهجمات على موظفي الأمم المتحدة والتهديدات المتواصلة لأمنهم، ودعوا إسرائيل إلى الوقف الفوري لمثل هذه الأعمال المخالفة للقانون الدولي، ورحبوا بالجهود المستمرة التي تبذلها كل من جمهورية مصر العربية ودولة قطر، والجهود الإقليمية والدولية الأخرى الرامية إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتسريع إمدادات المساعدة الإنسانية وانسحاب القوات الإسرائيلة من قطاع غزة.
دعا الدول الأعضاء إسرائيل إلى الامتثال إلى القانون الدولي، كما أعربوا أيضا عن قلقهم من أن المزيد من التصعيد في قطاع غزة محفوف بزيادة التوتر والتطرف وعواقب ضارة على المستويين الإقليمي والعالمي.
انطلاقا من قمة بريكس، حيث تأمل هذه القمة لبناء نظام عالمي جديد لمهاجمة هيمنة الولايات المتحدة على المالية العامة وحماية روسيا وأصدقائها من العقوبات وإنشاء تحالف مناهض للغرب يؤول إلى التحضير لانقلاب عالمي لكبح جماح الحضور الأمريكي في العالم.
تلك هي نوايا روسيا تتقاطع حتما مع تحركات حلفائها الدوليين على وقع عالم يرزح تحت عبئ حروب متنقلة في أكثر من ساحة دولية رغم الأوليات الثلاث التي حددتها موسكو للقمة، وهي السياسة والأمن والتعاون في الاقتصاد والتمويل، والتبدلات الإنسانية والثقافية، كما نظمت أكثر من 200 حدث سياسي واقتصادي واجتماعي لتعزيز سبل تنفيذ المزيد من التعاون بين دول بريكس.
هكذا ظهر روح التحدي وخطر الانزلاق نحو المواجهة مع مجموعة السبع الاقتصادية منذ تأسيس مجموعة بريكس رسميا في 16 يونيو 2009 في ” ياكترينبورغ” بروسيا، ويقع مقرها في مدينة “شنغهاي” الصينية.
تحول تكتل بريكس إلى رأس حربة في مواجهة الغرب ولكسر الهيمنة الأمريكية اقتصاديا وعسكريا، وقد استغل الثنائي الروسي – الصيني التطور الدراماتيكي للأحداث على الساحة الدولية، حيث وجدت فيها موسكو الفرصة المواتية لتحجيم الدور الأمريكي وردع حلف الشمال الأطلسي ” الناتو” من تقديم الدعم المطلق لأوكرانيا.
وأخيرا يمكن القول أن قمة بريكس المنعقدة في “كازان” ركزت على قضايا الأمن الغذائي والطاقة مع إيلاء اهتمام خاص في الشرق الأوسط، وانعقدت هذا العام تحت عنوان رئيسي هو بريكس والجنوب العالمي لبناء عالم أفضل وتحقيق أهداف مشتركة بمعزل عن التبعية للغرب.
الأستاذ محمد الخراز