موسم الصيف و إشكالية الولوج إلى البحر و السباحة بالملابس..
البحر له لباس، الشارع له لباس و البيت له لباس… ليتنا لا نخلط بينهم كي لا نزيد من سكيزوفرانية مجتمعنا.
مع حلول موسم الصيف، بدأت شواطئ المغرب المترامية الأطراف تتحجب من خلال إقدام النساء على السباحة بملابسهن العادية بدلا من ارتداء ملابس البحر، التقرير التالي يرصد هذه الظاهرة الآخذة في التوسع خلال مواسم الاصطياف.
اعتادت ليلى، ابنة التاسعة عشرة، على الانتقال من حيها، أحد أفقر أحياء مدينة طنجة إلى الشاطئ البلدي* بلايا*، ارتفاع درجة الحرارة جعل هذه العادة تتكرر يوميا. الشابة لا تأتي إلى الشاطئ وحيدة. تبحث دائما عن رفقة من بنات عائلتها أو حيها.
ما أن لامست رجليها رمال البحر، حتى تركت حقيبتها وجلبابها عند صديقتيها، وانطلقت راكضة كطفلة إلى البحر بملابسها. سروال أبيض يظهر لباسها الداخلي الرمادي وقميص أسود يكشف اللون الأبيض لرافعة نهديها. ليلى واحدة من عشرات الفتيات اللواتي يسبحن بملابسهن. “لا أستطيع أن ألبس مايو أو لباس بحر على هذا الشاطئ” تشرح ليلى إقبالها على السباحة بملابسها، ثم تضيف وهي تجفف شعرها بفوطة بيضاء: “أملك مايو للبحر لكن ارتداءه يعرضني إلى مضايقات كثيرة من مصطافين شباب”.
في علم الإجتماع يرتبط هذا السلوك بعلاقة الشخص الآنية مع الجسد، وهي علاقة متوترة تهمشه أو تغطيه.وفي سياق متصل يقول فيصل، معلم سباحة بأن ظاهرة ارتداء النساء لملابسهن أثناء السباحة في تزايد مستمر بحيث أصبح ارتداء المايو استثناء. ويبدو منظر الفتيات اللواتي يسبحن بملابسهن أكثر إثارة عندما تلتصق الأخيرة بالجسد كما تقول صفاء، مسؤولة علاقات عامة بمؤسسة في طنجة، وتعبر هذه الشابة عن خوفها لأن هذه الظاهرة تعكس “تراجعا في المغرب” حسب قولها.
الدين ليس محركا
كل ما يقع في الشارع، حسب المتخصص في الحركات الإسلامية محمد ضريف، ليس سوى امتدادا لما يحدث في المجتمع. “هذه الظاهرة على الشواطئ لا تنفصل عن السلوك داخل المجتمع، هناك سياق عام وتداعياته تظهر على الشاطئ وغيره”. ويرفض الباحث أن يفسرها بالجانب الديني، لأن هناك برأيه تداخل لعوامل كثيرة اجتماعية واقتصادية وثقافية، فليلى ليست ضد السباحة بالمايو لكن ضد ارتدائه على الشاطئ القريب من بيتها.
المغرب لم تكن شواطئه متحجبة أو خالية من المايوهات في السابق، كانت الشواطئ تغص بنساء يرتدين ملابس البحر، حتى الفقيرات من الفتيات كن يجدن دكاكين لاستئجار الملابس يوما واحدا، غير أن تأثير وسائل الإعلام، وخاصة القنوات الدينية الخليجية والمواقع الإلكترونية الأصولية، جعلت المغربيات أكثر إقبالا على الحجاب في الشارع، فنقل ذلك إلى البحر بدرجات مختلفة، وكانت دراسة أشرف عليها ثلاثة من كبار الباحثين المغاربة وهم محمد الطوزي ومحمد العيادي وحسن رشيق حول “التدين” توصلت إلى أن 57.4 من المغاربة ضد اختلاط الجنسين في البحر، في حين أن 77.2 بالمائة منهم يؤيدون الاختلاط في المدرسة، بينما يؤيد نحو 51 بالمائة الاختلاط في المناسبات العائلية كحفلات الزفاف والعقيقة. الدراسة نفسها أكدت أن المغاربة يفضلون النساء المتدينات. هذا ما يفسره محمد ضريف بـ “الضغط النفسي الممارس من قبل المجتمع على المرأة”، وهو ما يضطرها إلى مجاراة المجتمع من خلال سلوك اجتماعي تعتبره مناسبا.
ويرى بعض المراقبين أن موقف الدولة منذ أكثر من عشرين سنة عجلت بانتشار ظاهرة السباحة بملابس عادية، كيف ذلك؟ بدأت جماعة “العدل والإحسان” صيف 1998 تنظيم مخيمات صيفية بالشواطئ راغبة في تقوية نفوذها واستقطاب ناشطين جدد، عممت تجربتها على عدة شواطئ، غير أن الدولة تضايقت من نشاط الجماعة هذا فقررت صيف 2000 منع المخيمات السالفة الذكر. وعلى إثر ذلك قرر القائمون عليها خلال الصيف نفسه النزول إلى الشواطئ لمضايقة المصطافين العاديين. مضايقة لم تستمر طويلا، لكنها دشنت لدخول الملابس النسائية التي نراها في الشارع إلى البحر.
“ما يخيفنا هو أننا نعود إلى الوراء”
ظاهرة استحمام المغربيات بملابسهن ليست جديدة كليا في المغرب، لكنها أخذت اتجاهات أخرى، فقديما كانت النساء، غالبيتهن من القرى القريبة من الشواطئ، يقصدن البحر للاستحمام. كما اعتادت النساء المسنات الاستحمام في الصباح الباكر. لكن هذه الظاهرة عرفت تطورا في السنوات الأخيرة، إذ تحولت الشواطئ في الشمال، مثل واد لاو والجبهة على البحر الأبيض المتوسط، إلى شواطئ لنساء يسبحن بملابسهن الخارجية والداخلية. هذه الموجة توسعت لتشمل شواطئ أخرى على المتوسط والمحيط الأطلسي.
المايوهات بدأت تتقلص حتى داخل المسابح، ففي أحد مسابح بطنجة، كانت بعض الفتيات يسبحن دون مايو السباحة، بلباس طويل في الجزء السفلي، وقميص لاصق بالجزء العلوي. ويبدو هذا الأمر ليس مستغربا بالنسبة للمشرفين على هذا المسبح.
هي إذن دعوة ملحة للمصالحة مع الجسد، “المجتمع في حاجة إلى العلاج. يجب أن يقضي على علاقته المرضية مع المرأة”، وهذا الأمر حسب باحثين يمر عبر “تصالحنا مع أجسادنا”، و هنا لا نشير إلى المتدينات اللائي ليس من حقهن أساسا أن يذهبن إلى الشاطئ و مشاهدة أجساد الرجال شبه عارية، ففي هذا إثم أيضا، يعني من تكون متدينة يمكنها الاستغناء عن الشاطئ و الاكتفاء برؤية البحر من بعيد، أو النزول في أوقات لا يكون هناك أحد، إنما أن تنزل المرأة المحجبة، المنقبة، إلى الشاطئ لتمتع نظرها بصدر و سيقان الرجال فهذا من غير المنطقي، لذلك علينا ترك الشاطئ و السباحة به لغير المحجبات، لأن الأمر هنا يكون طبيعيا و غير صادم.
البحر له لباس، الشارع له لباس و البيت له لباس… ليتنا لا نخلط بينهم كي لا نزيد من سكيزوفرانية مجتمعنا.
و السلام.
لمياء السلاوي