سهييلة أضريف
بوتيرة متصاعدة؛ شهدت حوادث الطرق خلال الفترة الماضية زيادة كبيرة يترتب عنها قتلى وجرحى، أبطال هذه الحرب لا تجمع بينهم عداوة سياسية أو اقتصادية، كما أنها ليست حربا أهلية، فهي تقع بين أفراد المجتمع الواحد، إنها حرب الطرقات، والمثير في هذه الإشكالية أن الدولة وعلى الرُّغم من الترسانة القانونية لم تستطع قط وقف هذا الزّحف الخطير في الوفيات والجرحى والمعطوبين والأرامل والأيتام؛ آخرها ما وقع بإقليم تازة مطلع الأسبوع، بعدما لقي 11 شخصا مصرعهم وأصيب 43 آخرون في حادث سير، إثر انقلاب حافلة لنقل المسافرين بالطريق السيار؛ على بعد حوالي 6 كيلومترات عن مدينة تازة.
ولم تتمكن الإجراءات القانونية التي اتخذتها السلطات المغربية في السنوات الماضية، من وقف هذا النزيف الذي يخلف آثارا اجتماعية على مستوى العائلات والأسر وأبرز هذه الإجراءات تتمثل في تنزيل قانون مدونة السير، انطلاقا من شهر أكتوبر 2010، فضلا عن إنشاء لجنة وزارية مشتركة لسلامة الطرقات، التي تهدف أساسا إلى الحدّ من دواعي هذه” الحرب الناعمة” بين أفراد المجتمع الواحد، بحيث تدور فصول مسرحيتها في جميع شوارع المملكة وعلى مدار الساعة، حرب لا هوادة فيها، الشيء الذي يجعلها تحتل المركز الثاني في سلم الوفيات في البلاد.
وإذا كانت المملكة عرفت خلال سنتي 2020 و2021 تقلصا ملحوظا في نسبة حوادث السير على الطرقات وذلك بسبب إجراءات الحظر التي فرضتها الدولة خلال فترة انتشار وباء كورونا لتقييد حركة التنقل بين المدن، لكن لم يتم الحفاظ على هذا الوضع خاصة بعد رفع تدابير الحظر الذي ساد سنة 2020، فالإحصائيات المرتبطة بحرب الطرقات أوضحت بأن نسبة الزيادة في الحوادث ارتفعت إلى 12،4٪ مقارنة مع سنة 2019 و3436 حالة وفاة بزيادة قدرها %1،5 و155،146 إصابة أي بزيادة قدرها 11،4%. وفي ظل هذه الإحصائيات المثيرةً والتزايد الفاحش في عدد الوفيات والإصابات الخطيرة في حوادث السير التي ما تزال طرقات المملكة مسرحاً لها، فإن الدراسات التي أجريت على المستوى الوطني أظهرت بما لا يدع مجالا للشك بأن العنصر البشري يبقى هو المرشح الأساس في أكثر من %90 من الحوادث.
كما أن المديرية العامة للأمن الوطني وكذلك الدرك الملكي الذين يتعاملون وبشكل يومي مع حوادث السير، أكدوا أن أسباب هذه الأخيرة راجع لعدم انتباه السائقين بالدرجة الأولى، ثم عدم احترام حق الأسبقية وعدم انتباه المارة المشاة والسرعة المفرطة. وبين الأسباب الأخرى أيضاً، عدم ترك مسافة الأمان خلال القيادة، وتغيير الاتجاه من دون إعطاء إشارة وافتقاد التحكم الجيد بالسيارة وعدم احترام إشارة الوقوف المفروضة وتغيير الاتجاه غير المسموح به والقيادة في حال السكر وعدم التقيّد بالوقوف المفروض عند إظهار ضوء الإشارة الأحمر، والسير على يسار الطريق وفي الاتجاه الممنوع، والتجاوز المعيب، وغير اللائق، هذا من جهة. لكن من جهة أخرى، نجد أن بعض الطرقات تحتاج بشكل فوري إلى إصلاحات هيكلية، وترميمات؛ وهذه تبقى مسؤولية تقصيرية بالنسبة للطرقات المصنّفة كالطرق (الوطنية والطرق الجهوية) التي تدخل ضمن اختصاص وزارة التجهيز والنقل والماء. أما الطرقات الجماعية فمسؤولية إصلاحها تقع على الجماعات الترابية، في حين أن الأسباب الميكانيكية للسيارات لها نسبة ضئيلة تدخل ضمن %10 من هذه الحوادث.
وتتوالى المبادرات الحكومية لوقف نزيف حرب الطرقات على المستوى الوطني والتي تهدف إلى مواجهة آفة “حرب الطرقات” وأبرزها الاستراتيجية الوطنية المحددة للفترة الزمنية بين عامي 2017 و2026 التي يسعى المغرب من خلالها إلى تقليص عدد الوفيات على الطرق بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2026، مما يشكل تحدياً تراهن على تحقيقه كل الهيئات التي تعمل في ملف سلامة الطرقات على المستوى الوطني.
وكانت المديرية العامة للأمن الوطني، قد أعلنت في وقت سابق، عن تسجيل 1531 حادثة سير داخل المناطق الحضرية نتج عنها مصرع 09 أشخاص، وإصابة 2087 آخرين بجروح، منهم 80 إصابة بليغة، خلال الأسبوع الممتد من 14 إلى 20 نونبر الجاري.
وبخصوص عمليات المراقبة والزجر في ميدان السير والجولان، تمكنت مصالح الأمن من تسجيل 43 ألفا و188 مخالفة، وإنجاز 8 آلاف و178 محضرا أحيلت على النيابة العامة، فضلا عن استخلاص 35 ألفا و10 غرامات صلحية.
وذكر المصدر ذاته أن المبلغ المتحصل عليه بلغ 7 ملايين و543 ألفا و250 درهما، فيما بلغ عدد العربات الموضوعة بالمحجز البلدي 4 آلاف و804 عربات وعدد الوثائق المسحوبة 8 آلاف و178 وثيقة وعدد المركبات التي خضعت للتوقيف 275 مركبة.
السياقة ثقافة تستدعي من كل سائق استحضار جميع القواعد القانونية التي تنظم السير والمرور والجولان، من أجله لابد من التفاعل مع معطيات الترسانة القانونية والتنظيمية لهذا القطاع وإلا فإن الحرب ستطول وإذا ما طالت سيترتب عنها حتما خسائر مادية وخيمة.



















