أمل عكاشة
لم تُجدِ الإصلاحات الترقيعية لمنظومة التقاعد في طي الملف لأكثر من ولاية حكومية، فحكومة اليوم مضطرة لإيجاد حلول شاملة وفعالة لإنقاذ صناديق التقاعد من الإفلاس التام، إذ تفيد معطيات أن الصندوق المغربي للتقاعد، الخاص بمعاشات موظفي الدولة، يتوقع أن يستنزف احتياطه في أفق سنة 2028، في حين أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، المتعلق بمعاشات المتقاعدين في القطاع الخاص، فبدوره مهدد باستنزاف خزينته في أفق سنة 2038، أما النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الذي يعني الموظفين غير الرسميين في الدولة والجماعات الترابية وموظفي الهيئات العامة الخاضعة للرقابة المالية للدولة، فيرتقب أن يصل إلى نفاذ احتياطه سنة 2044.
وقد عرفت صيرورة إصلاح هذا الملف الثقيل، سياسيا وقتصاديا وتنمويا، محطة أساسية سنة 2013، حيث أصدرت اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح نظام التقاعد توصياتها من أجل الإصلاح، لم يفعَّل منها إلا توصية رفع سن التقاعد تدريجيا إلى 63 سنة، ثم فتح باب الانخراط في منظومة التقاعد في وجه عدد كبير من العاملين غير الأجراء، ومؤخرا تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة إلى 1320 يوما عوض 3240.
واليوم، أصبح الوضع يتطلب تدخلا استعجاليا، شاملا وبنيويا، ولعل ذلك ما جعل الحكومة الحالية تسارع لبدء أولى اجتماعات لجنة إصلاح أنظمة التقاعد، بحر الأسبوع الماضي، بمشاركة ممثلي المركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين.
ويبدو أن هناك وعي جماعي براهنية وضرورة خوض مسار الإصلاح، فقد اندرج الاجتماع في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، الموقع عشية فاتح ماي بين الحكومة والنقابات، كما أن إنشاء هذه اللجنة، نابع من الإرادة المشتركة في إطلاق حوار مفتوح وبناء، بهدف العمل على وضع منظومة التقاعد من قطبين “عمومي” و “خاص”، على حد قول وزيرة الاقتصاد والمالية.
ومن أجل استكمال مسلسل الإصلاح، الهادف إلى وضع منظومة تقاعد بقطبين، عمومي وخاص، كفيل بضمان حقوق المنخرطين الحاليين والمستقبليين، صادق المشاركون على منهجية عمل اللجنة والبرمجة الزمنية المحددة لأشغالها، اللتان ستمكنان من بلورة الإطار العام للإصلاح وخارطة الطريق لتزيله، وذلك قبل الجولة المقبلة للحوار الاجتماعي.
وحسب مصادر موثوقة، تتوزع الجدولة الزمنية لأشغال لجنة الإصلاح، انطلاقا من أكتوبر الجاري، حيث ستقوم بتحيين تشخيص الوضعية الحالية لأنظمة التقاعد، فيما ستقوم بين نونبر ودجنبر بعرض ومناقشة مخرجات الدراسة، أما في الفترة ما بين يناير ومارس، فتخصص للتوجهات الاستراتيجية لوضع تصور للإصلاح وخارطة الطريق، بينما يتم في أبريل 2023 اعتماد سيناريوهات الإصلاح والمصادقة على خارطة الطريق لتنزيلها، ليتم ابتداء من ماي 2023 الشروع في تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها.
أما عن خطة الإصلاح التي ترسمها الحكومة، فتقوم بالأساس على رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، ورفع نسبة المساهمة إلى 28 في المائة، كما تقترح اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي، يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص، وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد.
وتضيف نفس المصادر أن الحكومة تعتزم أيضا تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، مع تجويد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة، كما تتوخى رفع سن التقاعد إلى 65 سنة مع رفع نسب الاشتراكات في القطاع الخاص.
ولا شك أن ملف أنظمة التقاعد شائك وثقيل، وإن كان انخراط النقابات منذ المراحل الأولى يوحي بالعزم والإقدام، إلا أنه بالنظر إلى كثرة الأوراش الضخمة التي تخوضها الحكومة يشكك من قدرتها على الإصلاح، خاصة مع الإكراهات المرحلية المتعلقة بالجائحة والحرب الروسية الأوكرانية.
ولعل ما يزيد من حدة التشكك والإحباط، إعلان وزارة الاقتصاد والمالية مؤخرا التجاءها إلى ضخ 12 مليار درهم في الميزانية العامة لمواجهة تداعيات التضخم، بعدما استنزفت 16 مليار درهم التي أضافتها شهر يونيو لإسعاف صندوق المقاصة، فإذا كانت الحكومة تتعامل بطريقة جد تقليدية ومتجاوزة وبمنطق الحلول الترقيعية والمرحلية، فهل ستتوفق في حل مشاكل الطاقة العالمية المستعجلة وإتمام تنزيل ورش الحماية الاجتماعية ثم إصلاح أنظمة التقاعد؟ وحدها الأيام الآتية تملك الإجابة.


















