لمياء السلاوي
مرت عشرات السنين و نحن نحلم ونوعد بالنهضة والإصلاح. تنوّعت الأطروحات والزعامات وتكرّرت المحاولات، وفي كل مرة تخيب الآمال وتتحطّم الأحلام ولنفس الأسباب: حسابات خاطئة وخطط ارتجالية، وأداء هزيل لنخب نرجسية وانتهازية تستبيح كل شيء في صراع وجودي لاحتكار السلطة بلا ضوابط ولا محرمات سرعان ما يتمخض عن هيمنة وإقصاء يقابلهما خضوع تحته تربص وتعويق ومراهنة على الفشل، وتَطَبّع المغلوب بطباع الغالب، وارتهان الفرقاء والبلاد للخارج، مما يفتح الثغرات ويستدعي الأطماع والمؤامرات، وتُدار البلاد بالترقيع والمسكنّت وتتدحرج نحو الإستبداد والتبعية والفساد.
المغرب تغير خلال عشرين سنة الماضية، و هو ماض في التغير، تغير على كل المستويات، و هذا ما طلبناه، مغرب مزدهر، لديه من الإمكانات ما يجعله يتربع على عرش قوائم عالمية لم لا؟؟.. لكن، ماذا فعلنا نحن كمواطنون تجاه هذا الوطن، ما الذي قدمناه له؟، لا شيء، ما دام بيننا من هم لا يحترمون هذه الأرض، و لا يساهمون في ازدهارها، بل بالعكس، يساهمون في تراجعها….
عندما نحب وطننا على نفوسنا أن ترتقي… فمن يريد أن يساهم في النهوض بوطنه وشعبه عليه أن يبدأ بإصلاح نفسه والإرتقاء بها، فتغيير الأوضاع يبدأ بتغيير النفوس والعقول التي أصابتها تشوهات. مطلوب إحياء مفهوم التزكية وتحفيز الفرد للسعي نحو الكمال والإحسان والإتقان في كل شيء من خلال إحياء الفهم الرسالي للحياة وللدين، وجوهره المتمثل في المعاملة وخدمة الصالح العام، وترسيخ الحس الوطني. ولنا أن نتصور حجم التأثير الإيجابي الذي سيحدثه التطور المستمر والوعي المتنامي لأعداد متزايدة من المواطنين.
السلوك اليومي، مطلوب أن نفكر ونتصرف كمواطنين أحرار كرماء شركاء في الوطن، وليس كأجراء أو مستأجرين أو ضيوف أو متفرجون. عندها سنقطع مع السلبية ونحرص على وطننا وشعبنا كما نحرص على بيوتنا وأهلنا، وندافع عن حريتنا وكرامتنا كما ندافع عن نفسنا ونرفض الذل ونتصدى للظلم وننصر المظلوم، ولقد لعن الله أقواما بسبب سلبيتهم، ومن لم يكن جزءا من الحل فهو جزء من المشكلة، والحقوق الطبيعية لا تطلب أو تمنح، بل تمارس أمرا واقعا حتى تتحول إلى أعراف وقوانين.
لكي نسعد بوطننا، مطلوب أيضا التمسك بالحقوق التي يكفلها القانون والدستور كاملة، واحترام القوانين المعقولة وأداء الواجبات والإلتزامات كاملة. فالعديد من التجاوزات والمظالم والإنتهاكات مخالفة للدستور وللقانون، وهي مستمرة فقط لقبول الناس بها، وفي المقابل لا يمكن نيل الحقوق إذا كان الكل مخلا بواجباته.
أما القوانين الجائرة فلا بد من مقاومتها سلميا ومدنيا إلى أن تلغى أو تعدّل كما فعلت روزا باركس الملقّبة بأم الحريات المدنية، وهي أميركية من أصول أفريقية رفضت سنة 1955 التخلي عن مقعدها في الحافلة لرجل أبيض متمردة على القانون، فأوقدت شرارة ثورة أنهت العنصرية والتمييز وغيرت الأعراف والقوانين، وتوالت الإنجازات حتى أصبح أوباما رئيسا لأميركا.
فتمسك المواطنين بحقوقهم الطبيعية والقانونية واحترامهم للقانون وأداؤهم لواجباتهم ومقاومتهم للظلم والذل والقوانين الجائرة كفيل بتقدم المغرب.
الأسرة، الفرد والأسرة كلاهما نتاج للآخر، والنتيجة إما نهوض بلا سقف وإما انحدار بلا قاع. مطلوب القطع مع الطريقة العشوائية التي تبنى بها الأسرة وتدار شؤونها، وإعداد الفرد لبناء أسرة تكون محضنا تربويا وكيانا فاعلا في المجتمع ولا تكتفي بتلبية الحاجات المعيشية على حساب الروح والفكر، ومن دون أي اهتمامات أو أنشطة، فالأسرة هي أهم مؤسسة تعليمية وتربوية واقتصادية فهي المدرسة الأولى، وتنتج الموارد البشرية وهي الأهم.
كذلك على المواطن الذي يحب وطنه الانخراط في الشأن العام، المواطنة والشراكة في الوطن تترجم إلى إيجابية وانخراط مكثف في الشأن العام مع تغليب للمصلحة الوطنية. والعمل العام يشمل كل جهد يعود بالنفع على الوطن والمواطنين. مطلوب من كل مواطن المساهمة في بناء وتحديث وتطوير مؤسسات المجتمع المدني الإعلامية والمهنية والحقوقية والرقابية والفكرية والثقافية والبحثية والعلمية والإجتماعية والشبابية والرياضية والخيرية والتطوعية والخدمية والتنموية والأوقاف وكل ما يحتاجه المجتمع من مؤسسات غير حكومية وغير حزبية لتوعية وتأطير وتفعيل وخدمة أكبر عدد من المواطنين في مختلف المجالات حتى يصبح المجتمع عصيا على الإستبداد والإنتكاس. فالفضاء العام ليس ملكا للحكومة والنخبة، والسياسة ليست إلا أحد مجالاته، ولا ينبغي للشعوب أن تترك الشأن العام للنخب وتعتمد على الحكومة والأحزاب لإصلاح الأوضاع وتحقيق الآمال.
صحيح أن الاستبداد لم يبق للمواطن الحافز والفرصة للإنخراط في الشأن العام وأضعف لديه الحس الوطني وأشغله بنفسه وألهاه بشتى الوسائل، فتوارثت الأجيال الإستقالة من الشأن العام والميل إلى الخلاص الفردي، ولكن النهوض يقتضي التخلص من تلك العقليات والسلوكيات وتحفيز الأفراد لتغيير ما بأنفسهم وأوضاعهم فتنشأ علاقة تفاعلية بين صلاح الناس وصلاح الأوضاع تفضي إلى نهضة مستدامة.
و الآن نصل إلى العمل السياسي،عمل يحتاج إلى ترشيد حتى لا يتحول إلى أفيون ولا يكون ضرره أكبر من نفعه. فالمشاركة السياسية ليست لغوا في المقاهي والمجالس أو متابعة سلبية للأخبار، ولا ينبغي أن تقتصر على التصويت وموسم الإنتخابات، بل هي فهم لحقيقة ما يجري ومواكبة لأداء المسؤولين وتواصل معهم، وفعل مؤثر يوجه السياسيين والسياسات لخدمة الشعب والوطن، مع التركيز على العمل السياسي المحلي.
على المواطنين (المنتمين للأحزاب وغير المنتمين) أن يعملوا على تحديث وتشبيب الأحزاب والجمعيات القائمة من داخلها ومن خارجها ودفعها باتجاه الإنفتاح وتغليب المصلحة الوطنية ومقاومة الإنغلاق والتعصب، ويشمل ذلك التصويت الواعي على أساس البرامج والمؤهلات والأداء والإنجازات، فلا يتعصب الناخب ولا ينخدع بالوعود والدعاية.
اجعلوا المرشحين يطلبون أصواتكم ويقنعوكم بالتصويت لهم، فهم ليسوا نجوم كرة أو سينما، بل رشحوا أنفسهم ليكونوا مندوبين عنكم، فعليكم أن تختاروهم بعناية وتراقبوهم عن كثب وتنصحوهم وتسألوهم باستمرار وتدعموهم إن أحسنوا وتقوّموهم وتستبدلوهم إن أساؤوا.متى تستفيقون من نومكم العميق؟، متى تساهمون في تقدم بلدكم؟، نحن من نصنع الوطن، فلنبدأ إذن بأنفسنا…..