جديد الإصدارات
كتاب:
من تطوان الى القاهرة
رحلة امحمد بن عبدالسلام بن عبود الى القاهرة
ما بين سنتي 1945-1946
صدر أخيرا عن دار الإحياء للنشر والتوزيع بطنجة كتاب جديد بتحقيق ودراسة الباحثين: الدكتور مصطفى الغاشي والدكتور مصطفى العيدي، موسوم: “من تطوان إلى القاهرة”، وهو عبارة عن تحقيق لرحلة قام بها أحد أعضاء البعثة المغربية التي أرسلها الخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي إلى القاهرة للمشاركة في تأسيس اللجنة الثقافية للجامعة العربية سنة 1946م.
ويقع هذا الكتاب في 177 صفحة، من الحجم المتوسط، ويتكون من دراسة وتحقيق.
لقد أفصح المحققان مند البداية عن الهدف من دراسة وتحقيق هذا النص الرحلي، وهو “تعزيز خزانة الرحلة المغربية بنص جديد، وإضافات جديدة، ذات قيمة تاريخية كبرى تملأ الكثير من الفراغات، ونسأل الله أن نكون قد وفقنا في تقديمه وإخراجه للمهتمين بدراسات نصوص الرحلة”.
ويضيف الباحثان “لقد كشفت كل هذه المجهودات، أن رصيدا مهما من هذه النصوص، لا زال بحاجة للدراسة والبحث وفتح آفاق جديدة للتنقيب في مضامينها. وهذا ما دفعنا لإيلاء هذا الموضوع عناية خاصة، فكانت النتيجة أن تصادف بحثنا مع نص لرحلة فريدة من نوعها، لها أهمية تاريخية ومعرفية كبرى، لارتباطها بتاريخ المغرب المعاصر، والتاريخ العربي الممثل في تاريخ الجامعة العربية، وهي رحلة: “من تطوان إلى القاهرة…” لمؤلفها الأستاذ امحمد بن عبدالسلام بن عبود، قام بها الوفد الخليفي الذي أرسله الخليفة السلطاني، بشمال المغرب والصحراء المغربية مولاي الحسن بن المهدي إلى القاهرة للمشاركة في أشغال اللجنة الثقافية للجامعة العربية سنة 1946م، عقب الاتصالات التي تمت بينه وبين عبدالرحمن عزام الأمين العام للجامعة من جهة، وبين هذا الأخير والوزير الإسباني المفوض بالقاهرة من جهة أخرى، قصد تمثيل المغرب في أعمال هذه اللجنة المنبثقة عن الجامعة العربية. وقد تكون هذا الوفد الخليفي من امحمد بن أحمد بن عبود رئيسا، وعضوية كل من الأستاذ امحمد بن عبدالسلام بن عبود، والأستاذ محمد الفاسي الحلفاوي”.
ويعد مؤلف “من تطوان إلى القاهرة” للأستاذ امحمد بن عبدالسلام بن عبود (ت. 1392 هـ/ 1972م)، أحد أهم كتب الرحلات التي ألفت في أربعينيات القرن العشرين الميلادي، وتبرز أهميته في كون معلوماته شملت عالمين مختلفين من الفضاء المتوسطي، وهما أوربا ممثلا في إسبانيا وإيطاليا، وشمال إفريقيا والمشرق العربي. مما رشحه لأن يكون أهم كتاب غني بوصف عوالم مختلفة، متجاوزا معاصريه الذي ركز أغلبهم على العالم الأوربي، كما كان شاهدا على تأسيس منظمة تعد من أهم المنظمات الإقليمية على المستوى العالمي والدولي وأقدمها، وهي منظمة جامعة الدول العربية، وفاعلا ومساهما في أحداثها زمن الرحلة، خاصة ما تعلق باللجنة الثقافية المنبثقة عن الجامعة العربية.
كما يتيح كتاب “من تطوان إلى القاهرة…”، الوقوف على معطيات تاريخية مهمة حول الفترة، وما يتعلق بالرحلة إلى القاهرة، قد لا نجدها في المصادر التاريخية، فهي تتميز بوصفها الدقيق لمسار الطريق الذي سلكه الوفد المغربي المتجه إلى القاهرة انطلاقا من مدينة تطوان ثم سبتة ثم مدريد فبرشلونة، ثم عبر الباخرة إلى نابولي فالقاهرة، كما حرص على تدوين كل التفاصيل المرتبطة بأعضاء الوفد المغربي وأنشطته خلال السفر وفي اجتماعات اللجنة الثقافية التابعة للجامعة العربية.
وتعد هده الرحلة بحق صورة توثيقية مفيدة لمرحلة مهمة من تاريخ شمال المغرب المعاصر، كما أن لها قيمة تاريخية وثقافية كبيرة، إذ كتب في لحظة حاسمة من تاريخ المغرب المعاصر هي زمن الحماية الإسبانية / الفرنسية، كما أنها تزامنت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وما خلفته من انعكاسات على العلاقات الدولية المختلفة، وحركات التحرر في العالم.
وقد جرت أطوار رحلة: (من تطوان إلى القاهرة” بين سنتي 1945-1946)، في (سياق دولي وإقليمي ومحلي شديد التعقيد)، و في تلك الفترة (كان العالم مازال يرتب أوراقه ويعدّد خسائره في حرب طاحنة دامت ست سنوات ما بين دول المحور والحلفاء، وأفرزت بروز قوتين عظميين تهيمنان على العالم وتختلفان إيديولوجيا : الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، وفي الوقت نفسه بدأت القوى التقليدية في التراجع وأفول نجمها :فرنسا، إنجلترا.)
وأما على الصعيد الإقليمي فقد (بدأت عدد من الدول العربية تحصل على استقلالها وتريد بناء دولها الوطنية، وكذا البحث عن مكانة وريادة إقليمية. في هذه الظرفية تم الإعلان عن تأسيس منظمة الجامعة العربية في مارس 1945، التي شرعت في بناء مؤسساتها وأجهزتها، ومن بينها اللجنة الثقافية التي شارك المؤلف في أشغالها الأولى).
وأما على الصعيد المحلي فقد واكبت الرحلة (فترة حرجة من تاريخ المغرب المعاصر، هي فترة الحماية وخضوعه للهيمنة الأجنبية، وتقسيمه إلى عدة مناطق نفوذ؛ خضع فيها القسم الشمالي والصحراء المغربية لإسبانيا، التي عانت من عزلة دولية مرتبطة بموقفها من الحرب العالمية ونظامها السياسي؛ ولأجل ذلك عملت على محاولة فك هذه العزلة بربط علاقات مع الدول العربية من بوابة المغرب، وهو أمر وجدته الحركة الوطنية المغربية فرصة مواتية للانفتاح على الخارج والتعريف بالقضية المغربية).
ومن مميزات هذه الرحلة انها استوعبت مشاهد من عالم الغرب والشرق، واندرج فيها (تعدد مشاهدات كاتبه امحمد بن عبود بإسبانيا وإيطاليا ومصر)، وعرص المؤلف في رحلته (صورة تتميز بالإعجاب بإسبانيا الدولة الحامية لشمال المغرب، ومصر الدولة العربية المحتضنة لأنشطة الحركات الوطنية، وصورة التأسف والحسرة لوضعية إيطاليا بعد الحرب)، وصاغ المؤلف رحلته بلغة (بعيدة عن القدح والتهجم تجاه الآخر؛ فهو يبدو منفتحاً في موقفه من الآخر، سواء كان مسلما أو نصرانيا أو يهوديا، ومحتاطاً من سوء التصرف والإذاية تجاهه، ومتسامحاً ومؤمنا بالحوار معه)
وخلاصة القول إن هذه الرحلة نص فريد في بابه تزخر بمعلومات غزيرة ومتنوعة عن أروبا ومصر، وهو شهادة حية لشخص فاعل ومشارك في الحدث. وهو ما يجعل منه، صورة توثيقية مفيدة لمرحلة مهمة من تاريخ شمال المغرب المعاصر.