تعاني الكثير من الأسر المغربية ضغطا ماديا ونفسيا كبيرا باعتبارها تتحمل متطلبات أبنائها العاطلين على العمل، حيث يوجد في المغرب 5.9 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة تحتاج وضعيتهم إلى الكثير من العناية باعتبارهم ركيزة أساسية في بناء مستقبل أفضل للجميع.
من ناحية الإحصائيات فقد أفادت أرقام المديرية السامية للتخطيط بأن قرابة 3 من كل 10 عاطلين عن العمل بالمغرب هم من فئة الشباب، ويقطن قرابة ثلاثة أرباع من هؤلاء العاطلين بالوسط الحضري ويتوفر 90.1 في المئة منهم على شهادة.
وتؤدي نسبة الشباب الذين لم يستكملوا دورة تدريبية أو من ذوي المهارات الضعيفة، إلى عمالة ناقصة توفر لهم أجرا ضئيلا وفرصا قليلة لاكتساب المهارات المهنية التي يتطلبها سوق الشغل، وهو ما ينتج حلقة مفرغة على مستوى الاقتصاد الكلي.
الشباب المغربي ليسوا مجرد كتلة ديموغرافية أو فئة عمرية أو مرحلة انتقالية، بل أهميتهم تكمن في كونهم قوة إنسانية ومجتمعية في طور التكوين والتشكل والتبلور، فهم تواقون للتحرر والاستقلال والتميز ومشغولون بالحضور والاعتراف وشديدو الحساسية لعلاقاتهم مع محيطهم، ويحتاجون إلى الاحتضان والدعم والحماية.
ومن هنا يأتي الدور الحاسم للأسرة في ضمان الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي للشباب وتيسير اندماجهم وتماسكهم.
إن واقع الشباب اليوم يصطدم بتحدي عدم تمتعهم باستقلالهم الذاتي والاقتصادي بحكم تمديد فترة الانتقال من التعليم إلى العمل، واستمرار الأسرة لوحدها في تحمل أعباء مدة هذه الفترة من الانتظار والترقب، وأن هذه العوامل أضحت تشكل تهديدات مؤثرة على الاندماج الاجتماعي للشباب، إذا سلمنا بأن مرحلة الشباب ترتبط بمشاكل الإدماج ومحاولات الانسلاخ من دائرة الأسرة، التي تسعى من جانبها لحماية أبنائها وتحصينهم من الانزلاق نحو سلوكيات غير مرغوب فيها اجتماعيا.
ومكن تحليل مسارات الشباب المغربي في دراسة مشتركة بين المرصد الوطني للتنمية البشرية واليونيسيف من إبراز محددين رئيسيين لوضعية هؤلاء الشباب أولهما الدعم الأسري، وخاصة إمكانية حصول هؤلاء الشباب على الدعم الاقتصادي، والمحدد الثاني هو امتلاكهم للمهارات المهنية المعترف بها من قبل المشغلين سواء شهادة جامعية أو تأهيلية.
وكان قد كشف تقرير لمجلس المستشارين أن التغيرات الهيكلية في البنية الديموغرافية للشباب والسكان بالمغرب أدت بشكل طبيعي إلى تطور ملحوظ في نسبة السكان النشطين، لافتا إلى أن “عالم الشغل لم يستطع استيعاب أو توفير مناصب كافية لهذه الفئة؛ إذ ظلت قدرات إدماجه لهذه الطاقات الشبابية محدودة جدا”.
ورصد تقرير لتقييم السياسات العمومية للشباب أن “معدل البطالة في صفوف الشباب بالمغرب يظل مرتفعا بـ20 في المئة في المتوسط، بل إن أغلب الشباب المشتغلين يعملون بالقطاع غير المنظم وفي مناصب شغل تتسم بالهشاشة وذات أجور زهيدة، كما أنهم لا يستفيدون من الامتيازات الاجتماعية”.
ويعتبر الشباب من الحاملين لشهادات أنفسهم عالة على أسرهم، ولهذا نبه ذات التقرير الصادر عن مجلس المستشارين، إلى معاناة الشباب المغربي، وأنهم دون علاقات شخصية أو عائلية، لا يكفي دائما التوفر على شهادة أو امتلاك الكفاءة للحصول على منصب شغل لائق، لذلك فإن الشباب يشعرون بأنهم لا يتحكمون إلا بشكل نسبي في مستقبلهم الاقتصادي.
البطالة هي أبرز مشكلة يعاني منها الشباب وتشكل هاجسا لهم ولأسرهم وللمحيطين بهم، فإن الشباب المغربي تتزايد انتظاراتهم وحاجاتهم وهناك حقوق أخرى أساسية متنوعة ومتعددة (ثقافية واجتماعية وسياسية وصحية وقيمية وإعلامية وفنية) يسعون للحصول عليها، ويحتاجون إلى سياسات وتشريعات ومؤسسات وموارد لتحقيق حرياتهم وضمان مسؤولياتهم، وتوسيع خياراتهم وتقوية قدراتهم وتوسيع فرصهم على المشاركة والاندماج الاجتماعي والثقافي والأخلاقي والاقتصادي والسياسي.
اجراءات غير كافية..
وكإجراء لمساعدة الشباب المغربي على تخفيف الأعباء على الأسرة وتوظيف إمكانياتهم كانت قد أطلقت الحكومة برنامج “فرصة” الذي يستهدف جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما من حاملي الأفكار والمشاريع، بميزانية إجمالية تصل إلى 1.25 مليار درهم (125 مليون دولار) لعام 2022، وتصل أقصى فترة دفع للقرض إلى عشر سنوات مع فترة تأجيل مدتها لسنتين.
وأشار تقرير للبنك الدولي إلى الإمكانات غير المستغلة لمواطني المغرب، حيث أن المملكة تدرك حجم التحدي الهام المتمثل في بناء رأس مالها البشري وأهميته لتحويل المغرب إلى اقتصاد ذي بعد عالمي.
وتم إطلاق عدد ضخم من برامج التدريب والتشغيل، لكن تجزئتها بين الطلب في سوق الشغل والمهارات المتاحة عرقل الاستفادة الكاملة من الإمكانات الهائلة للمواطنين الشباب.
الأسرة هي من تتحمل أبناءها العاطلين ..لكن الى متى..
وتمتد آثار بطالة الشباب إلى جميع أفراد الأسرة، حيث أن تفشّي البطالة داخل الأسرة التي تُعدّ المؤسسة الاجتماعية المسؤولة عن تنشئة جيل قائم على المبادئ والقيم، سيكون لها أثر سلبي بسبب عدم القدرة على تأمين أسياسيات الحياة، ووقوع الأسرة تحت ضغط الديون، مما يؤدي إلى زيادة التوتر النفسي لعدم القدرة على سدادها.
نظام الرعاية والحماية الاجتماعية الذي تقوم به الأسرة المغربية في ظل التحولات القائمة يعتبر صمام أمان ودعامة قوية للشباب في مسار حياته نحو النضج الاجتماعي رغم تكلفتها المادية والمعنوية ووقعها على حياة واستقرار الأسر.
وتفاديا لتفاقم هذه الوضعية وكمحاولة لخلق نوع من الاستقرار الأسري والنفسي لدى الشباب المغربي، ننتظر من الحكومة تقديم الدعم المادي المباشر للفئات المعوزة، وذلك في إطار تعزيز أسس الدولة الاجتماعية.
و نخلص الى أن الغائب الحاضر في كل أزمات المغرب هو الإنسان، وقد آن الأوان للالتفات إليه وجعله محور كل تصور سياسي بعيد النظر للخروج من مطبات الأزمات السياسية والهزات الاجتماعية التي يعيشها المغرب.
المواطن المغربي اليوم يحتاج إلى حلول لأوضاع اجتماعية تزداد سوءا يوما بعد يوم، أمام عجز طبقة سياسية فاشلة، معظمها ينخرها الفساد وتحركها المصالح الضيقة سواء كانت شخصية أو حزبية أو جهوية.