الأستاذ محمد الخراز
ضجة اعلامية عارمة سبقت مونديال 2022 ،عقب فوز دولة قطر بحق استضافة بطولة كأس العالم لأول مرة في بلد عربي مسلم، وقد اعتبر حدثا استثنائيا كبيرا حظي باهتمام بالغ من المسؤولين و وسائل الاعلام الدولية والجماهير الرياضية عبر العالم تتطلع الى انطلاق هذه التظاهرة الرياضية الكبرى من أجل متابعة المباريات في الملاعب الحديثة العملاقة التي أنشئت على النمط الحديث والمدعمة بوسائل التكنولوجية المتطورة في هذا البلد العربي.
و أبرز ما قيل بخصوص هذا التنظيم الهائل، ما صرح به أمير قطر الشيخ تميم ابن حمد ال ثاني عقب تسلمه في سنة 2018 راية استضافة المونديال من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم : ” مونديال 2022 هو بطولة لكل العرب ونعدكم بنجاح كأس العالم 2022، وثقتي كبيرة في الشباب العربي لانجاحه”.
وقد أشاد جياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بالاستعدادات الهائلة التي قامت بها قطر خلال السنوات الماضية بقوله :” في عام 2022 سيكون كل شيء متقاربا، ومونديال قطر سيكون تاريخيا بجميع المقاييس و لن ينسى”.
على الرغم من هذا التصريح المنوه، لاقى اختيار استضافة قطر كأس العالم 2022 انتقادات لاذعة على خلفية سجل حقوق الانسان في قطر، ولا سيما فيما يتعلق بمعاملتهم للعمال المهاجرين والنساء، مما أدى الى مزاعم الغسيل الرياضي، ووجه الاخرون انتقادات على الطبيعة لأن مناخ قطر يتسم بشدة الحرارة في الصيف الى جانب غياب ثقافة كرة القدم القوية في هذا البلد، وطلع رئيس الفيفا السابق جوزيف بلاتير بتصريح قال فيه ان منح قطر حقوق الاستضافة كان خطأ، في حين عقب عليه الرئيس الحالي للفيفا جياني انفانتينو بتصريح عبر فيه بوصف الجدل القائم حول الاستضافة بأنه صراع ثقافي بين العالم الاسلامي و الديموقراطيات الغربية الليبيرالية العلمانية، ويرى الاخرون في منح الاستضافة لقطر على أنه تأكيد لتراجع التأثير الغربي في كرة القدم والجيوسياسية.
أعربت وسائل الاعلام الدولية عن قلقها بشأن مدى ملاءمة قطر باستضافة الحدث، و مرجعية ذلك يعود الى وضعية حقوق الانسان خاصة فيما يتعلق بظروف العمال وحقوق المشجعين الذين ينتمون الى مجتمع الميم، بسبب عدم شرعية المثلية الجنسية في قطر، كما أن هذا البلد لا يسمح باستهلاك المشروبات الكحولية خلال الحدث في الأماكن العامة، لأن النظام القانوني في البلد يقوم على مبادئ الشريعة الاسلامية.
ازدادت الانتقادات في اتهام قطر بسوء معاملة العمال، وقد استندت هذه الادعاءات الى أن 522 عاملا نيباليا وأكثر من 700 عامل هندي لقوا حتفهم منذ سنة 2010، وأن زهاء 250 عاملا هنديا يموتون كل سنة، ونظرا لوجود نصف مليون عامل هندي في قطر، فقد صرحت الحكومة الهندية بأن طبيعة وفاة العمال كانت عادية، وذكرت وسائل الاعلام البريطانية أن هذا الزعم الذي غالبا ما يستشهد به وهو 1200 عامل لقوا حتفهم في قطر بين سنتي 2010 و2013 ليس صحيحا، وأن هذا العدد يمثل جميع الوفيات من الهنود وباقي العمال من الدول الأخرى العاملين في قطر ولا يقتصر فقط على العمال الذين شاركوا في التحضير لورشات كأس العالم، بل يشمل حتى العمال الذين يشتغلون في مجالات أخرى وأوراش البناء العادية.
أما بخصوص الانتقاد المتعلق بحرارة الطقس حسب المناخ السائد في قطر، فقد أعرب عن مخاوف بشأن اقامة كأس العالم في اطارها الزمني و هو يونيو ويوليوز، لتبديد هذه المخاوف من شدة الحر صيفا، كلف فريق عمل للنظر في التوقيت البديل وتقديم تقرير حول ذلك، الأمر الذي أدى بفريق عمل الاتحاد الدولي لكرة القدم أن تلعب البطولة ابتداءا من أواخر نونبر الى أواخر دجنبر 2022 لتجنب حرارة الصيف التي تستمر من ماي الى شتنبر، والعمل أيضا على تجنب التضارب مع الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستقام في الصين.
ومن الانتقادات الأخرى الموجهة لقطر، الاقدام على سرية شراء الأصوات من طرف مسؤولي كرة القدم لتأمين استضافة المونديال، حيث تم افشاء سر موظف سابق في فريق ملف تنظيم قطر أن عدد المسؤولين الأفارقة حصلوا على مليون دولار لجلب الأصوات، وحسب وسائل الاعلام الدولية فقد تراجع المسؤول عن ادعاءاته ومع ذلك أقدمت الفيفا على اجراء تحقيق صارم حول هذه المزاعم وبشكل مطول انتهى بتبرئة قطر من ارتكاب أية مخالفات في الموضوع.
وأمام هذا المزاعم المغرضة المتعلقة بالانحراف و الفساد لقد اعتبر القطريون أنها مدفوعة بالحسد و انعدام الثقة، وقد أكد هذا الموقف جوزيف بلاتير الذي اعتبر أن وسائل الاعلام الغربية هي التي تغذي هذا النوع من المزاعم بالحقد والعنصرية للنيل من مصداقية قطر.
وخلال الأزمة الديبلوماسية في الخليج مع قطر سنة 2017، طالبت كل من المملكة العربية السعودية واليمن وموريطانيا والامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من الفيفا استبدال قطر كمضيف لكأس العالم، وأكدوا في رسالتهم أن البلاد عبارة عن قاعدة ارهابية، اضافة الى الانتقاد الموجه بخصوص المثلية الجنسية غير قانونية في قطر، ويواجه المخالفون غرامات وعقوبات سجن قد تصل الى سنوات.
في اطار هذه الانتقادات اللاذعة، تحدث رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم انذاك جوزيف بلاتير قائلا :” أود أن أقول أنهم يجب أن يمتنعوا عن أي أنشطة تخص المثلية الجنسية.. نحن لا نريد أي تمييز، ما نريد فعله هو فتح هذه اللعبة للجميع، ولجميع الثقافات، وهذا ما نطمح اليه في عام 2022″.
وتجدر الاشارة في هذا الصدد بأن الأشخاص المثليين والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي و المتحولين جنسيا أو ما يسمى بمجتمع الميم، يواجهون في قطر تحديات قانونية ومطاردة لا يواجهها غيرهم من المغايرين جنسيا، حيث أن هذا البلد يعتبر النشاط الجنسي بين الرجال والرجال و بين النساء والنساء “السحاق” غير قانوني حيث يواجه الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال عقوبة سجن مشددة قد تصل الى سبع سنوات ويمكن أن تطبق عقوبة الاعدام على المسلمين فقط بغض النظر عن جنس المشارك، كما أن المنازل التي يعيش فيها المثليون غير مؤهلة للحصول على نفس الحماية القانونية المخولة للأزواج المغايرين، وهناك تقارير تتحدث عن مستوى عال من التمييز والانتهاكات ضد مجتمع الميم، كما أن الثقافة الشعبية السائدة في قطر تعتبر هذا الأمر غير قانوني وغير أخلاقي و مخالف للعادات والتقاليد والشريعة، لذلك فالحكومة القطرية لا تعترف بزواج المثليين أو لاتحادات المدنية للمثلية، كما لا تسمح للناس في قطر بالقيام بحملات من أجل المطالبة بحقوق المثليين.
وهكذا يبدو أنه منذ الاعلان عن استضافة دولة قطر مباريات كأس العالم، وقد مر نحو عقد من الزمن كان هناك من يشكك في أنها ستعقد في قطر، كما رأينا أن التشكيك جاء بعضه من أقرب المقربين وهم العرب، ليس من منطلق ايمانهم بوجود انحيازات عنصرية ذات طابع سياسي أو ايديولوجي عند فريق من القائمين على تلك المباريات، بل لأنهم يرون أن العرب عموما ومنهم قطر ليس لديهم خبرة ولا امكانية كي يستضيفوا هذه التظاهرة العالمية الكبرى.
ومع ذلك مرت الأعوام و حان الموعد وسقطت كل محاولات حرمان قطر من استضافة تلك التظاهرات عبر الاعتراضات الرسمية من قنوات مختلفة، وعبر التشويش الاعلامي، وجاء اليوم الموعود الذي أعدت له قطر وبتوجيهات من سمو الأمير الشيخ تميم ابن حمد ال ثاني، كل ما يلزم من تجهيزات كي يخرج المشهد في قمة الابداع والاتقان والانبهار لم يسبق له مثيل في التنظيمات السابقة لدى الدول التي احتضنت هذه التظاهرة العالمية الكبرى.
مع انطلاق مباريات كأس العالم في قطر كشفت اللجنة التنظيمية أنه من المتوقع أن يدر المونديال نحو 9 مليارات دولار من الأرباح معظمها سيأتي من الانفاق السياحي والأنشطة الاقتصادية المرافقة لهذا المونديال وهو ما يمثل نحو 1% من الناتج المحلي لقطر، الى جانب بطبيعة الحال تلك التكلفة الضخمة تحملتها قطر التي تعد من أعلى التكاليف على الاطلاق في تاريخ التنظيم الكروي العالمي، وقد يكون من الصعب تحديد هذه التكلفة الدقيقة لنهائيات كأس العالم كرة القدم، الا أن بعض التوقعات تشير الى أن مونديال قطر هو الأعلى منذ بدء بطولات كأس العالم في سنة 1930.
و وسط التقديرات بأن التكلفة قد تساوي مع ما جرى انفاقه على 21 بطولة سابقة مجتمعة، حسب ما أعلنت عنه الهيئة الأمريكية المتخصصة في مجال الاستشارات المالية الرياضية، “فرونت أوفيس سبورتيس”.
و قد تتجاوز تكلفة المونديال في قطر حسب تقرير الخبراء الى 220 مليار دولار، وهي أعلى من التقديرات الأولية 65 مليار دولار عندما وقع الاختيار على قطر لاستضافة المونديال سنة 2010.
هذا التباين في التقدير يعود الى غالبية الأموال التي تم انفاقها منذ سنة 2010 كانت من أجل انشاء بنية تحتية مثل شبكة جديدة للمترو في الدوحة، ومطار دولي وطرق جديدة، فضلا عن بناء نحو 100 فندق ومرافق ترفيهية، وانشاء 7 ملاعب جديدة اضافة الى الملعب القديم لاستضافة مباريات كأس العالم بتكلفة بلغت 6,5 مليار دولار.
وقد أشار “كيران ماجواير ” الخبير في تمويل كرة القدم في جامعة ليفربول أن قطر تستخدم هذه المرافق والملاعب الكروية للحصول على حق استضافة نهائيات بطولات أوروبية مثل نهائي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي.
وأخيرا يمكن القول بأن المنتخبات العربية في مونديال قطر حققت أكبر حصيلة في تاريخ مشاركتها في كأس العالم لكرة القدم، ويتجلى ذلك في الفوز التاريخي للسعودية على الأرجنتين وهي تضم نجمها الأسطوري ” ليونيل ميسي ” ب 1-2 ، ثم فوز تونس على فرنسا في الجولة الثالثة و الأخيرة من دور المجموعات، ثم تفوق المغرب على بلجيكا و كندا ليضع قدمه في الثمن النهائي، و قد اكتملت الفرحة و البهجة بفوز المغرب على اسبانيا و التأهل التاريخي لأسود الأطلس الى ربع النهائي.