هناك عدة أمكنة في طنجة يفترض أن تزار. ظني أن”طنجة الدولية “عادت متدثرة تحت مظلة السياحة. جميع الأمكنة لها تاريخ يكتب، أكثر من ذلك هنا ينسكب تاريخ بلا انقطاع.إذا وضعت برنامجاً للتجول في المدينة وزيارة أمكنتها ربما يتطلب الأمر عطلة صيفية بأكملها.
مهلاً سأشرح.
هناك فنادق مصنفة أو غير مصنفة تجر وراءها تاريخاً وبالتالي تستحق الزيارة، في هذا السياق وجدت فندقاً في وسط المدينة علق لافتة نحاسية كتب عليها “هنا أقام الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة”.
ثمة مقاه ومطاعم وحانات تزار، لأن أسماء وازنة مروا من هناك. في هذا السياق زرت حانة اختارت اسم”الخبز الحافي” وهي واحدة من حانات دأب محمد شكري كان يتنقل بينها في النهارات والليالي عندما يكون مزاجه رائقاً. زينت جدران الحانة بصور وبورتريهات بعضها لوحات مرسومة للكاتب الاستثنائي. هناك أيضاً عبارة شكري الشهير التي استهل به كتاب الخبز الحافي”صباح الخير أيها الليليون. صباح الخير أيها النهاريون. صباح الخير يا طنجة المنغرسة في زمن زئبقي”.
في المقاهي هناك “مقهى الحافة “يقول الثقات إنه أشهر مقهى في طنجة، وظني أنه أشهرا مقهى في المغرب، ربما يتفوق حتى على مقهى”باليما” في الرباط الذي أندثر.
هذا المقهى الذي يطل على مضيق جبل طارق، يعد قبلة المبدعين من جميع أنحاء العالم. اعتاد محمد شكري أن يجلس فيه لوحده، بعيداً عن” الزعانف البشرية ” أي أولئك الذين يفسدون وحدته. كما كان يرتاده الطاهر بن جلون الذي يعود إليه الفضل في انتشار” الخبز الحافي” بعد أن ترجمها إلى الفرنسية، وكان من رواد المقهى كذلك بول بوولز الكاتب الأميركي الذي ترجم الكتاب إلى الإنجليزية بعنوان”من أجل الخبز وحده”، وكذلك الأميريكي “تينسي ويليامز” والكاتب الإسباني “لويس إدواردو”، ثم فرقة “البيلتر” البريطانية، والأسطورة ومغني الروك الأميريكي “جيمي هاندريكس”، والمخرج المسرحي “صامويل بكيت” .
هناك أيضاً ظاهرة جاءت من خلفية “طنجة الدولية” تتجسد في الأندية التي تقتصر على الأعضاء. في هذا السياق تناول المدعوين لندوات “مهرجان التويزة” العشاء في”النادي الإيطالي” بدعوة من عمدة المدينة، وهو مكان فسيح وأنيق، وكانت أطباق العشاء دسمة وفاخرة، ثم كانت هناك فتنة السهر وجميل اللغو.
تناولنا كذلك وجبة غداء في”اوبيرج “(دار ضيافة) في منطقة “مديونة “، تقع الدار فوق أكمة مشرفة على البحر، وتطل على منظر يخلب الألباب، بحيث تتداخل زرقة البحر مع خضرة الروابي.
طنجة جميلة بكل معاني الكلمة..أمكنتها تجسد كل الجمال.
بقلم طلحة جبريل