من أعلام طنجة
ومضات من حياة شيخي
العلامة سيدي محمد بن عبدالسلام بن عجيبة
1/2
بقلم: أحمد بن محمد المرابط (الڭنيوي)
هذا جانب مختصر من حياة شيخي ومُدَرِّسي وأستاذي وآخِذٍ بِيدي بحر العلوم والأنوار، فَيْض المعارف والأسرار، مَنْ جَمَع بين علوم الشريعة والحقيقة، والسلوكِ والطريقة، سيدي محمد بن سيدي عبدالسلام بن سيدي الحاج عبدالقادر بن سيدي أحمد بن عجيبة ذي التآليف الشهيرة والمؤلفات الجليلة
مولده:
ولد سيدي محمد بن سيدي عبد السلام بن عجيبة سنة 1321 هجرية بقرية الزّمِّيج في قبيلة أنْجَرَهْ، وهي قريبة من مدينة طنجة مُجاورة ومُحاذية لَها.
تعلمه ودراسته:
بقبيلة أنجرة حفظ سيدي محمد القرآن الكريم عن ظهر قلْب، واستوعبه وأكْمَله واستوْفاه وأتقنه على يعض مدرري قريته، وبِها تلقى تعلميه الأول في علمَي اللغة العربية والشريعة الإسلامية، على والده العلامة النحوي سيدي عبدالسلام بن عجيبة (ت 1353هـ)، ثم انتقل حلقة العلامة سيدي أحمد بوزيد الأنجري الحمراوي (ت1382هـ)
ثُم شد الرحلة إلَى مدينة طنجة رفقة صفوة من خلانه فدرَس فيها خلال بضع سنوات على جلة علمائها وأساتذتِها وكبارفقهائها ومَشايخها الأعلام أمثال:
ـ العلامة سيدي عبدالصمد بن التهامي كنون الفاسي (ت 1353هـ).
ـ والعلامة سيدي أحمد مصباح أبوالعيش الأنجري (ت1349هـ).
ـ والعلامة سيدي العربي السطيطو الودراسي (ت 1350هـ).
ـ والعلامة سيدي محمد بن العياشي سكيرج الفاسي (ت 1385هـ).
ـ والعلامة سيدي أحمد بوحساين الطنجي (ت 1386هـ)
ومدينة طنجة وقتئذ كانت تضاهي مدينة فاس عِلْماً وتدريساً واجتهاداً وتحقيقاً، سَمعتُه رحمه الله تبارك وتعالَى، يقول إنه كان هو وسيدي عبد الله كنون يدْرسان بِمدينة طنجة، وكان لِهذا الأخير يقول سيدي محمد: ولَعٌ قويّ وتعلقٌ شديد بِحلقات علوم اللغة العربية ومَجالسها مثلُ مَجالس وحلقاتِ علوم البلاغة وغيرِها.
وقبل أن يَرْحَل سيدي محمد بم عجيبة إلَى مدينة فاس لإتْمام دراسته وإكمال تعلُّمه أوصاه أبوه أن يَهتم بالعلوم التِي لَم تكن متداوَلةَ التدريس في قبيلته ولا موجودة فيها.
شيوخه الذين دَرَسَ عليهم بفاس:
مِنَ الشيوخ الذين دَرَسَ عليهم وانتفع بِهم في جامع القرويين وفي غيره من مراكز الدرس بمدينة فاس الفيحاء:
ـ مولاي عبدُالله بن إدريس الفضيلي (ت1363هـ)،
ـ وسيدي محمدالراضي بن إدريس السِّنانِي المشهورُ بالحَنْش(ت 1385هـ)،
ـ وسيدي أبوالشتاء بن الحسن الصَّنْهاجي(ت 1365هـ)،
ـ وأخوه سيدي محمد بن الحسن الصّنْهاجي(ت1365هـ)،
ـ ومن شيوخه أيضاً سيدي الحسين بن محمد العراقي(ت1356هـ)،
ـ وسيدي الحسن بن عمر مزور(ت1376هـ)،
ـ وسيدي عبدالرحمن بن القرشي(ت1358هـ)،
ـ وسيدي العباس لن أبي بكر البنانِي(ت1392هـ)،
ـ وسيدي امْحَمَّد بن محمد العلَمي(ت 1373هـ)،
ـ وسيدي محمد بن عبدالمجيد أقَصْبِي(ت1364هـ)،
وغيرهم من أضرابِهم وأمثالِهم مِمَّن يُضرَب بِهم الْمثلُ الأعلى في الحفظ والاجتهاد والتحقيق والاستدلال والتَّقْعيد والاستنتاج والتعميق والاستخراج.
بعضُ ما سَمعتُه منه:
سَمعتُ شيخي سيدي محمد بن عجيبة رحمه الله تعالَى يقول: اشتهر سيدي الراضي السناني بالْحَنْشْ تشبيهاً له في شرحه وتقريره وتتَبُّعه واستقرائه للمسطور الْمُرادِ شَرْحُه وتقريرِه وسريانِه معه وانعطافه وانطوائه والتوائه على كَلِمِه وجُمَلِه وفِقَره وقِطَعِه بالْحَنْشْ الأفعى الحَيَّة في سريانِها وانطوائها ودَبيبها والتوائها على مُلْتَواها ومَسْراها.
وسَمعته رحمه الله تعالَى يقول: كان سيدي العباس البنانِي يقول في غُضون تدريسه لشرح سيدي محمد البنانِي على مَتْنِ السُّلّم للأَخضري مُعَرِّضاً بغيره ومُنَكِّتاً عليه: لا يفهم شرحَ محمد البنانِي فهماً صائب التدقيق نافذَ التعميق إلا ابنُ عمه يعنِي نفسَه “أي عباس البنانِي”.
وسَمعته رحمه الله تعالَى يتحدث عن سيدي امحمد العلمي فيقول عنه إنه منبعٌ من منابع علْم الفلَك ومورد من موارده وأهمُّ مرْجِع وأعظم مصْدر فيه، كان الأوروبيون الفلَكيون يشدون الرحال إليه ويزورونه في بيته، قال رحمه الله وقد زرتُه مراراً وتكراراً في بيته ورأيت فيه رسوماً خرائطية كثيرة وخرائط كُرَوِيّة عديدة.
تدريسه وتعليمه:
وبعد إنْهائه دراسته في فاس ورجوعه منها إلَى بلدته ومسقط رأسه مزَوَّداً بالعلوم المختلفة والفنون المتعددة، أخَذ في تدريسها وتعليمها وتلقينها وتقريرها، فقرأ في مختلف الأمكنة والأزمنة مع طلبته وتلامذته الْمحيطين به المتحلِّقين حوله. وخلال عقود مديدة درس نافت عن نصف قرن من الزمن جل علوم العربية والشرعية بمختلف متونها المتداولة في مداجلس الدرس: النحو، والصرف، و الفقه، وأصول الفقه، والفرائض، والبلاغة، والعروص، والتوحيد، ومصطلح الحديث، والمنطق، والتجويد، والفلك، والتفسير، والسيرة. وهذه جملة ما أقرأه من مصنفات وفنون:
ـ ألْفِيةَ ابن مالك بشرح المكودي وشَرِح أوْضَح الْمسالك لابن هشام، درسه ثلاثَ عشرة مرة،
ـ والألفية بشرْح ابن عَقيل وأوْضح الْمسالك، مرة واحدة،
ـ والألفية بشرح المكودي وحده، ثَمانِي مرات،
ـ والألفية بشرح ابن عقيل وحده، مرة واحدة،
ـ والألفية بشرح المكودي إلَى حروف الجر، مرة واحدة،
ـ ولاَمِيةَ الأفعال، تسعَ مرات،
ـ والأجَرُّومية، خمساً وعشرين مرة،
ـ والجوهر المكنون، ثلاث مرات،
ـ والتلخيص، مرة واحدة،
ـ والخَزْرجيَّة، مرة واحدة،
ـ والكافي في العروض مرة واحدة،
ـ والاستعارة، اثنا عشرة مرة،
ـ والزَّقَّاقِية، أربع مرة،
ـ والْمُرْشِد الْمُعين، خمسَ عشرة مرة،
ـ ورُبُع العبادة أو عَشْرة أحزاب العبادة للشيخ خَليل، مرتيْن،
ـ والفرائض، تسع مرات،
ـ وكتابَ الذَّكاة، ثلاثَ مرات،
ـ وتوحيدَ الْمرشد الْمُعين بشرح الطيب بن كيران، مرةً،
ـ والسنُوسيَّة في التوحيد بشرْح أم البراهين، مرة،
ـ ومصطلح الحديث للفاسي، مرة،
ـ وجمْعَ الجوامع، ثلاث ختمات ونصْف،
ـ ورقات إمام الحرميْن بشرح الحَطَّاب، مرة،
ـ والمنطق بالقْوِيسِينِي، أربعَ عشرةْ مرة،
ـ والمنطق بالبنانِي، ثلاث مرات،
ـ ومقدمة ابن الجَزَرِي، مرة،
ـ والشمائل، مرتين،
ـ والتفسير للجلاليْن، مرتين.
وهكذا بقيَ التدريس والتلقين دَيْدَنَه وحالتَه، والتعليمُ والتقرير دأْبَه وعادتَه، إلَى أن توفي رحمه الله تبارك وتعالَى يوم الثلاثاء خمسة عشر من شوال سنة 1417هـ بقرية الدْهادَهْ في قبيلة أنجرة ووُرِيَ الثَّرى هناك أي في تلك القرية، رحمه الله عزوجل ونفعنا بِمحبته آمين.