لمياء سلاوي
الجنةُ من دون ناسٍ لا تُداس”؛ مفاهيم وأقوال جاهزة تربى عليها الكثير من الأجيالِ،هذه المقولة التي تؤكد مدى حاجة الناسِ بعضهم إلى بعض، سواء كانت الحاجة إلى غرضٍ مادي أو معنوي، وهي صحيحة في أغلبها لكن كثيرا ما تصبح هذه العلاقات عبئا نفسيا يجتاز حدود المساحة الشخصية للفرد وتصبح معه مساحته مباحة لدخول الجميع.
وهنا تنشأ المشكلة، حين تتحول الزيارات المباغتة إلى غاراتٍ فجائية غير محسوبة وبلا جاهزية، تكللها المجاملات الاجتماعية التي تتحول إلى سكاكينَ خفية تصيب النفس، وغير هذا مما ينتج عنه الرياء والنفاق الاجتماعي في مجتمعٍ بات لا يفكر بأساليب الاستئذان واحترام المواعيد والأوقات.
كيف اذن ينشأ الإنسان في علاقاتٍ اجتماعية سليمة تكون بلسما لروحِه لا علقما يتجرعه صامتا أمام تبريرات مختلفة أو مجاملاتٍ هو في غنى عنها.
يمكن تحديد نوعية العلاقة الاجتماعية وحدودها من خلال المصالحِ المشتركة أو عمق تأثير الأخلاقيات المجتمعيةِ والدينية.
المصالح والتنافس
تنشأ العلاقة الاجتماعية بشكل أساسي نتيجة لعيش الإنسان في بيئة جماعية، فلا يخلق إنسان وحده ولا يظهر إنسان من عدم، ووجوده في بيئة جماعية يحتّم وجود تفاعل بين الأفراد سلبا وإيجابا، ويتأثر كل فرد بهذا التفاعلِ فتنتج العلاقات بين الفرد والآخر”..
وتكون العلاقات جماعية وذات أشكال مختلفةٍ، فتكون بين الأسرة الواحدة، فتوجد علاقة اجتماعية بين الأخِ وأخته، وتكون أيضاً في نطاقِ الحي الواحد مثل الجار وجارِه، أو في المدرسةِ حيث تتكون علاقات الأصدقاء، والمرافق العمومية كذلك وغيرها من دوائر العلاقات الاجتماعية المختلفة”.
هذه العلاقات تكون قوية أو ضعيفة سلبية أو إيجابية حسب طبيعة المصلحة والتنافس بين الأفراد أو سيطرة القواعد المجتمعية والأخلاقية من عدمه، وبذلك يمكن تحديد نوعية كل علاقة مع الآخرين وحدودها من خلال المصالحِ المشتركة وطبيعةِ التنافس أو عمق تأثير الأخلاقيات المجتمعيةِ والدينية في نفس الفرد والجماعة”.
حدود لا بد منها
مستشارةٌ نفسية وأسرية الدكتورة حسناء العلمي و في توضيح لها بخصوص الموضوع، أكدت لنا حدود العلاقات الاجتماعية و الجماعية ِ وكيفية تحديدِ أنواعها فتقول أن الوضوح شرط أساسي لأي علاقة، فعلينا أن نعمل جاهدين لوضع تلك الحدود وعدم السماح للآخرين بتخطيها والتعبير عما يزعجنا في علاقاتنِا مع الغير، وهذا من أجل إحكام الإمساك بدفةِ السيطرة فلا يصبح للآخر مجالا للتعدي، فنحن من يمنح الآخرينَ فرصة الدخول إلى حياتنا وبوسعنا منحهم إذن الخروج منها إذا لم يكن بيننا توافق”.
تتابع: “العلاقات الاجتماعية الصحية قوامها الثقة والالتزام والاحترام، وفي حالِ لم يكن مَن حولنا يتفهم هذا فإن الخيار المتاح في هذه الحالة هو التحدث بشكلٍ مباشر أو غير مباشر عن المشكلة لإيجاد حل لها، لعدم اختراق الخصوصية والاحتفاظِ بالاستقلالية”.
و تضيف المستشارة النفسية: “علينا أن نميز إذا ما كانت علاقاتنا الاجتماعية مع الأقارب والجيرانِ والمحيط هي علاقات صحيةٍ أم ضارة، يمكن معرفة ذلك من مدى الراحةِ التي نشعر بها معهم، ومدى تناسب وجودهم مع ظروفنا. في حال الشعورِ بالضيق والانزعاج أو غيره من مشاعر توترنا تجب إعادة النظر بصلاحيةِ هذه العلاقة وتأثيرها على جودة حياتنا”.
تؤكد: “يجب فهم ما تعنيه الحدود العاطفية والمادية، ففي الجانب العاطفي لا نسمح بالتطفل على مشاعرنا وحياتنا الخاصة، ووجود حد عاطفي يضمن قدرة التعبير عن الرغبات والأفكار مما يسمح بوجود تآلف اجتماعي أو العكس، فمن الممكن أن يتنافر اثنان لا يتفقان عاطفياً على حدودِهما”.
وفي الجانب المادي يجب أيضاً أن يتوافر حد، بوسعنا أن نراقبَ في أي زيارة ما مدى توغُّل الناس ببيوتِنا وممتلكاتنا، فقد يعبرون حيث تنام ويلمسون متعلقاتك بكل يسر، وهذا خاطئ ونابعٌ من فهم وتربيةٍ خاطئة، فالصواب توضيح الحدِّ وإلى أي قدر يُسمح للآخرين بالعبورِ في ممتلكاتنا، ويمكن إجبارهم على احترام هذه الحدود”.
الابتزازُ والأذى.. نهاية!
إذن وسطَ هذه الفوضى التي تخترقُ المساحات كلها ويصنعها الأحباء والأقرباء بقصدٍ أو من دون قصد، هل لها نهاية؟ ماذا نفعل إذا كان ضررُ العلاقةِ أكبر من نفعها؟ كيف نتصرف إذا أصبحتِ العلاقات الاجتماعية مؤذية
بعضُ التصرفات التي لا تروقنا هي نتيجة ضعفِ العلاقة لا قوتها، لأن العلاقات القوية تكونُ واضحة، أما العلاقات الضعيفة فتقوم على فرض سيطرة طرف على آخر فتحدث المجاملاتُ والرياء الاجتماعي، مما يجعل العلاقاتِ غير المريحة تستمر إلى زمنٍ طويل، وفي هذه الحالة يجب أن يُتخلص من أي علاقة اجتماعية تقوم على الابتزاز غير المباشر أو الأذى”.
يمكن ملاحظةُ علامات العلاقاتِ الاجتماعية غيرِ المريحة من خلال: الشعورِ بالتهديد أو العنف والنفور والمضايقة الجسدية والغيرة والتسلط على الآخر والقسوة في المعاملة والتحكم والجدال المستمر. كل هذه علامات على أن العلاقةَ القائمة مضرة للصحةِ النفسية والجسدية”.
وللخروجِ من العلاقات الاجتماعية غيرِ المريحة ينصح باتباعِ النقاط التالية: “ملاحظة العلامات: أي هل يوجد ما يضايقني ويجعلني لا أتصرف على طبيعتي؟، وضع خطة للخروجِ على مراحل: كالتقليل من نقاطِ الالتقاء والتجمعاتِ، وتكوين دعم: ويكون بالحصول على التأييد من الآخرين بكون هذه العلاقة غير صالحة للاستمرار لأبعد من هذا، وتغيير المكان أو العناوين: كي لا يحدث الوصول نهائياً، وفي الحالاتِ الكبرى التي تكون العلاقات فيها خطرة أو تهدد الحياةَ وتشكل تهديداً مباشراً عليها فيجب اللجوء إلى القانونِ، لأن المهم هو العيش في نطاق اجتماعي آمن”.
والآن أخبرنا هل أنت مستعد لإعادة النظرِ في طبيعة علاقاتِك الاجتماعية وصحتِها؟ هل ستظل ترضخ لما هو مفروض عليك من وجوهٍ تأتي لك في أوقاتٍ لا تروقك؟ أم يلزمك أن تملك وقتَك، وتحدد الإطارَ الزمني المناسب لكل من يريد أن يكون جزءاً من حياتك! أحياناً على المرءِ أن يكن صارماً ليمتلك حياته! وإلا فإنها تذهبُ سدى أمام الطوفانِ الاجتماعي الكبير! فاختر أنت نوعيةَ علاقاتك، وحدد أنت المساحةَ والزمن القابل للدخولِ إلى مملكتك!