لمياء السلاوي
إذا كانت الفعّاليات النسائية يشتكين من ضعف تمثيلية المرأة المغربية في مراكز القرار، ويحمّلن الفاعل السياسي مسؤولية ذلك، فإن الدراسات التي أنجزت في عدة مدن مغربية ذهبت إلى عمق الشخصية المغربية، لتستخلص أن النظرة التي يُنظر بها إلى المرأة، والتي ترى فيها كائنا عاطفيّا ورقيقا، هو ما يفسر ضعف تمثيلية المرأة المغربية في عالم السياسة، وولوجها إلى المناصب السامية، “التي تتطلب شخصيّة قوية وكثيرا من الحزم”.
تقول دراسة ميدانية ، أجريت في العديد من المدن المغربية مرخرا، والتي شملت النساء من كل المستويات الاجتماعية، وتلاميذ المدارس، إنّ نظرة المرأة المغربية لنفسها، لا تخرج عن نطاق كونها تتسم بالمودة والحساسية والنعومة والأنوثة، حيث تعبّر النساء عن مشاعرهن بشكل صريح، فيما يميل الرجال، وإن كانوا قد مرّوا بدورهم من لحظات الفرح أو الحزن أو الغضب، إلى إخفاء أحاسيسهم وضبط النفس.
هذه الاختلافات بين المرأة والرجل، وإن كانت “طبيعية”، تضيف الدراسة، إلا أنها تحمل وجها آخر غير طبيعي، وهو أنها تعطي لكل واحد منها (المرأة والرجل)، مميزات معينة ووضعا خاصا، وهو ما يؤدي إل وضع تراتبية بينهما، حيث يتم تقديم الرجل على أنه أكثر تركيزا على أهدافه ولديه قدرة كبيرة على ضبط النفس، وبالتالي يكون مؤهّلا لشغل مناصب المسؤولية واتخاذ القرارات الهامّة، فيما يُنظر إلى النساء على أنهن يركزن على ذواتهنّ وعلى غيرهن، وينخرطن في خدمة الآخر، لكونهنّ أكثر إنسانية.
وإذا كانت هذه الصفات الملتصقة بالمرأة المغربية في نظر المجتمع المغربي تمنعها من تولّي المسؤوليات الكبرى وتحتل مراكز القرار، فإنّ هذه الصفات في المقابل تجعل الإقبال على المرأة في مجال العمل كبيرا، حيث يزداد الطلب على اليد لعاملة من النساء، وذلك بسبب بعض الخصائص التي تعتبر المرأة خاضعة ومطيعة وتنفّذ الأوامر ولا تشارك في الأنشطة النقابية؛ كما أن المشغّلين يستقطبون النساء نظرا لقبولهن العمل لنصف الوقت، أو خلال أوقات غير ملائمة، لتخلص الدراسة إلى طرح سؤال مهم حول ما إذا كان عمل المرأة في كثير من الأحيان مصدرا لـ”لاستغلال والتمييز”.
“هيْبة الرجل لا تُمسّ”
في مقابل اعتبار المرأة حنونة وعطوفة وحساسة، فإن المستجوبين اعتبروها، فيما يخص القيام بالأعمال المنزلية، شجاعة ومثابرة ومتعدّدة المهامّ حيث تربّي الأطفال، وتقوم برعاية أفراد الأسرة، والتسوّق، إضافة إلى ممارسة نشاط مهنيّ يسمح بالمساهمة في تغطية نفقات الأسرة، فيما النساء في العالم القروي بقدر ما هن ربات بيوت، فهن يساعدن أزواجهن في الأشغال الفلاحية؛ ومن هنا يستخلص المستجوَبون أن المرأة تتميّز بالشجاعة والتضحية، التي تظل حكرا على النساء.
وعلى الرغم من أن المرأة تقوم بهذه المهام المجتمعة، وتعمل داخل البيت وخارجه، إلا أن الرجال لا يقدّمون يد العون لزوجاتهم داخل البيوت إلا في نطاق محدد، حيث اعترفت النساء المستجوَبات في العالم الحضري أن الرجال بدؤوا يساهمون بنسبة قليلة في بعض المهامّ المنزلية، لتخفيف العبْء عن المرأة، لكنّ الأشغال المنزلية التي يقوم بها الرجال، لا يجب أن تمس بوضعهم التقليدي كـ”رجال”، ومن ذلك مثلا، القيام بغسْل الأواني والملابس؛ أما في العالم القروي فإن الرجل الذي يقدم يد العون لزوجته في الأعمال المنزلية يكون عرضة للسخرية من قِبل أهل القرية، وتُلصَق به صورة الرجل الخاضع لسيطرة زوجته، لذلك لا تتعدّى حدود مساعدته لزوجته نطاق بعض الخدمات الخارجيّة، كالتسوّق.
إذا كانت هذه الأفكار “التقليدية” حول المرأة والرّجل ما تزال مترسّخة في أذهان الفئات الأكبر سنا، فإنّ الشباب والمراهقين لديهم نفس الأفكار، إذ يرى المستجوبون من التلاميذ أن الرجل لا يقوم بالأعمال المنزلية لكونه يشتغل خارج البيت، ويلبّي الاحتياجات المالية للأسرة، كما يرْون أن للرجل مسؤوليات متعددة، تجعله يستحق الاحترام، ليس فقط على الصعيد الأسري، بل على صعيد المجتمع بأسْره؛ أمّا فيما يتعلق بالقيام بأعمال المنزل، فإنّهم يرون أن الرجل يمكنه أن يساعد في الأشغال المنزلية، دون أن تقاسمها مع المرأة.
بدورهن، تعتقد التلميذات أن المرأة، وعلى الرغم من تعدد مهامها، إلا أنها تبقى “أقل درجة من الرجل”، وأن الرجل وحده له قيمة اعتبارية، لكونه هو المنوط به العمل خارج المنزل والتكفّل بنفقات الأسرة؛ وترى التلميذات المستجوبات أن الرجال كانوا، وما يزالون يحتكرون السطلة، وأنهم “هم الذين قرروا عبر التاريخ توزيع المهامّ بين الجنسين، ويقومون بتقييم أدائهنّ لهذه الأدوار، دون أن يكون هناك في المقابل من يقوم بتقييم الرجال في أداء أدوارهم”.
مهمّة المرأة.. الزواج وتكوين أسرة
إذا كانت المرأة المغربية حققت عدّة مكتسبات منذ الاستقلال، واستطاعت أن تتعلم وتعمل وتقتحم عددا من المجالات التي كانت حكرا على الرجل، فإن المجتمع ما زال يحصر المكان “الملائم” للمرأة في بيتها، حتى في أذهان الشباب والمراهقين، ومن الجنسين معا. تقول تلميذة من بني ملال “يمكن للمرأة أن تتابع دراستها، ولكن ليس من أجل العمل، فلا بدّ أن تتزوّج”، ويقول تلميذ آخر من ضمن المستجوبين “ما أهمّية العمل إذا لم تكن المرأة متزوّجة؟”.
من خلال إجابات المستجوبين، خلصت الدراسة إلى أنّه رغم التطور الإيجابي الذي عرفته وضعية المرأة المغربية منذ الاستقلال، إلاّ أنّ الفكرة الراسخة في بعض الأذهان هي أنّ الأمومة بالنسبة للمرأة هي قدُرها الطبيعي، وهي الفكرة التي ما زالت تكرّسها بعض التوجيهات الصادرة عن الأمّهات تجاه بناتهن ذات شواهد عليا، من قبيل “أريد أن أراك في مطبخك”، أو “ما جدوى شواهدك إذا لم تكوني متزوّجة”.
أمّا بالنسبة للمرأة التي تسعى إلى فرض نفسها، وتتولّى مهامّ قيادية، فإنّ صورتها تظل إيجابية أحيانا، وسلبيّة في الغالب، تقول برلمانية “ترشّحت للانتخابات في دائرة قروية، وكنت أذهب هناك وأشتغل حتى منتصف الليل، وكان يستقبلني عضو بالحزب في كل مرّة ألتقيه يناديني بـ”السي” فتيحة، فوجئت في البداية، لكن فسّرت ذلك بنوع من الفخر بي والثقة تجاهي وفي القوت نفسه بنوع من الإهانة لي”.
وخلُصت الدراسة إلى أن الصور النمطية التي غالبا ما تؤطر العلاقة بين الجنسين في الفضاء العام والخاص على حد سواء، هي متجذرة في الوعي الجماعي، وتقدم المرأة في صورة سلبية رغم التطور الذي عرفته وضعية المرأة في المغرب، كما بيّنت الدراسة أن الرجال والنساء غالبا ما يتم تقديمهم بشكل نمطي في المخيّلة الشعبية، يقوم على تصور مفاهيم متناقضة، إيجابية بالنسبة للرجل وسلبيّة بالنسبة للنساء.