للعطلة الصيفية أهمية كبيرة، لا ينتبه معظمنا إليها، هذه الأهمية تكمن في تعزيز العلاقات الأسرية، لاسيما وأن الأطفال خرجوا من مدارسهم لمدة شهرين أو أكثر، ويمكن النظر إليها فرصة للعمل مع الأبناء، وتوطيد العلاقة معهم…
“بداية يجب أن ننبه الأهل لأهمية العطلة الصيفية، فبعضنا يعتبرها عدّ لأيام العطلة، حتى تنتهي ويعود الأبناء إلى مدارسهم، بينما الأصل أن ينظر الأهل للعطلة على أنها نوع آخر من التعليم والتربية، وفرصة للعمل مع الأبناء في أمور لم يقوموا بها من قبل! أو يتم استكشاف بعض الأمور أمام الأبناء مثل: السير في الطبيعة، ضمّ الأطفال لدورات في العلوم، أو الرياضة أو السباحة، وقضاء وقت ممتع مع الأهل والأولاد، ويجب أن نعمل على تعريف عطلة الصيف ونظرتنا تجاهها، واعتبارها أمرا إيجابيا وفرصة لوضع أطفالنا في تجارب لم ينكشفوا عليها في السابق، ويمكن للأهل تجميع الأولاد، وإخبارهم أن لديهم اقتراحات معيّنة وسماع آراء الأبناء في كيفية قضاء العطلة الصيفية، ومن ثم بناء برنامج مشترك، يشمل الأهل والأطفال”.
ولإشغال وقت فراغ الأبناء يجب تجميع الأطفال ودمجهم في المخططات، صحيح أننا غير معتادين على هذا النهج، ويعتقد الأهل أن هناك حاجة لأشخاص مهنيين وموجهين، لكن في الحقيقة لا حاجة لذلك، يكفي أن نحضر ورقة وقلما ونضع مقترحاتنا، ونقسمها على مدار الأيام، مثلاً: “سيكون لنا زيارة إلى دار الأجداد”، وفي هذا اليوم سنقوم بصنع كعكة، أو الخروج في مسار مشي، أو نُشرك أطفالنا في روح التطوع، ومثير جدا سماع اقتراحات الأطفال ليشعروا بالحماس والانضمام لمسار المشي”.
دور الأب في مشاركة الأبناء وتوجيههم؟
نرى جميعا أن الأب يمثِل شخصية مع صلاحيات عالية جدا، ومعروف في مسارات وأبحاث التربية، عندما يكون الأب والأم متفقين فيما بينهما على توجيه الأولاد، في ظل النظرة المشتركة، فتكون الفعالية والجودة أعلى بكثير من حيث التربية، بدلا من أخذ أحد الوالدين المسؤولية على نفسه، والآخر أقل، وأيضا الحياة الزوجية تكون أفضل، بفضل المشاركة والتعاون، في الصعوبات والتحديات بما يتعلق بالتربية، وأحيانا تكفي كلمة من الوالد وتغطية للأم والدعم في موقف معيّن، الأمر الذي يزيد العلاقة تماسكا، والمقصد كما جاء في العلوم النفسية، وأفضل صلاحية يستعملها الأهل هي “الصلاحية الإيجابية”، مع إعطاء حرية التعبير عن آراء الأبناء، وأيضا مشاركتهم وسماع وجهات نظرهم، لنصل إلى معادلة وسطيّة، وهكذا نعطي للأولاد منبرا ونشعرهم أنهم قائمين وفعالين ولهم كيان”.
هل يُفضل قيام الأهل باختيار القصص أم يجب إشراك الأطفال؟
فيما يتعلق بالقصص، فهي جزء من الوسائل العظيمة جدا، كأم وكمعالجة أسريّة نعتبرها وسيلة رائعة لإيصال القيمة للأطفال، وأيضا لتصحيح مفاهيم معيّنة، ومن الناحية المهنية والشخصية، فإن قراءة القصص تعزز المعرفة والإدراك والوعي، فمثلا، إذا قام طفلك باستعمال العنف كأسلوب، فهذه فرصة للذهاب إلى المكتبة وقراءة القصة التي تتطرق إلى الضرب أو العنف والتعاون والتسامح، وهناك ما يسمى “جوجل”، وهذا ما نحاول إيصاله للأهالي، حتى نربي ونوصل بأولادنا لأماكن أفضل، صحيح أن الماديات تلعب دورا مؤثرا، لكن هذا لا يعني أن من ليس لديه قدرات مادية أن يخسر عالم القصص والثقافة، وإذا لم يكن لدي قدرات لدمج أطفالي في دورة سباحة أو ركوب الخيل، فإن هناك بدائل، مثل: أخذهم لمسار مشي على الجبل، أو إلى الوادي، وهناك مسارات يمكن تنفيذها والاستمتاع بها في الطبيعة، وهناك دخوليات للبرك دون تكلفة، فالسعادة غير مكلفة، لكن إذا حصرنا أنفسنا وتذرعنا بعدم توفر الماديات فستكون هذه مشكلة.
كيف يمكن إشغال الأطفال في البيت دون الشعور بالملل؟
نواجه هذا السؤال في الحياة اليومية وهو سؤال صعب، في ظل الواقع الموجود، خاصة مع وجود الهواتف، والتابليت، والحواسيب والتلفزيون، وهكذا تتحول حياة الأطفال إلى عالم من الالكترونيات، ولا بد من إشراك الأطفال مع جماعة، مثلا، نحن نعرف أن زملاء أبنائنا أخلاقهم جيدة، فندعوهم للمشاركة في البرك الصغيرة المتواجدة في المنزل، ونطلب من أبنائنا إحضار زملائهم للعب، هكذا يقضي الأولاد وقتًا ممتعا، وقد نجد لدى أطفالنا ميولاً للإلكترونيات، وعالم الكرتون، وهذا الأمر فيه الكثير من الضرر، وقد تمرر هذا البرامج الكرتونية رسائل غير مهنية وأخلاقية، وهنا يأتي دور الأهل، من خلال إشراك أبنائنا. ويمكننا ضم الأبناء لنادي معين، ولأطر مجتمعية، مثلا هناك طلاب لديهم نادي قراءة، ويمكننا من خلال القراءة أن ننمي أبنائنا ونوجههم، دون انتظار أصحاب السلطة والقوة، ويمكن العمل على مستوى صغير: مثلاً يمكن الاتفاق على قراءة كتب معينة ومن يُنهيها يحصل على جائزة، ونكتب للفائز تهنئة أو نأخذه لمشوار.
مشاركة الأهل للأطفال البرامج التوعوية والعمل المنزلي؟
هناك أمور مهمّة متعلة بالعمل المنزلي وعلى الطفل أن يعرفهما مسبقا، مثلا إذا قام بالتقاط كتاب من المكتبة، أو أخرج الألعاب، فعليه في النهاية إعادة الأشياء إلى أماكنها، ونتحدث عن جيل سنتين ونصف (مع التشديد على رشاده)، وعندما يبلغ الطفل جيل ثلاث سنوات، عليه تحمل المسؤولية، فإذا قام بتنظيف أسنانه عليه أن يُعيد الفرشاة إلى مكانها، وهذا لا يحتاج لوساطات كي يقوم بها الطفل بنفسه. مثال آخر: أكل الطفل طعامه، فمن سيقوم بالتنظيف؟ هنا يأتي دور الأم ونظرتها لنفسها، فهل ستأخذ مسؤولية العمل عليها، وإذا أخذت هي المسؤولية، فعليها التوقف عن الندب وإطلاق عبارات “أنا الخدامة”، والأفضل تحوُل الأمر إلى تعاون ومشاركة وإنماء، بهذه الطريقة نزيد من شعور المسؤولية على الأبناء، ويمكن ممارسة التعاون منذ ساعات الصباح بترتيب الأسِرّة، كما يتم الاتفاق مع الأبناء على تنظيف البيت، والأهم أنّنا نقوم بتنمية الشعور بالمسؤولية لدى الأطفال في البيت.
وبخصوص البرامج التوعوية، فيجب إشراكهم وتوجيههم، وعرض مقترحات، في المقابل نريد الاستماع إلى مقترحاتهم واختيار المسار الأفضل، دون ممارسة الديكتاتورية، مع التشديد على المشاركة والتعاون، فنحنُ معتادون كمجتمع على فرض الأمور، ما يجعل الأطفال يشعرون بالكبت والدونية وكأن لا أحد يراهم، لذا نشعر أن أطفالنا ليس لديهم الثقة بالنفس، والأمر نابع من أمور صغيرة كان يجب خلالها سؤال أطفالنا عن مقترحاتهم ورغباتهم، هكذا نُطلق عنان إبداعهم والمساحة الشخصية بدلا من كبتها.
تأثير التعاون العائلي على نفسية الأطفال إيجابًا أو سلبًا؟
على العائلة أن تكون متعاونة، وهذا لا يعني تخطي الهرمية التي تتجلى بالرجل والمرأة ومن ثم الأبناء، إذ تشير الأبحاث على أهميّة الهرمية في العائلة، وهذا لا يمنع الزوج من التعامل مع زوجته في حال وجود خلافات معيّنة، وهذا لا يعني إقامة ائتلاف ضد الطفل أو الأب أو الابن، وعندما يكون أحد الآباء داعمًا لأحد الأبناء، فهنا تكون المصيبة، إذ من المفترض أن نحافظ على علاقتنا أمام الأطفال، حتى في حالات الطلاق لتخفيف أضرار الأمر، والأصل أن يتم الحفاظ على صورة الوالدين واحترامهما لبعضهما البعض والمشاركة في اتخاذ القرارات.
وفي الأخير نتمنى لأطفالنا عطلة سعيدة ….
بعد موسم دراسي طويل وحافل، يستفيد الأطفال بمختلف مستوياتهم الدراسية من العطلة الصيفية التي تمتد عدة أسابيع، وهي مناسبة للتخلص من الضغوط وعناء الدراسة والجهد والتحصيل، والخلود للراحة والاستجمام واكتساب تعلمات وسلوكات جديدة.
وفي ظل الحيز الزمني الكبير للعطلة، يصبح الآباء والأمهات ملزمين بتنظيم واستثمار وقت الأبناء والحرص قدر الإمكان على استفادة فلذات أكبادهم من العطلة في الترويح عن النفس من جهة، وتعلم مهارات حياتية جديدة تساهم في تنمية مداركهم وصقل مواهبهم.
والأكيد أن التوازن ضروري ومطلوب بين إشباع حاجات الأطفال النفسية والاجتماعية والجسدية، إذ بقدر احتياجهم إلى الراحة والاستجمام والترويح عن النفس، من خلال ارتياد المسابح وفضاءات الألعاب والمنتزهات والشواطئ للسباحة والاستجمام، فهم بحاجة في الآن ذاته إلى صقل شخصياتهم وبناء منظومة متكاملة من المهارات الحياتية والقيم الأخلاقية والاجتماعية من خلال الانخراط في أنشطة ثقافية واجتماعية ورياضية متنوعة.
ويحرص بعض الآباء خلال العطلة الصيفية على أن ينال أبناؤهم قسطا من الراحة والاستجمام سواء بالذهاب إلى المسابح أو الفضاءات والمنتزهات، أو بالسفر إلى إحدى الوجهات الشاطئية لقضاء جزء من العطلة الصيفية والاستمتاع بزرقة البحر ورماله، لاسيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة، أو زيارة الفضاءات والمناطق الجبلية للاستمتاع بسحر الطبيعة والمناظر الخلابة.
بينما ترى عدد من الأسر في العطلة الصيفية مناسبة لتطوير قدرات ومعارف الأبناء وإكسابهم مهارات حياتية جديدة، وذلك بتسجيلهم في الجمعيات والنوادي الثقافية والرياضية، للاستفادة من الخدمات والبرامج التي تقترحها والأنشطة التي تنظمها، مما يساهم في تنمية قدراتهم الذاتية والنهوض بحسهم التواصلي.
ودأبت العديد من الأسر بمدينة فاس على تسجيل أبنائها بالمخيمات الصيفية الخاصة بالأطفال، التي تشكل فرصة للتحفيز على البحث والمبادرة، وتحسين سلوك الأطفال وتنمية مهاراتهم الفكرية، وتعزيز الثقة بالنفس والاستقلالية، وإبراز مواهبهم وملكاتهم الفكرية من خلال المشاركة في الأنشطة الفنية والألعاب والرسم.
وأفاد المفتش التربوي والباحث في التربية، محمد فارس، بأن العطلة الصيفية يجب ألا تتحول إلى “عطالة تامة” يتوقف فيها الطفل عن التعلم والتحصيل، وتتوقف فيها الأسرة عن دورها في التوجيه والتعليم، معتبرا أن الطفل يتوقف في العطلة الصيفية عن الذهاب إلى المدرسة لكنه لا يتوقف عن التعلم والتحصيل، كما أن الأسرة تتخفف من الإيقاع المدرسي لكنها لا تتخفف من التربية والتوجيه