أبو الفضل يوسف ابن النحوي
ت 513هـ/1119م
غزالي أهل المغرب[1]
تأليف: عدنان الوهابي
يعتبر الإمام أبو الفضل يوسف بن النحوي، أحد الأعلام الذين أنجبهم الغرب الإسلامي في القرن الخامس الهجري، فهو عالم متفنن في العديد من فنون العلم وأصنافه من فقه، وأصول، ونحو، ولغة، وتآليفه شاهدة على تمكنه وبراعته في هذه المجالات. وهو صاحب القصيدة الشهيرة ” المنفرجة”، وهي قصيدة متميزة في المضمون والمحتوى، رائعة في التماسك البنيوي والترابط المعنوي، والإبداع البلاغي والجمال الأدبي، مما جعلها تنتشر ويذيع صيتها، ويطير ذكرها بين الركبان وتلهجها الألسن في مختلف الأمصار الإسلامية، وتسلب لب القلوب، وتأسر الأفئدة، وتنفذ بسحرها وجمالها إلى أعماق النفوس، وتنشد في المناسبات الدينية.
وابن النحوي رحمه الله أستاذ لجماعة من العلماء من المغرب الذين قصدوا مجالسه في فاس وسجلماسة، أو حيثما كان ينزل في رحلاته للنهل من علمه، والتزود من معارفه، ويكفي أن نذكر منهم أبو الحسن علي ابن حرزهم، وعيسى بن يوسف من بيت ابن ملجوم، وابن الرمامة وغيرهم.
ومما يجب التنبيه إليه وجود بعض البحوث والكتابات عن ابن النحوي، وهي في مجملها دراسات وجيزة درست أحد جوانبه العلمية أو الشخصية أو الأدبية أو الفكرية، ولم ينهج أصحابها سبيل الاستقصاء والاستيعاب، فكانت بعيدة كل البعد عن الوفاء بما يستحقه من عناية واهتمام، فكان هذا العمل يجمع ما هو مشتت ويضيف ما غفلت عنه الأعمال السابقة.
وقد اشتمل العمل على خمسة فصول وخاتمة، ثم الفهارس التفصيلية.
في الفصل الأول، درس فيه الكاتب عصر ابن النحوي، وقد قسمه إلى مبحثين أساسيين: درس في الأول منه الأوضاع السياسية والفكرية في الغرب الإسلامي، وبيان الروافد الفكرية التي نهل منها ابن النحوي لتكوين شخصيته العلمية. أما الثاني: فخصصه لحياة ابن النحوي، فتحدث فيه عن ولادته ونشأته، ودراسته وشيوخه، وتدريسه وتلاميذه، ومكانته العلمية، ومؤلفاته وأهميتها، واستفتاء كبار العلماء إياه، وكثرة مترجميه، ومبالغتهم في تحليته.
وبالنسبة للفصل الثاني، فدرس فيه مذهبه الصوفي، باعتباره أحد الصوفية العلماء الذين جمعوا في نوع من الانسجام بين السلوك الصوفي والعلم الشرعي، وهم الذين عرفوا في أوساط الصوفية بالعلماء العاملين على سنن السلف الصالح، كما حلل فيه الباحث بعض كراماته، وهي كرامات تركز على المظاهر الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية للشخصية، ويغيب عنها خوارق العادات من طي للأرض أو المشي على الماء أو الطيران في الهواء. ومن كراماته الجلية أن دعوته كانت مستجابة وكان يقال” نعوذ بالله من دعوة ابن النحوي” ورويت عدة أحداث في ذلك.
ودرس في الفصل الثالث، تجليات الفكر الصوفي لابن النحوي من خلال قصيدة المنفرجة، باعتباره متن صوفي يقوم موضوعه على اختزال قواعد التصوف، وتحصيل شروط التربية وطريقتها عند المريد السالك. وقد قسمه إلى خمسة مباحث، خصص المبحث الأول لتعريف قصيدة المنفرجة ومميزاتها الجمالية والأدبية، وتطرق في المبحث الثاني لدراسة وسائل التزكية عند ابن النحوي. أما المبحث الثالث فتناول فيه منازل السائرين، ومقامات السالكين عند ابن النحوي، كمقام الرجاء، ومقام المحبة، ومقام الشكر. وتحدث في: المبحث الرابع عن ثمرات المجاهدة. وأبرز في المبحث الخامس تجليات الأبعاد الصوفية للمنفرجة في الفكر الشعبي وكيف تحولت قصيدة المنفرجة من نص شعري ذي مسحة دينية إلى نص ذي قوة غيبية، وتأثير روحي قوي، فأضحت تبعا لذلك مصدر التماس البركة والفرج، ومطمح حصول النفع والخير.
أما الفصل الرابع فقد خصصه الكاتب لدراسة شعر ابن النحوي وخصوصا قصيدته المنفرجة، وقد قسم هذا الفصل إلى مباحث ثلاثة، تناولت من خلالها الجوانب الفنية في شعر ابن النحوي، ابتداء بأغراض الشعر ومعانيه، فوجد أنه تطرق في أشعاره لأغراض تقليدية تؤكد تشبته بالخصائص الفنية للقصيدة العربية التقليدية. ومرورا إلى الخصائص الإيقاعية للقصيدة المنفرجة وزنا وقافية ورويا، مع تحليل مميزات الإيقاع الداخلي القائم أساسا على التكرار والتوازي، وانتهاء بالصورة الفنية التي هي أساس العمل الشعري، وجوهره الثابت وحقيقته الخالدة.
أما الفصل الخامس: فهو خاص بالمنفرجة في مجال الإبداع فتتبع فيه أثر القصيدة في الشعر، فدرست معارضات المنفرجة في إطار ملاحظة أوجه التشابه والاختلاف بينها لبيان خصائصها الشكلية والموضوعية. كما تناولت بالدراسة جملة من قصائد المعارضات لبيان ما تتميز به من خصائص في الموضوع والأسلوب. أما النشاط الشعري المتصل التخميسات فقد جعل له مكانا من هذا العمل يتناسب مع ما له من أهمية.
وفي الخاتمة لخصت ما أمكن الوصول إليه من نتائج خلال هذا العمل، مع بيان ما قد يمكن أن يكون أضافه من جديد في موضوعه، مذيلا ذلك ببعض الاقتراحات.
وخلص المؤلف إلى أن شخصية ابن النحوي هي شخصية علمية متميزة أثرت بثقافتها وعلمها الغرب الإسلامي في القرن الخامس الهجري، واستطاع بموسوعيته أن ينشئ على امتداد البلاد التي درس فيها جيلا من التلاميذ الموهوبين كان لهم إشعاع علمي كبير، ودور بارز في الحركة العلمية بأوطانهم. فقد كانت حياته رحلة متواصلة في طلب العلم دارسا مدرسا وباحثا، وعاش بالعلم وللعلم ولم تشغله محنه التي تعرض لها في حياته عن التعليم والتصنيف. لقد عاش ابن النحوي طيلة حياته قوالا للحق، آمرا بالمعروف، نهاء عن المنكر، تباعا للسنن، وأقوال الصحابة، مستغنيا عن الناس، راضيا من دنياه بالكفاف، يأكل من عمل يده على الدوام، لم تنكسر قناته في الحق، متحليا بالصبر والاحتساب عند الابتلاء، وبذلك نال حسن الثناء في حياته وبعد مماته من خصومه قبل أصدقائه.
إن شخصية ابن النحوي جديرة بالبحث والدراسة من نواحي شتى: اجتماعية وفكرية ونفسية، ومن حقه علينا أن نهتم به في صورة العناية بتراثه المفقود بالبحث عنه، والمتفرق بجمعه ودراسته ونشره. فقصيدته المنفرجة حظيت بعناية فائقة واهتمام كبيرين من لدن كثير من العلماء والأدباء والصوفية فوقع الإقبال عليها رواية وحفظا، وتلقينا وتدريسا، ومعارضة وتخميسا، ومحاكاة وإنشادا. ولقيت من العامة إعجابا وقبولا واستحسانا، وذلك لما تضمنته من الإيمان بالقدر والطلب للمقام الأعلى والطمع في نيل الخير وتذوق حلاوة الإيمان، ولذة الهيمان في حب الله تعالى، ولما تطالعنا من نفحات صوفية نابعة من محبة متفانية لله عز وجل، ومن عاطفة صادقة، طافحة بالمشاعر الدينية الفياضة وحافلة بالأحاسيس الروحية والإلهامات الجياشة.
[1] -صدر الكتاب في 220 صفحة من الحجم المتوسط عن منشورات سليكي أخوين بطنجة-2023
