ظاهرة السحر والشعوذة وخصوصا في المجتمعات العربية، تعد مشكلة من المشكلات القديمة المتجددة عبر الزمن، وذلك نتيجة انتشار وسائل الاتصال التي تسهل هذا العمل الخبيث، حيث يلجأ إلى هذه الأعمال الأشخاص ضعفاء الإيمان بربهم، والذين تمتلئ قلوبهم بالحقد والحسد، ويدفعهم ذلك إلى الإضرار بالناس، فالبعض يتخذ من أوكار السحر والشعوذة ملجأ وحلاً لمشكلاتهم الزوجية أو العائلية أو المهنية وما شابه ذلك، ويغرقون في مستنقع الجهل رغم أن أغلب مرتادي أماكن السحر والشعوذة من المثقفات و المثقفين والمتعلمات و المتعلمين الذين يشغلوا مناصب مرموقة ومعروفة.
ويعتبر السحر من أخطر الأمراض الروحانية، التي تسلط على شخص أو عدة أشخاص، وهو من فعل الإنسان ويختلف عن باقي الأمراض الروحانية، لأنه لا يفرق بين إنسان تقي وآخر غير تقي أو إنسان مؤمن أو كافر فالكل معرض لأذاه، ولكن ينعم الله عز وجل ويحمي من يشاء من خلقه..
من خلال هذا التحقيق البسيط نسلط الضوء على موضوع السحر والشعوذة من عدة جوانب: ما معنى السحر وما جزاء السحرة؟ وما حكم الذهاب للسحرة والعرافين؟ وما هي عوامل الوقاية وطرق الخلاص من السحرة والمشعوذين؟
توعية فئات المجتمع
وبهذا الصدد يؤكد رجال القانون على أهمية وضرورة تجريم القانون لهذه الممارسات وذلك لما له من أثر على المتضررين ولحماية الناس، حيث إن موضوع السحر والشعوذة أخذ بعدًا عميقًا في مجتمعنا بحكم أن الظاهرة زادت بين الناس، وأصبح البعض يستغل أمور الشعوذة في عملية الاحتيال والنصب على مرتاديها من يلجأون للسحرة والمشعوذين بحجة حل قضاياهم ومشاكلهم الاجتماعية والعملية، وأن هذه الأعمال كانت سببًا في حدوث تفكك بين الأسر والعوائل بحيث أصبح معالجتها أمر لازم وواجب، قام المشرعون بالتعاطي كجزء مكمل لقانون العقوبات وبإمكان المتضررين اللجوء للقضاء والإبلاغ عن أي شخص محتال ومشعوذ.
و يشير المختصون إلى أهمية توعية كافة فئات المجتمع حول ضرر السحر والشعوذة وعقوبته وحكمه في الإسلام، والسعي إلى مكافحة هذه الظاهرة والقضاء عليها من جذورها وذلك من خلال وسائل الإعلام ووزارة التربية والتعليم..
محرم شرعًا
رجال الدين بأن السحر في اللغة هو ما لطف وخف، أما في الشرع فهو تمائم وعزائم منها ما يفرق ومنها ما يمرض، وللسحر أنواع منها: سحر تفريق لقوله تعالى «فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه»، والنوع الثاني سحر تخيل ولقوله تعالى«يخيل إليهم من سحرهم إنها تسعى».
وتطرق إلى أن هناك أعراضًا للسحر تظهر على المسحور في اليقظة حيث يشعر بضيقة في الصدر وصداع في الرأس وكراهية للعبادة إلى جانب التغير المفاجئ لأهله في تصرفاته وكلامه وأسلوبه، أما في المنام فأنه يرى أحلامًا مزعجة كالقطط والكلاب السوداء والعقارب والثعابين.
وأضافوا بأن ديننا الحنيف حرم السحر بكافة أنواعه وأنه كفر ولا يجوز في قوله تعالى «واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولاً إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون» سورة البقرة الآية .102
وفي السنة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم «من سحر فقد كفر»، مشيرًا إلى أنه لا يجوز أيضا الذهاب إلى السحرة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من ذهب إلى عراف أو كاهن فصدقه كفر بما أنزل على محمد»، أما بخصوص حكم الذي يتعمد بالضرر بالآخرين بالسحر فهو مفسد لقوله تعالى«ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين».
كما أشار إلى بعض الإرشادات والعوامل والطرق للتخلص من السحر والوقاية منه مثل: قراءة أذكار الصباح والنوم والمساء يوميا، قراءة سورة البقرة كل ثلاثة أيام مرة لقوله صلى الله عليه وسلم «اقرؤا البقرة فإن أخذها بركة ولا تستطيعها البطله»، وقراءة آية الكرسي، والاصطباح بسبع تمرات من العجوة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من أصطبح بسبع تمرات فلا يضره سحر».
قصة مؤثرة
هي قصة فتاة تعرضت للسحر يوم خطبتها، تحكي هذه القصة أخت الفتاة فتقول: يوم خطبة أختي على أحد الشباب وقعت أختي مغشيًّا عليها، ولم نعرف لهذا الأمر أي سبب، غير أنها حين فاقت صارت شخصا آخر، لا تتحدث مع أحد، وصارت كأنها تحولت إلى فتاة أخرى لا أعرفها، فكانت تصرفاتها جنونية إلى درجة بعيدة، لا تنام أبدًا لا بالليل ولا بالنهار، وكانت تتعصب دائما وبدرجة كبيرة، وفي أكثر الأحيان نجد أختي تبكي من نفسها دون أن نعلم لذلك سببا، وحين نسألها ترد أنها أيضا لا تعلم، غير أنها تشعر بالضيق الشديد والإرهاق والتعب الكبيرين، كأن في جسمها شيئا لا يغادرها ويُثقل حركتها ولا يجعلها تتنفس ولا تتكلم كلاما طبيعيا، هناك يسكن بداخلها شيء لا تعرف مصدره ولا كيف دخل إليها.
وحاولت الفتاة الهرب من بيتها كثيرا غير أنهم يلحقونها حتى لا تفعل شيئا في نفسها، بل إنها في إحدى المرات حاولت أن تقتل نفسها وتموت منتحرة، وبعد أن ذهبت حيرتنا المذاهب في هذا الأمر وكيف حصل لأختي ما حصل لها ومن جنى عليها بهذه الجناية، إذا بخطيب أختي يعترف لنا أنه ربما يشك في خطيبته التي تركها أنها قد عملت للفتاة شيئا، وقد تكون سحرتها؛ لأنها تعرف عالم الدجل ودخلت فيه وهو يعرف عنها هذه الأمور، وكان ذلك من أسباب فسخه خطوبته منها، وهو أنه عثر في حقيبة يدها على بعض التعويذات السحرية والتمائم، فلما واجهها بهذه الأمور أنكرت في أول الأمر غير أنه بعد أن هددها بأنه سيفسخ خطوبته منها ويتركها اعترفت له بأنها تذهب إلى أحد الدجالين ويصنع لها ما تشاء من تعويذات وتمائم، واقترحت على الشاب أن يذهب معها حيث هذا الدجال ويطلب منه ما يريد، ومن ساعتها تركها الشاب على الفور، و كانت خطيبته الجديدة ضحيتها..
إنزال أقصى العقوبة عليهم
وفي سياق متصل ننقل لكم قصة (م.ع) الذي أثنى على تجريم السحر والشعوذة لأن ذلك سيساعد المتضررين وسيحميهم من أعمال السحرة والمشعوذين، وسرد تجربته الشخصية بأنه تضرر من السحر، وأشار إلى أنه وجد أكثر من مرة سحرا عند منزله مما أثر على والده حيث تحول من رجل دين ملتزم بالأمور الدينية إلى رجل مريض لا يستطيع أداء أموره الدينية ولا يحب النظافة الجسدية، وتم الاتصال بشيوخ دين من أجل الرقية والقراءة دون جدوى وذلك بأنه تم إخبارهم بأنه يعاني من سحر اسود صعب التخلص منه، واستمر حال والده على هذا الحال إلى أن توفى، وعليه نتمنى ونرجو من الجهات الأمنية والمختصة القبض على هؤلاء السحرة وعلى من يستعين بهم وإنزال أقصى العقوبة عليهم لأنها تعتبر جريمة قتل نفس عمدًا.
و ننهي حديثنا بأن الحمد الله رب العالمين و نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، و أن يحفظنا الله بكلماته التامة من شر ما خلق.