أمل عكاشة
يعتبر الاستثمار أنجع طريق لمضاعفة القيمة وخلق الوفرة والازدهار، وإذا كان الاستثمار في القطاع الخاص، يحرك الاقتصاد ويخلق الشغل والثروة، فإن الاستثمار في القطاعات العمومية يعتبر أكثر إنتاجا، إذ إنه إلى جانب تحقيق ما سبق، فإنه يعزز الخدمات المرفقية ويزيد من الرأسمال العام المملوك للدولة ومؤسساتها، الذي يبقى محصورا في نطاق الصالح العام، وجودا وعدما.
ويبدو أن مشروع ميزانية السنة المقبلة استجاب لهذه الرهانات، حيث اعتبر بنك الأعمال لصندوق الإيداع والتدبير (CDG Capital Insight) أن المجهود الإجمالي للاستثمار العمومي المنصوص عليه في مشروع قانون المالية برسم سنة 2023 وصل لمعدل تاريخي وغير مسبوق، حيث ارتفع إلى 300 مليار درهم، مقابل 245 مليار درهم و 230 مليار درهم، خلال السنتين الماضيتين على التوالي.
وأوضح بنك الأعمال لصندوق الإيداع والتدبير في مذكرة تحليلية صدرت تحت عنوان “مشروع قانون المالية لعام 2023: اختبار صعب محاط بعدم اليقين”، أن هذا الجهد يندرج في إطار استراتيجية التعافي من خلال الاستثمار التي سرعتها المملكة عقب أزمة كورونا.
وأفاد البنك أنه “بالمقارنة مع الثروة التي تم خلقها من قبل الدولة والمقدرة من خلال الناتج المحلي الإجمالي، فإنه من المرتقب أن تصل حصة الاستثمار العمومي، بالمعنى الواسع، إلى مستوى غير مسبوق يقدر بـ 20,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 15,8 في المئة فقط خلال سنتي 2019 و2020”.
وفي توقعاته المتفائلة، اعتبرت المذكرة التحليلية أن هذه الدينامية ستؤثر بشكل إيجابي على المستوى العام للاستثمار على صعيد المملكة وأن تحدث زخما للنمو من خلال تشجيع الطلبيات العمومية، مشيرة إلى أن هذه الدينامية الخاصة تعتبر بشكل رئيسي نتاج انتعاش شهدته استثمارات المقاولات والمؤسسات العمومية التي ارتفعت إلى 140,5 مليار درهم، مقابل 92 مليار درهم، أي بزيادة سنوية قدرها 53 في المئة.
كما توقعت الدراسة أن يعرف الغلاف المالي المخصص للميزانية العامة، والمتعلق بالسنة المالية 2023، ارتفاعا طفيفا بنسبة 7 في المئة على أساس سنوي ليصل إلى 95,5 مليار درهم.
ويرتكز الاستثمار برسم الميزانية العامة المخصصة للسنة المالية 2023، حسب التوزيع الوزاري، على القطاعات التي تطرح إشكالات راهنية، وقد خصصت فيها حصة الأسد لوزارة المالية باعتمادات بلغت ما يناهز 33,9 مليار درهم، تلتها وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات باعتماد يجاوز 14 مليار درهم، ثم وزارة التجهيز والماء ب13 مليار درهم.
أما على صعيد قطاع التربية الوطنية، فخصص له قرابة تسعة مليارات دراهم، فيما توقفت وزارة الصحة عند سقف ثمانية مليارات درهم، وهو ما اعتبرته المذكرة زيادة في الإعتمادات المرصودة للوزارات المعنية.
وعلى صعيد مواز، فإن صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي أحدث من أجل الإسهام في تمويل المشاريع الاستثمارية المهيكلة وتعزيز رأسمال المقاولات ودعم الأنشطة الانتاجية، فلاحظت المذكرة أنه تم تجسيد جميع الإجراءات التنظيمية والقانونية من خلال المصادقة على القانون رقم 76.20 بتاريخ 31 دجنبر 2020 والمرسوم المتعلق بتطبيق أحكامه رقم 2.21.67 بتاريخ 19 فبراير 2021 القاضي بالموافقة على النظام الأساسي للشركة المساهمة، مع تحديد الرأس المال الأولي للصندوق في 15 مليار درهم، هذا بعدما تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بتاريخ 18 أكتوبر 2022، بتعيين محمد بنشعبون مديرا عاما لصندوق محمد السادس للاستثمار، حيث تجري الاستعدادات لعقد أول مجلس إدارة بغية الموافقة على عدة قرارات تتعلق ببدء التشغيل الفعلي للصندوق.
ويتبين مما سبق، أن إرهاصات تجاوز الأزمة والانتقال إلى حالة الإنتعاش الاقتصادي باتت محققة، ومع ذلك يبقى تحقق المراد متوقف على عدة اعتبارات، إذ لا يكفي التنصيص على تخصيص اعتمادات، حيث ثبت مرارا أن أغلب هذه الاعتمادات تبقى دون صرف وترجع إلى الفائض في آخر السنة المالية، وخاصة في مجال الاستثمار العمومي، حيث الرهان على وضوح الرؤية في البرامج والمشاريع، مع تفعيل مناهج التخطيط والتدبير الاسراتيجي والأخذ بآخر تطورات العلمية والتقنية، على غرار القطاع الخاص.