أمل عكاشة
اعتبر البنك الدولي، في أحدث تقرير له متعلق بالديون الدولية، أن المخاطر المرتبطة بديون البلدان النامية بلغت أعلى مستوى لها منذ بداية الألفية (سنة 2000)، مبرزا المخاطر العالمية التي يطرحها هذا المؤشر.
وقال في تقريره إن البلدان الأشد فقرا المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية تنفق حاليا أكثر من عُشر عائدات صادراتها لخدمة الديون العامة طويلة الأجل والديون الخارجية المضمونة من الحكومة، مشيرا إلى أن إجمالي الدين الخارجي للاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل على حد سواء، بلغ 9.2 تريليون دولار في نهاية عام 2021، أي أكثر من ضِعف قيمته المسجلة قبل عشر سنوات.
وأضاف التقرير أنه في نهاية 2021، بلغ إجمالي مدفوعات خدمة ديون البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية على ديونها العامة طويلة الأجل وديونها الخارجية المضمونة من الحكومة 46.2 مليار دولار، وهو ما يعادل 10.3% من صادراتها من السلع والخدمات و1.8% من إجمالي دخلها القومي، فيما توقع أن تشهد سنة 2022 ارتفاعا في مدفوعات خدمة الديون بنسبة 35% لتصل إلى أكثر من 62 مليار دولار، وهي من أعلى الزيادات السنوية المسجلة على مدى العقدين الماضيين.
وحول المسببات أشار البنك الدولي إلى أن الأمر يعود إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ وتيرة النمو العالمي، مما يتسبب في دفع عدد كبير من البلدان إلى أزمات الديون، بشكل أصبحت معه 60% من البلدان الأشد فقرا إما معرضة لخطر كبير يهدد ببلوغها مرحلة المديونية الحرجة أو أنها بلغت هذه المرحلة بالفعل.
وتعليقا على التقرير، قال ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولي: “لقد استفحلت أزمة الديون التي تواجه البلدان النامية ومن الضروري اتباع نهج شامل لتخفيض تلك الديون وزيادة الشفافية بشأنها وتسريع إعادة هيكلتها، حتى تتمكن البلدان من التركيز على الإنفاق الذي يدعم جهود النمو ويقلص رقعة الفقر، أما بغير ذلك، ستواجه العديد من البلدان وحكوماتها أزمة على صعيد المالية العامة وعدم استقرار سياسي، وما يقترن بذلك من وقوع ملايين الأشخاص في هوة الفقر”.
وتزيد من حدة المخاطر والصعوبات المرتبطة بالمديونية العالمية المشاكل التي يطرحها ضعف الشفافية والوضوح المرتبط بصرفها واستردادها على السواء، وهو ما ينعكس بالمقابل على إضعاف فرص تدعيم قدرة البلدان على إدارة المخاطر المرتبطة بها ويبعدها عن رهان استخدام الموارد بالكفاءة المطلوبة، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى الارتقاء بمستوى الشفافية وتوفير معلومات أكثر اكتمالا بشأن هذه الديون.
وفي هذا الصدد، صرح إندرميت جيل، النائب الأول للرئيس ورئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي: “يعد ضعف مستوى الشفافية بشأن الديون السبب وراء دخول العديد من البلدان في الأزمات المرتبطة بها، إذ تعتبر البيانات المكتملة والشفافة عن الديون آلية فعالة في رفع مستوى القدرة على إدارتها بشكل سليم، كما أنها تجعل تحليلات القدرة على الاستمرار في تحمل أعبائها أكثر موثوقية، ومن ناحية أخرى، فإن الشفافية لها دورها في تسهيل تنفيذ إعادة هيكلة الديون، بحيث يمكن للبلدان أن تعود بسرعة إلى مسار الاستقرار والنمو الاقتصاديين، كما أن إخفاء الدين العام عن الجمهور لا يصب في مصلحة أي جهة دائنة على المدى البعيد”.
ويشار إلى أن التقرير أبرز أنه على امتداد الخمس سنوات الماضية، سُجلت التزامات بقروض قيمتها 631 مليار دولار لم يتم الإبلاغ عنها سابقا، وذلك بفضل “قاعدة بيانات البنك الدولي لإحصاءات الديون الدولية” التي توفر المصدر الأكثر اشتمالا على معلومات الديون الخارجية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وذلك في سبيل إحراز المزيد من التقدم في مستويات شفافية الديون.
ويبدو من خلال قراءة ما بين سطور التقرير المالي، أن البنك الدولي يصوغ إنذارا شديد اللهجة، موجها في صيغة “تقرير عن الوضع المتردي لديون البلدان النامية”، مفاده أنه إذا كانت الإكراهات الدولية تحتم عليكم اللجوء إلى مزيد من الاقتراض، فإن منح القروض سيصبح مستقبلا مشروطا بالشفافية التامة والكاملة في كل ما يتعلق بالقرض، بشكل لم يعد يُسمح معه بأي هامش من الضبابية والغموض، وإلا فلتواجه هذه الدول مصيرها مع الأزمات المالية وما تنتجه من عدم استقرار سياسي وتخلف تنموي واستفحال للفقر والعزلة.. فهل نحن أمام تجلٍ آخر لنظرية إملاءات المؤسسات الدولية المُقرضة وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول من باب فرض المبادئ والقيم..؟