بمناسبة عيد العرش، قدم عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب بين يدي جلالة الملك محمد السادس، التقرير السنوي للمالية، مستعرضا الخطوط العريضة للوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية، وذلك في إطار المادة الخمسين من القانون الأساسي لبنك المغرب.
وأوضح التقرير أنه على الصعيد الوطني، كان للسياق العالمي الصعب عموما والمتسم باللايقين، زيادة على موسم جفاف من بين الأشد قساوة في العقود الأربعة الأخيرة أثر كبير على النشاط الاقتصادي، الأمر الذي خلّف انحصار النمو في 1.3% سنة 2022 بعد أن سجل نسبة استثنائية قدرها 8% في 2021 وتقلصت القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 12,9% بينما تباطأت وتيرة نمو القيمة المضافة في القطاعات غير الفلاحية إلى 3 وتراجع النشاط بالخصوص في البناء والأشغال العمومية وفي الصناعات الاستخراجية وتباطاً بقوة في الصناعات التحويلية.
وبالمقابل، كان لرفع القيود الصحية أثر هام على بعض الخدمات، لاسيما السياحة التي شهدت تحسنا ملموسا لكن مع البقاء في مستويات أقل مما سجل قبل الأزمة، وانعكست هذه التطورات على سوق الشغل الذي فقد 24 ألف منصب في 2022 بعد إحداث 230 ألف منصب شغل سنة من قبل وخسارة 432 ألف منصب في 2020، ليصل بذلك حجم التشغيل إلى 10,7 مليون، وهو مستوى أدنى بنسبة 2,1% مقارنة بسنة 2019.
وعلى الصعيد القطاعي، فقدت الفلاحة 215 ألف منصب من سنة إلى أخرى لتنزل بذلك حصتها للمرة الأولى إلى أقل من 30 في حين سجلت الصناعة وقطاع البناء والأشغال العمومية شبه استقرار.
وعلى العكس، شهد فرع الإيواء والمطاعم إحداثا استثنائيا لما عدده 46 ألف منصب شغل، وفي ظل هذه الظروف، سجلت نسبة النشاط تراجعا ملموسا وعاما إلى 44,3% إجمالا وإلى 19.8% وسط النساء وانخفضت نسبة البطالة إلى 11.8% على الصعيد الوطني وإلى 15.8% في الوسط الحضري.
ورغم هذه الظرفية غير المواتية والجهود الهامة التي بذلتها الدولة لتخفيف تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر والمقاولات، فقد واصلت وضعية المالية العمومية تحسنها التدريجي وتعزى هذه النتيجة إلى الارتفاع الملحوظ للمداخيل الجبائية، لكن أيضا إلى التعبئة القياسية للموارد عن طريق آليات التمويل الخاصة والتي بلغت 25.1 مليار درهم وقد تراجع عجز الميزانية، دون احتساب عائدات تفويت مساهمات الدولة، من 7,1% من الناتج الداخلي الإجمالي في 2020 إلى 5,9% في 2021 ثم إلى 5,2% في 2022 وهو مستوى أدنى من هدف 5.9% من الناتج الداخلي الإجمالي الذي حدده قانون المالية.
وعلى الرغم من هذا الانتعاش كانت ظروف تمويل الخزينة صعبة مما جعل هذه الأخيرة تلجأ إلى ما تبقى من المبلغ المسحوب من خط الوقاية والسيولة لصندوق النقد الدولي بما قدره 20.9 مليار درهم.
وفي السوق الداخلية للسندات ونظرا للمتطلبات المتزايدة للمستثمرين، توجهت الخزينة نحو الاستحقاقات القصيرة والمتوسطة وأصدرت للمرة الأولى سندات بأسعار قابلة للمراجعة، وفي هذا السياق، ارتفع الدين العمومي المباشر بواقع 2,1 نقطة من الناتج الداخلي الإجمالي إلى 71.6% مع تزايد مكونه الخارجي إلى 17,2% من الناتج الداخلي الإجمالي ومكونه الداخلي إلى 54.4% .
وعلى مستوى المبادلات الخارجية، تواصلت الدينامية التي كانت سائدة في 2021 مع نمو الصادرات بنسبة 30.1%، مدعومة بالأداء الجيد للمهن العالمية للمغرب وقطاع الفوسفاط ومشتقاته.
وبموازاة ذلك، تزايدت واردات السلع بنسبة 39.5% ارتباطا بتنامي الفاتورة الطاقية وبارتفاع المشتريات من المنتجات نصف المصنعة وبالتالي تفاقم العجز التجاري بشكل كبير ليصل إلى ما يعادل 232% من الناتج الداخلي الإجمالي وتراجعت نسبة تغطية الصادرات للواردات من 62,3% في 2021 إلى 58.1% .
ومن جهة أخرى، ومع انتعاش السياحة الدولية سجلت مداخيل الأسفار مستوى قياسيا قدره 93,6 مليار درهم مقابل 78.7 مليار سنة 2019 أما تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، فقد حافظت على الدينامية الاستثنائية الملاحظة منذ سنة 2020 مع تحسن سنوي جديد بنسبة 16% لتصل إلى 110,7 مليار درهم سنة 2022.
وقد مكنت هذه التطورات من احتواء عجز الحساب الجاري الذي بلغ 3.5% من الناتج الداخلي الإجمالي مقابل 2.3% سنة 2021، علاوة على ذلك، وعلى الرغم من السياق الدولي المتسم باللايقين وغير المواتي عموما، بلغت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة ما يعادل 3% من الناتج الداخلي الإجمالي.
وفي ظل هذه الظروف تعززت الأصول الاحتياطية الرسمية لبنك المغرب بواقع 2,1% لتصل إلى 337,6 مليار درهم. وهو ما يعادل 5 أشهر و 13 يوما من واردات السلع والخدمات.
وعلى غرار معظم دول العالم، لم يسلم المغرب من ظاهرة تصاعد التضخم، فالضغوط التضخمية التي كانت خارجية المصدر بالأساس، أخذت تنتشر تدريجيا وتتحول إلى ضغوط داخلية، لتتفاقم بعد ذلك بفعل صدمات عرض داخلية حصريا همت بعض المواد الغذائية، نتيجة بالأساس للجفاف.
وهكذا، وبعد متوسط 1.5% خلال العشرين سنة الماضية، وصلت نسبة التضخم إلى 6.6% سنة 2022 مسجلة بذلك أعلى مستوى منذ سنة 1992. ومما كان مقلقا أيضا بهذا الخصوص، أنه ابتداء من النصف الثاني من السنة كانت توقعات بنك المغرب تشير إلى بقاء التضخم في مستوى مرتفع على المدى المتوسط، مع خطر تكون دوامات تضخمية قائمة بذاتها.
وأمام وضع كهذا، وبالرغم من تباطؤ النشاط الاقتصادي، اضطر بنك المغرب إلى الشروع في تشديد سياسته النقدية لتفادي عدم تثبيت الفائدة التوقعات وبالتالي تسهيل عودة التضخم إلى مستويات تنسجم مع هدف استقرار الأسعار. وهكذا، رفع سعر ا الرئيسي في شتنبر ودجنبر بواقع 50 نقطة أساس في كل مرة.
وبموازاة هذه الزيادات، وبهدف ضمان تمويل ملائم للاقتصاد واصل بنك المغرب تلبية كافة طلبات السيولة التي تتقدم بها البنوك كما استمر في تنفيذ برامجه المخصصة لدعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، وإلى جانب ذلك كله، لم يفت بنك المغرب التدخل لدى النظام البنكي لتحسيسه بأهمية اعتماد مقاربة تدريجية و في انتقال قرارات السياسة النقدية للحد من انعكاساتها القصيرة الأمد على النشاط الاقتصادي.
وهكذا ظل ارتفاع أسعار الفائدة على القروض بين الفصل الرابع من سنة 2021 والفصل الأول من سنة 2023 محدودا في 59 نقطة أساس أما الائتمان البنكي الموجه للقطاع غير المالي، فقد ازداد بنسبة 7,9% سنة 2022 بعد ارتفاع بواقع 2.9% سنة من قبل.
وعلى مستوى سوق الصرف، يشير التتبع المنتظم الذي يقوم به البنك المركزي إلى أن الانتقال الذي بدأ في يناير 2018 يتواصل في ظروف جيدة، مع تعميق ملحوظ للسوق واستخدام متزايد لأدوات تغطية خطر الصرف. فقد بقي سعر الدرهم داخل نطاق التقلب واستمرت التقييمات التي ينجزها بنك المغرب فصليا في الإشارة إلى أن قيمة العملة الوطنية لا تزال متسقة مع أسس الاقتصاد الوطني.
وفي نفس الوقت واصل بنك المغرب بتعاون مع الأطراف المعنية، تحسيس ومواكبة الفاعلين الاقتصاديين، لا سيما المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، للاستعداد والتكيف بشكل أفضل مع التغيير التدريجي للسياق الناجم عن هذا الإصلاح.
وخلص الجواهري في ختام كلمته التقديمية، إلى القول بأن المغرب بعد تعزيز انخراط المواطن في العمل العمومي ورفع مردودية الإصلاحات، سوف لن يبقى تحقيق طموح الارتقاء ببلدنا إلى مصاف الدول الصاعدة اقتصاديا واجتماعيا، الذي من شأنه أن يضمن مستقبلا أفضل للشباب، أمرا بعيد المنال.