سهيلة أضريف
على غرار مدن أخرى، تخوض السلطات المحلية منذ أيام، حملة ميدانية لتحرير الملك العمومي وتهم هذه الحملة بالأساس المقاهي والمطاعم و “المحلات ” التجارية التي تستغل المجال العام بدون أي سند قانوني. ووسط ترقب وانتظار؛ يتابع الرأي العام المحلي والوطني عن كثب هذه العملية التي طالما انتظرها وأيدها، بعد الاحتلال الخطير للملك العمومي وما يترتب عنه من مشاكل اجتماعية وانفلاتات أمنية، فضلا عن عرقلة عملية السير والجولان وتعريض حياة المواطنين للخطر.
وسبق للحكومة السابقة أن صادقت بتاريخ 18 مارس 2021 على مشروع قانون رقم 03 .19 المتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة في صيغة جديدة، يروم هذا المشروع الذي قدمه وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء السابق توفير ضمانة حمائية للملك العمومي، مع وضع قواعد تأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذه الأملاك وتوجيهها نحو احتلال أمثل وتفعيل جاد للمساطر التي تنظم هذا الإجراء؛ دون إغفال لحقوق الراجلين ومستعملي الطريق.
وأعطى هذا القانون دفعة قوية لإعادة الاعتبار للملك العمومي بعدما عرف سيطرة، سواء من طرف الباعة الجائلين أو من قبل أرباب المقاهي أو الوحدات التجارية التي لم تعد تكترث بالقانون أو بالتنظيم.
كما ينص مشروع هذا القانون على تخصيص مقتضيات تهم المرافق العمومية التي يتطلب عملها التواجد فوق الملك العمومي، مع إلزام الإدارة بدراسة طلب الاحتلال داخل أجل لا يتعدى ثلاثين يوما، فضلا عن اعتماد مدة أربعين سنة بالنسبة للمشاريع الاستثمارية قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة أقصاها أربعون سنة مع بعض الاستثناءات وكذا منع أي تفويت لرخص الاحتلال، تحت طائلة إلغاء الرخصة.
كما يشمل التنصيص على منح التعويض عن الضرر لفائدة أصحاب رخص الاحتلال المؤقت في حالة سحب هذه الرخص قبل انتهاء أجلها، من أجل المصلحة العامة إضافة إلى وضع قواعد خاصة لعملية إرجاع الملك العمومي المحتل للدولة، مع فرض عقوبات مالية صارمة في حال الإخلال بمقتضيات هذا النص، دون الإخلال بالعقوبات الزجرية المنصوص عليها في القانون.
وللإشارة، فالجماعات الترابية بدورها بدأت تسعى إلى تنظيم ممتلكاتها بواسطة قرارات الشرطة الإدارية التي تنظم عملية الترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العمومي الجماعي لأغراض تجارية أو صناعية أو مهنية أخرى.
إن الحملة التطهيرية لتحرير الملك العام، لطالما انتظرها المواطنون، لكن بعدما تحول الأمر إلى مناوشات وصراعات، فضلا عن تحويل بعض الشوارع والأزقة والأرصفة إلى ممتلكات تطاول عليها سواء التجار أو المهنيون والباعة الجائلون وأصحاب المهن غير المنظمة. وبعدما شكلت الظاهرة تهديدا صريحا لحق المواطن في السير والجولان وعرقلة عملية السير، اضطرت معه السلطات المحلية إلى التدخل العاجل من أجل وضع حد لهذه الفوضى التي نتح عنها نوع من التسيب.
الدولة أو الجماعات الترابية لا تمنع الاحتلال المؤقت للملك العام، بل هي تسعى من ورائه إلى جلب مداخيل تعزز ميزانية الخزينة العامة أو الجماعات الترابية، لكنها وضعت لذلك شروطا لا ينبغي تجاوزها بل من اللازم احترامها وإلا فإنها ستكون ملزمة بسحب ذلك الترخيص كلما شكل ذلك الاحتلال خرقا للنظام العام أو عرقلة عملية السير والجولان ، فكل ما تقوم به السلطات المحلية من إجراءات بخصوص تحرير الملك العام، فهو يصب في اتجاه واحد يتمثل في تنظيم هذا الاستغلال ووقف كل تعد على هذا الملك، مع ضمان الحقوق الدستورية للمواطنين في السير والجولان. فإذا كان هذا الإجراء قد استنكره البعض، لاعتبارات تمس النشاط التجاري أو الاقتصادي، فإننا نقول بأن أي نشاط كان تجاريا أو اقتصاديا لا يسعى إلى احترام القانون والإجراءات المسطرية والتنظيمية ويشكل تهديدا للأمن العام، فهو غير مقبول قانونا.
فكفانا تسيُّبا، لأن احترام النظام واحترام حقوق الغير هي المقياس الحضاري لازدهار الأمة وتنميتها، اعتبارا لكون العشوائية لم تكُن قط سبيلا للتقدم والازدهار.