صدر للمؤرخ الباحث الأستاذ محمد ابن يعقوب طبعة أنيقة من كتابه: (في ضيافة الكُتَّاب وأشهر معلمي القرآن في شفشاون في زمن الحماية: 1920 ـ 1956)،عن مركز علم وعمران للبحث والدراسات وإحياء التراث الصحراوي التابع للرابطة المحمدية للعلماء. ويقع الكتاب في 471 صفحة من القطع المتوسط.
ويضم هذا الكتاب القيم ثلاثةً وثلاثين ترجمة مفصلة لأشهر معلمي القرآن في مدينة شفشاون خلال الفترة المحددة، كما جمل المؤلف عمله بتراجم فرعية مفيدة لمدررين آخرين يرتبطون بأصحاب التراجم بشكل أو بآخر، ويُتيحُ لنا هذا الكتاب معلوماتٍ وافيةً عن حاضرة شفشاون خاصة، ومحيطها عامة مَعالمَ وعُمْرَاناً وعاداتٍ مرتبطةً ًبالمجال وبالكُتاب.
ويقدم لنا هذا الكتابُ المفيد في موضوعه أعلامه المعنيةَ في تراجمها أشخاصاً في إنسانيتهم، ومعلمين بين تلامذتهم. إنها تراجمُ لشخصياتٍ نوعيةٍ: عملت في ميدان معين/ تعليم القران الكريم وتحفيظه، في مكانٍ مُعَيَّنٍ/ مدينة شفشاون، وزمانٍ مُعَيَّنٍ/ يهم المكان في خصوصيته الجغرافية واستراتيجيته التاريخية التي ينتقل بها من قاسِمٍ مُشْتَرَكٍ عامٍّ في نسيجه الوطني بدايةً وهو سنة 1912م تاريخ توقيع معاهدة الحماية، إلى تطبيق الزمن الفعلي لهذه المعاهدة على المكان؛ بسبب استعصائه على المحتل الأجنبي الإسباني حتى سنة 1920م؛ هذا المحتل الذي لم يهنأ بمقامه إلا ريثما أزعجته الحركة الوطنية الجهادية، فغادره مدحوراً سنة 1924م، قبل معاودة استعماره سنة 1926م، لتصبح شفشاون ابتداءً من تاريخه كسائر بلاد المغرب، فيما اتُّفِقَ عليه من معاهدة الحماية. إذن، فالفترة المُحدِّدَةُ لهذا العمل التأليفي هي من سنة 1920م إلى سنة 1956م.
وهذه التراجم التي أعدها المؤلف زاخرة يالإفادات المختلقة حول أولائك الرجال الفضلاء الذين أقنوا زهرة أعمارهم في خدمة الذكر الحكيم، كما أن المؤلف رصد بشكل دقيق عادات وتقاليد كانت معتمدة في الكُتَّاب، قبل أن تُطمَس مَعالمُه من شفشاون وكثيرٍ من نواحيها: كمنهجية التحفيظ، وتصحيح المكتوب، واستعراض المقروء المُستظهَر، وسوى هذا مما أَبقى المؤلفُ عليه في روايته منسوباً إلى رُواته، لدرجة تكرار بعض اللوحات الْمَشْهَدِيَّةِ في تواردها وتقاطع مُشَخَّصَاتِها: مما حافظ على الوحدة الموضوعية للكتاب، على استقلالية التراجم عن بعضها، وتعدد وجهات النظر في تطبيقها حالاً ماثلا للعيان.
وفي معظم ما أورده المؤلف؛ تحدث عن تجربته في الكُتاب تلميذاً متلقياً، راصداً صوراً مما عاشه وعايشه عنده، متفهماً في نفس الآن ما استقبله من رواته سياقاً: منتقياً محققاً مصادقاً موازناً لإكساب الحدث رصانتَه وموضوعيَّتَه.
وقد تم تصميم العمل بجعله يتنقل بين أحياء المدينة العتيقة مسرحاً لهذا العمل، مُعَرِّفاً بها ـ هامشاً ـ حَيّاً حَيّاً: ماسحاً كتاتيبها التي كانت تتوفر عليها في الفترة التي جعلها حيزاً زمنياً للموضوع تشخيصاً، ومادةً معرفية تخصها في أصلها والعاملين بها من هؤلاء الأعلام الأمجاد، متخداً الرواية الشفوية نبراساً للهداية في معظم ما قام بإنجازه في بحثه، مُحيلاً على من التجأ إلى روايتهم من تلامذتهم والعارفين بأحوالهم، مُعَرِّفاً بهم ـ هامشاً ـ تعريفاً يطول أو يقصر حسب أهمية الراوي، والمُتوصَّل اليه من أخباره موضوعاً بتاريخ روايته. ليبقى الكِتابُ في مادته دليلاً مجالياً يمكن الاسترشاد به في موضوعه مرجعاً مُهِمّا في بابه، اِرتباطاً بما يقدمه من وجهٍ حضاريٍّ تُراثيٍّ غنيٍّ بزخمه الفكريِّ المعرفي يجمل الاطلاعُ عليه للإحاطة به في عمومه وشمولية ما تطرق إليه.