يقطع قانون المالية مراحل متعددة قبل اعتماده، تتسم أغلبها بالتشاور والتداول حول مقترحات الوزراء والمصاح المعنية، وبداية من شهر شتنبر المقبل سيتم تجميع ودراسة مقترحات القطاعات الوزارية الخاصة بالمداخيل والنفقات مع ما يرافقها من تقارير ودراسات حول نجاعة الأداء..
ونظرا لخصوصية الظرفية الحالية، وتفعيلا للتوجيهات الملكية السامية المتضمنة في خطاب العرش، وجه رئيس الحكومة، قبل أيام، مذكرة توجيهية تتضمن الأولويات الأربع لمشروع قانون المالية المقبل، حيث سيتعين على الوزراء التقيد بها وإعطائها خالص الأولوية.
وتأتي هذه المذكرة، حسب رئيس الحكومة، في سياق دولي يطبعه توالي الأزمات وتصاعد التوترات الجيوسياسية التي ألقت بتداعياتها على النمو الاقتصادي وعلى القدرة الشرائية في مختلف أنحاء العالم، نتيجة ارتفاع الضغوط التضخمية التي تفاقمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لاسيما سنة 2022 التي بلغ معدل التضخم خلالها ما يعادل 8,7 في المئة على الصعيد العالمي.
ولأجل ذلك، ستعتمد الحكومة في قانون المالية المقبل بالأساس على كل من توطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية، مواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية، الاستمرار في تنزيل الإصلاحات الهيكلية وتعزيز استدامة المالية العمومية.
ودون تقديم توقعات اقتصادية للسنة المقبلة، اكتفت مذكرة رئيس الحكومة بالقول أنه قد تم تقليص عجز الميزانية من 7,1 في المئة سنة 2020 إلى 5,9 في المئة سنة 2021، ثم إلى 5,1 في المئة سنة 2022، كما عرف النصف الأول من سنة 2023 مواصلة الدينامية الإيجابية للموارد، حيث ارتفعت الموارد الضريبية بـ 4 في المئة أي بما يعادل 5,3 مليار درهم.
وقد عرف الاقتصاد الوطني نفس الدينامية، منذ بداية سنة 2023، حيث أنه وبعد أن تم تسجيل معدل نمو بـ 3,5 في المئة خلال الفصل الأول من هذه السنة، تشير التقديرات الأولية إلى تحقيق معدل نمو بـ 3,2 في المئة خلال الفصل الثاني و3,4 في المئة خلال الفصل الثالث، مقابل 2 في المئة و1,9 في المئة المسجلين خلال هذين الفصلين على التوالي من سنة 2022.
وتعزي الحكومة هذه النتائج الإيجابية إلى نجاحها في مواجهة الضغوط وفي تدبير الأزمات المتلاحقة والحد من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال سياسة فعالة تقوم على بعدين متكاملين، أولهما استباقي ينبني على مواجهة الإكراهات الظرفية وتقليص آثارها المباشرة على الاقتصاد الوطني وعلى المستوى المعيشي للمواطنين، وثانيهما هيكلي طويل الأمد يقوم على المضي قدما في تنزيل الإصلاحات الضرورية لتحسن ظروف عيش المواطنين وتحقيق معدل نمو أكبر، لخلق المزيد من فرص الشغل، مع استعادة الهوامش المالية الكفيلة بتوفير التمويل الضروري لهذه الإصلاحات.
وفي هذا السياق، ذكرت المذكرة أنه تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، اتخذت الحكومة مجموعة من القرارات الاستباقية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ودعم القطاعات المتضررة جراء توالي الأزمات، وهو ما كلف ميزانية الدولة نفقات إضافية بلغت 40 مليار درهم برسم سنة 2022 وما يزيد عن 10 مليار درهم خلال السنة الحالية.
ونتيجة لذلك مكنت هذه الإجراءات من الحد من ارتفاع التضخم وحصره في معدل 6,6 في المئة عند نهاية سنة 2022، فيما ساهمت التدابير التي تم اتخاذها بداية سنة 2023، لا سيما دعم المواد الأساسية، ودعم الأعلاف المخصصة للمواشي والدواجن، والمواد الأولية الفلاحية المستوردة، في تراجع معدل التضخم من 10,1 في المئة خلال شهر فبراير إلى 5,5 في المئة نهاية شهر يونيو 2023، ومن المتوقع أن يتم حصر هذا المعدل في حدود 5,6 في المئة مع نهاية هذه السنة.
أما على صعيد إشكالية ندرة المياه، التي تشكل هاجسا وتحديا حقيقيا خلال هذه الظرفية، خاصة مع توالي سنوات الجفاف، تحرص الحكومة على تسريع وتيرة تنزيل البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، مع الرفع من الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع الماء بـ 5 ملايير درهم برسم قانون المالية 2023، وفتح اعتمادات إضافية بـ 1,5 مليار درهم خلال نفس السنة، وذلك تنفيذا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة.
وبالموازاة مع ذلك، تسترسل مذكرة رئيس الحكومة، فقد حرصت هذه الأخيرة على استكمال مجهودات تنزيل مختلف الأوراش الإصلاحية، وعلى رأسها تعميم الحماية الاجتماعية وإصلاح المنظومتين الصحية والتعليمية، إلى جانب تنزيل ميثاق الاستثمار وتنزيل الاستراتيجية السياحية والاستراتيجية الطاقية…
وختاما، نذكر أنه إذا كانت المذكرة التوجيهية تضمنت أن الحكومة قد تمكنت من تخصيص الاعتمادات الضرورية للحد من تبعات الظرفية الحالية، كما حرصت في الوقت ذاته على تقليص عجز الميزانية حفاظا على استدامة المالية العمومية.. فإن واقع ذلك تكشفه العديد من تقارير ومذكرات المندوبية السامية للتخطيط، وتكفي الإشارة إلى آخر مذكرة تناولت الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك لشهر يونيو المنصرم، إذ تفيد أنه بالمقارنة مع نفس الشهر من السنة السابقة، سجل الرقم ارتفاعا بـ 5,5%، وذلك نتيجة لتزايد أثمان المواد الغذائية بـ 12,7% وأثمان المواد غير الغذائية بـ 0,6%، فيما تراوحت نسب التغير للمواد غير الغذائية ما بين انخفاض قدره 5,6%بالنسبة لـ “النقل” وارتفاع قدره 6,0% بالنسبة لـ “المطاعم والفنادق”.