أمل عكاشة
في سبيل تطلع المغرب إلى رهان الانتقال إلى الطاقات الخضراء والاقتصاد الخالي من الكربون وتطوير الطاقات المتجددة، ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، نهاية الأسبوع الماضي، مراسيم تقديم البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد للمجمع الشريف للفوسفاط (2023 – 2027) وكذا توقيع مذكرة التفاهم المتعلقة بالبرنامج مع الحكومة.
ويأتي هذا الاستثمار البالغ 130 مليار درهم، في سياق تعزيز المكتسبات، حيث ضاعف المغرب خلال العشرية الأخيرة من إنتاج الأسمدة إلى ثلاث مرات، كما رفع من حصة امتلاكه في السوق الدولية إلى نحو 31 في المئة، فضلا عن تعزيز ثقله الدولي من خلال افتتاح فروع صناعية وإنتاجية في 16 بلدا، كل ذلك وأكثر، مكن من رفع قيمة الصادرات من الفوسفاط إلى مستوى قياسي، بلغ 9,5 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من السنة.
والجدير بالتنويه أن هذا البرنامج، اعتمد على قدرات البحث والتطوير التي تزخر بها جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P) مستفيدا من التكنولوجيات الصناعية والرقمية الجديدة، ومن الخبرات المطورة في مجال التقنيات المبتكرة للتسميد المعقلن القادرة على رفع تحديات الفلاحة المستدامة وتعزيز الأمن الغذائي.
ويرتكز هذا البرنامج أساسا، على الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة، مع الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل سنة 2040، كما يسعى إلى الاستثمار في الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، من خلال تزويد جميع منشآتها الصناعية بالطاقة الخضراء بحلول سنة 2027، فضلا عن التمكن من تزويد المنشآت الجديدة لتحلية مياه البحر، في تلبية احتياجات المجموعة، وكذا تزويد المناطق المجاورة لمواقع المجمع الشريف للفوسفاط بالماء الصالح للشرب والري.
أما على المستوى البعيد، فتتطلع المجموعة إلى وضع حد لاعتمادها على استيراد الأمونياك، وذلك عبر الاستثمار في سلسلة الطاقات المتجددة – الهيدروجين الأخضر – الأمونياك الأخضر، مما سيمكنها من ولوج سوق الأسمدة الخضراء بقوة.
وبالموازاة مع ذلك، ومن أجل بروز منظومة بيئية وطنية مبتكرة، وخلق فرص جديدة للشغل والإدماج المهني للشباب، سيتم تعزيز هذا الاستثمار ببرامج دعم 600 من المقاولات الصناعية الصغرى والمتوسطة وكذا المقاولات الفاعلة في قطاعي الطاقة والفلاحة، كما سيتم خلق 25 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر.
ولعله من البديهي القول أنه إذا كانت الطبيعة جادت علينا بمعدن الفوسفاط النفيس، فإن العماد والرهان على الاستدامة والتدبير المعقلن للمورد الطبيعي المحدود، وهو ما جعل التطوير والتأقلم مع متطلبات الطاقات النظيفة أمرا محتوما، ولكن يبقى التحدي في كيفية تلبية الطلب المتزايد على الفوسفاط بطريقة مستدامة؟
يعتبر المكتب الوطني للفوسفاط أن الإجابة تكمن في “الميمات الأربعة، المتجسدة في كل من: السماد الملائم، الكمية الملائمة، الوقت الملائم والمكان الملائم”. حيث يمكن أن تفتح التطورات التي توفرها التكنولوجيا الحديثة الطريق أمام أفضل الأساليب لتطبيق هذه القاعدة، كما سيساعد ذلك الفلاحين على فهم ما هو أنسب للاحتياجات الخاصة للتربة، وبالتالي تمكينهم من استخدام ما تحتاجه المحاصيل فقط، الأمر الذي سيجعل من هذه الأسمدة المبتكرة والمشخصة قادرة على تحسين مردودية الأراضي الصالحة للزراعة في جميع أنحاء العالم بأقل تأثير ممكن على البيئة.

















