من أعلام طنجة
أضواء على سيرة العلامة الصوفي
العربي بن العربي بوعياد الطنجي
(1292 ـ 1371هـ)
6/8
بقلم: د. بشرى التجكاني
7 ـ رحلاته:
خصص بوعياد الطنجي الباب الرابع من كتابه “النسيم” للحديث عن رحلات شيخه محمد بن الصديق الحجازية، وسياحاته التي قام بها إلى تجڭان وفاس. وفي جميعها كان بوعياد حاضرا يصف ما اعترض طريقهم ومسارهم عند زيارتهم للبلدان والمناطق والشيوخ والعلماء.
وإن أول رحلة قام بها الشيخ العربي بوعياد بوعياد هي رحلته لطلب العلم بمدينة فاس ما بين سنة 1316هـ و1317هـ.
وأما غير هذه الرحلة، فقد كان بوعياد لا يفارق شيخه أينما حل وارتحل. وهذا ما نستشفه عند قوله في “النسيم”:« لما كانت سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة وألف، توجه من طنجة إلى فاس لزيارة شيخه العارف الكبير سيدي محمد بن إبراهيم رضي الله عنه، إذ كان وقتئذ لازال بقيد الحياة. وتوجهت معه وليس معنا أحد من الفقراء»[1].
فانطلقا من العرائش، مرورا بالقصر الكبير، مدينة الولي علي أبي غالب، الذي زاره بوعياد مع شيخه، وصولا إلى مدينة فاس. حيث تم استقبالهما بحفاوة وإكرام عظيم.
ثم خرجا من فاس بعد أن أقاما فيها نحو خمسة عشر يوما وسارا قاصدين وزان. فنزلا بعرصة الولي الصالح سيدي الحاج العربي الوزاني، أحد مشاهير الشرفاء الوزانيين وصلحائهم. وأقاما فيها يومين، زارا فيها أولياء البلد المدفونين بها، بدءا بقطبها عبد الله الشريف الحسني، ثم أولاده وأحفاده: مولاي الطيب، ومولاي التهامي، وسيدي علي بن أحمد.
ومن وزان قصدا القصر الكبير، فدخلاه بعد الغروب. ومنه توجها للعرائش، فأقاما فيها يومين، ثم توجها إلى طنجة على طريق البحر، فركبا في بابور صغير حصل لهما به تعب عظيم، ومشقة كبيرة، لهيجان البحر وتلاطم أمواجه، إلى أن وصلا إلى طنجة سالمين.
أما رحلته الثانية فكانت سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وعشرين، حيث شد الرحلة إلى زيارة ضريح سيدي الحاج أحمد بن عبد المومن، وحضور موسمه مع شيخه وجماعة من الفقراء.
يقول في “النسيم”:« خرجنا من طنجة ورحنا إلى مدشر الزنات، أحد مداشر الفحص، بتنا فيه ليلة، ثم ارتحلنا منه ورحنا إلى مدينة تطوان، بتنا فيها ليلة في زواية الشيخ سيدي محمد الحراق، بتنا فيها مكرمين بالطعام والشراب»[2].
ويقدم لنا بوعياد صورة توضيحية لمدينة تطوان، ووصف تدين أهلها وتمسكهم بالصلاة وقراءة القرآن. ثم أضاف قائلا:« ثم خرجنا منها ورحنا إلى مدشر أمسا من قبيلة بني سعيد، بتنا فيه ليلة عند الفقراء الأحبة، فرحوا بقدومنا وأكرمونا إكراما جليلا، واجتمعوا معنا على ذكر الله ومحبته. ثم خرجنا منه ومررنا على ضريح الولي الصالح سيدي بن اصبيح، وهو مشهور هناك مقصود للزيارة والتبرك. فتلقونا أهله وأحفاده ومنعونا من السفر وطلبوا منا النزول والارتياض عندهم محبة في السيد رضي الله عنه، والفقراء ورغبة في إكرامه. فساعدناهم وأجبنا رغبتهم، فأكرمونا وما قصروا. ثم ارتحلنا منه وكلما مررنا على مدشر يخرج أهله باللبن والطعام يقدمونه للسيد والفقراء فرحا بقدومه حتى وصلنا إلى مدشر امحيحن من القبيلة المذكورة. فأقمنا فيه ما شاء الله من الأيام مكرمين مسرورين معمورة الأوقات بذكر الله ونشد قصائد أولياء الله وأحبائه.
ثم خرجنا من مدشر امحيحين ورحنا إلى مدشر ترغة من القبيلة الغمارية، وهو على شاطئ البحر، وأهله فيهم نوع حضارة لأنه كان مدينة في القديم، ولازال أثر البناء والأطلال والأسوار الدالة على المدينة موجودا، ولكن لم يبق لها حكم لخرابها وإنما حكم أهلها الآن حكم البادية، وعاداتهم جارية عليهم إلا في بعض الأوصاف. وبه ضريحان مبنيان، على كل واحد منهما قبة، مقصودان للزيارة، أحدهما اسمه سيدي أحمد الغزال، والآخر اسمه سيدي عبد الرحمان المغربي، وكل منهما مجهول العين، لا توجد لهما ترجمة تعرف بهما إلا ما كان من شهرتهما وكونهما مقصودين بالزيارة، ولكن لا يخلوان من بركة وخصوصية والله أعلم. وبه حجر كبير يسمى حجر “لا إله إلا الله”، لأن الناس كانوا يصعدون عليه ويذكرون “لا إله إلا الله” جهرا فسمي بذلك.
وبتنا فيه ليلة مصحوبة بالضيافة والإكرام وذكر الله مع فقرائه وأعيانه، ثم انتقلنا منه ضحوة النهار، وركبنا البحر في سفينة صغيرة من سفن أهل القبيلة الغمارية، وصنعتهم من ذوات الشراع يسمونها غَرَّبُو. وكان البحر في غاية ما يكون من السكينة والهواء الطيب، ولازال كذلك إلى أن نزلنا مرسى تِكِساسْ مضافة إلى مدشر هناك بالقرب منها، وهي مرسى واسعة الشاطئ، منشرحة ذات رمل وسفن لاصطياد الحوت، وفيها ينصب واد تكساس، وهو واد عذب يسقون به أهل تلك المداشر أشجارهم ومزارعهم.
ولما نزلنا قصدنا ضريح الولي الأكبر، العارف المربي المحقق الأشهر، والفرد الأنور، أبي عبدالله سيدي محمد البوزيدي الشريف الحسني الدرقاوي الغماري… ولما حللنا بضريحه افتتح سيدنا رضي الله عنه، عمارة الرقص بالذكر والسماع، وبتنا فيه ليلة مشعشعة الأنوار، معمورة بالسماع والعمارة والأذكار، مجموعة الشمل بجمع الأحباب على محبته، مشمولة بلذيذ ذكره وحلاوة الرتع في رياض جنته، مع الرزق الواسع، والإكرام السابغ والقرى الغامر.
ثم ارتحلنا منه ومررنا على ضريح الولي الشهير سيدي أحمد الفلالي، قِلنا فيه سويعات أخذنا فيها الراحة وما تيسر من الغذاء، ثم نهضنا قاصدين تجڭان فمشينا نحو ثلاث ساعات وأقبلنا على تجڭان، وحينما أقبلنا عليه خرج على مسافة لملاقاتنا والد سيدنا العارف بالله، سيدي الحاج الصديق رضي الله عنه، ونفعنا ببركاته، هو وجماعة من الأشراف والفقراء. ثم سرنا راجلين نذكر الجلالة جهرا حتى وصلنا إلى ضريح الولي الأكبر، العارف الأشهر، سيدي الحاج أحمد قدس الله سره، وبمجرد وصولنا ونحن واقفون شرع سيدنا في العمارة، ولما فرغنا منها أقبلنا على زيارة ضريح الولي المذكور، ثم خرجنا ونزلنا إلى زاوية سيدي الحاج أحمد وهي أسفل الضريح المذكور. فيها كان نزولنا مدة إقامتنا بتجڭان، وأقمنا فيه نحو خمسة عشر يوما، كانت كلها مواسم وأعيادا، وأفراحا ومواهب وإمدادا… ثم ثنينا عنان الإياب إلى طنجة … وكان الإياب على الطريق التي أتينا منها ارتحالا ونزولا، فدخلنا طنجة سالمين غانمين، لله الحمد وله الفضل والمنة»[3].
أما رحلته الثالثة فكانت سنة ألف وثلاثمائة وأربع وعشرين، حيث سافر مع شيخه وجماعة من الفقراء أكثر من الجماعة الأولى إلى تجڭان لحضور موسم سيدي الحاج أحمد ابن عبد المومن. «فكان بذلك ركبا هائلا على الوصف المذكور في الموسم الأول من عمارة الأوقات بذكر الله، والمحافظة على أداء الصلاة في وقتها، مع الألفة والموافقة وسلامة الصدور وبسط موائد الخيرات.
ثم ارتحلنا من تجڭان… إلى مدشر امحيحن فنزلنا به وبقينا مقيمين فيه نحو عشرين يوما. ودخلنا طنجة بعين الجمع مصحوبين بتمام السلامة والعافية. فلله الحمد والشكر وله المنة»[4].
أما رحلته الرابعة فكانت سنة ألف وثلاثمائة وثمان وعشرين، سافر إلى فاس مع شيخه محمد بن الصديق لزيارة ضريح الشيخ سيدي محمد بن إبراهيم مع جماعة من الفقراء، حيث انطلقوا من طنجة على البهائم وباتوا بالغربية، ثم بالقصر الكبير، ثم بوزان، ثم منزلةً منزلةً من قبائل مختلفة إلى أن دخلوا مدينة فاس أواخر شعبان، وأقاموا فيه شهر رمضان بكامله. ثم صرفوا وجهتهم الرجوع إلى طنجة أواسط أسبوع عيد الفطر من سنة ثمان وعشرين[5].
[1] ـ نسيم وادي العقيق، ص: 116.
[2] ـ نسيم وادي العقيق، ص: 130.
[3] ـ نسيم وادي العقيق، ص: 131ـ139، بتصرف.
[4] ـ نسيم وادي العقيق، ص: 139.
[5] ـ نسيم وادي العقيق، ص: 140.