أمل عكاشة
بعد نداءات عديدة بتفعيل دوره، أصدر مجلس المنافسة، بحر هذا الأسبوع، رأيه بخصوص الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات في السوق العالمية وتداعياته على السير التنافسي بالأسواق الوطنية، محاولا الإجابة عن سؤال؛ هل الارتفــاع المســجل علــى مســتوى الســوق المحلـي، مرتبط بعوامـل خارجيـة ذات صلـة بتصاعـد أسـعار المـواد الأوليـة المسـتوردة، أم لـه صلـة بعناصـر أو ممارسـات محظـورة بمقتضـى قانـون حرية الأسعار والمنافسة؟
وبإعلانه عن خلاصة كون “نشاط توزيع الغازوال والبنزين يبقى جد مربح، نظرا لمستويات المردودية العالية التي يمكن اكتسابها منه“، يقدم التقرير تشــخيصا وتحليــلا لســير المنافســة فــي أســواق هــذه المنتوجــات، وكــذا نبذة عن بنيــة أســعار البيــع وهوامـش الربـح المحققـة مـن طـرف الفاعليـن الناشـطين فـي هـذه الأسـواق..
وبداية، وجب التذكير أنه، منذ توقـف نشـاط التكريـر بشـركة “سـامير” سـنة 2015، يعتمـد المغـرب حاليـا وكليـا علـى الـواردات لتمويـن حاجياتـه مـن المنتجـات النفطيـة المكـررة، مع التسطير على أن الشـركة المذكـورة كانـت تتولـى تأميـن أزيـد مـن 47 فـي المائـة مـن حاجيـات السـوق الوطنيـة مـن الغـازوال، وقرابـة 70 فـي المائـة مـن البنزيـن.
الهيمنة والتحكم.. سمة سوق المحروقات
تكشف المعطيات الواردة بالتقرير، على أن 52.7 فـي المائـة مـن الـواردات المسـجلة خـلال الفتـرة الممتـدة مـن 2018 إلــى 2021، أنجــزت مــن قبــل ثلاثــة فاعليــن، ويتعلــق الأمــر بشــركات” Afriquia SMDC “و” Vivo Energy Maroc ” .”TotalEnergies Marketing Maroc”
وعلى صعيد أعداد محطات التوزيع على التراب الوطني، يتمظهر وجه آخر للهيمنة على السوق، إذ تملك شركة Afriquia SMDC 563 محطة خدمة من أصل 2993 محطـة، وتملك Vivo Energy Maroc 392 محطة، في حين تملك 20 شركة منافسة ما مجموعه 519 محطة، وبالتالي تكون شركة Afriquia SMDC تملك ما تملكه 20 شركة منافسة.
حقيقة “أعذار” الأسعار العالمية
قبل السؤال عن هوامش الربح، يجب بداية معرفة طبيعة تأثير السعر العالمي على السعر المحلي، وذلك يتطلب توضيح محددات رئيسية لفهم الوضعية، فأولا ينبغي توضيح نسبة تشكُل السعر المحلي من سعر الخام، ثم كمية المبالغ المالية المستخلصة لصالح الضرائب..
وتجـدر الإشـارة إلـى أن أسـعار بيـع الغـازوال والبنزيـن لا تقاس مباشـرة بأسـعار برميـل بالنفـط الخـام، بـل بالأسـعار المرجعيـة للمنتجـات المكـررة المعروفـة باسـم “سـعر بلات للنفط” “Platts” وتحتسـب هـذه الأسـعار المرجعيـة اسـتنادا إلـى أسـعار خـام برنـت Brent) ) (نفـط منطقـة بحـر الشـمال) بعـد تكريـره، دون احتسـاب تكاليـف الشـحن ـ أو ما يطلق عليه التسـليم علـى ظهـر السـفينة Board on Free ـ ولا حتـى تكاليـف التأميـن أو واجبـات ورسـوم الميناء.
أما على مستوى الضرائب، فتشير معطيات التقرير إلى أن نسـبة الضريبـة الداخليـة علـى الاسـتهلاك، التـي تحتسـب وفقـا لحجـم الكميـات التـي جـرى اقتناؤهـا، بلغـت حوالـي 26 فـي المائـة بالنسـبة لسـعر بيـع الغـازوال و36 فـي المائـة بالنسـبة لسـعر البنزيـن خلال الفتـرة الممتـدة مـن 2018 إلـى 2021، بينمـا وصلـت إلـى 22 فـي المائـة فقـط إزاء سـعر الغـازوال و30 فـي المائـة إزاء سـعر البنزيـن خلال الأشـهر الأولـى مـن سـنة 2022 .
وازدادت الضريبـة علـى القيمـة المضافـة، منتقلـة مـن 0.82 إلـى 1.01 درهـما للتـر بالنسـبة للغـازوال، ومـن 0.94 إلـى 1.16 درهـما للتـر بالنسـبة للبنزيـن، مـا بيـن الفترتيـن 2021-2018 والأشـهر الأربعـة الأولـى مـن سـنة 2022 .
ونظـرا لكـون جـزء هـام مـن الضريبـة علـى القيمـة المضافـة يقتطـع مـن تكلفـة شـراء المنتـوج المكـرر، فـإن أيـة زيـادة فـي التكلفـة، كمـا هـو الحـال فـي الوقـت الراهـن، تتسـبب تلقائيـا فـي الزيـادة فـي مبلـغ الضريبـة المذكـورة، وتـدر، بحكـم الأمـر الواقـع، مزيـدا مـن المداخيـل فـي خزينـة الدولـة.
هوامش ربح حرة وواسعة..
تحتسـب هوامـش ربـح محطـات الخدمـة بأخـذ الفـرق بيـن سـعر الشـراء المطبـق مـن طـرف المحطـة (سـعر التفويـت بالنسـبة لشـركة التوزيـع) والسـعر النهائـي المعـروض فـي المضخـة علـى مسـتوى محطـة الخدمـة، وتعـد هوامـش ربـح شـركات التوزيـع، بمثابـة هوامـش خـام تجاريـة تكتسـب قبـل اسـتخلاص الضريبـة، وتحتســب بأخــذ الفــرق بيــن ســعر البيــع دون احتســاب الرســوم والتكاليــف المتعلقــة بشــراء المنتجــات المكــررة، وتضـاف لهـا تكاليـف التخزيـن، والنقـل والتوزيـع، وإيصـال المحروقـات إلـى محطـات الخدمـة.
وفي هذا الصدد، تتمتع شـركات التوزيـع وأربـاب محطـات الخدمـة بالحرية “المطلقة” في تحديد هوامــش الربــح الخاصــة بهــم، وفقــا للتكاليــف التــي يتحملونهــا، والاســتراتيجيات التجاريــة التــي ينهجونهــا، وتقييماتهـم لوضعيـة المنافسـة فـي السـوق..
وعمليا، نوضح هوامش الربح من خلال مثال من سنة 2021، وسنقتصر على شركة Afriquia SMDC باعتبارها رائدة في السوق..
اعتُبر معدل بيع لتر واحد من الغازوال سنة 2021 بثمن 9.12 درهما، بلغت فيه تكلفة الشراء الخام 4.72 درهما، فيما بلغ مجموع الضريبة الداخلية على الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة 3.25 درهما، أخذ منها الموزع ربحا ب0.78 درهما للتر وتاجر التقسيط 0.36، أي بمعدل ربح إجمالي 1.15 درهما.
والمثير للانتباه أيضا، أن هوامــش ربــح الموزعيــن شهدت ارتفاعــا ملحوظــا ســنة 2020، حيــث تجــاوزت ســقف درهــم واحــد للتــر لــدى جل الفاعليــن، بعدما كانت تتأرجح بين 0.5 و0.8 درهما، فيما سجلت شركة Afriquia SMDC زيادة إضافية في الربح قدرت ب0.69 درهما.
وبذلك تكون شــركات التوزيــع أضاعت فرصة الاستفادة مــن الانخفــاض الحــاد فــي الأســعار فــي الســوق الدوليــة الذي شهدته سنة 2020، من خلال اكتســاب حصــص ســوقية عــن طريــق المنافســة الحــرة، مفضلة الرفــع مــن هوامــش الربــح الخاصــة بهــا.
وتتعـزز هـذه الخلاصـة بالتحليـل المنجـز علـى مسـتوى العلاقـة الترابطيـة المشـار إليهـا سـابقا، حيـث انخفضـت الأسـعار علـى الصعيـد الدولـي بــ 1.73 درهـما للتـر الواحـد، فـي حيـن تراجعـت أسـعار البيـع فـي السـوق الوطنيـة بــ 1.18 درهـما للتـر الواحـد فقـط، أي بفـارق يقـدر ب 0.55 درهـما للتـر الواحـد.
وعلى صعيد آخر، لاحظت الدراسة قيام الفاعلــين بإجراء تغييرين أو أكثر في أسعار البيع لكل أسبوعين، على الرغم من أن العادة جرت على تغييره مرة واحدة خلال نفس المدة.
وتعزي الدراسة ذلك إلى التفــاوت الملحــوظ بيــن التغيــرات فــي أســعار بـلات (Platts) للنفــط الخاصــة بالمنتجــات المكـررة وأسـعار البيـع فـي السـوق الوطنيـة، بلجـوء الفاعليـن إلـى التمريـر الفـوري للزيـادات فـي عـروض الأسـعار، غيـر أنهـم فـي حالـة انخفاضهـا، يسـعون أولا إلـى التخلـص مـن مخـزون المنتجـات التـي قامـوا بشـرائها سـابقا بسـعر أعلـى، ويميلـون إلـى تكريـس هوامـش الربـح أو حتـى الزيـادة فيهـا.
المردودية لا تشجع على التنافس.. خلاصة المجلس
خلص مجلس المنافسة إلى القول بإن أسـواق الغـازوال والبنزيـن تتسـم بنسـبة عاليـة من التركيز، وذلـك بالرغـم مـن دخـول فاعليـن جـدد لـم يسـعف حجمهـم وإمكانياتهـم وأصلهـم فـي ضـخ ديناميـة تنافسـية جديـدة فـي هذه الأسـواق.
وفسّر المجلس ذلك بمسـتوى المردوديـة الماليـة المرتفـع للغايـة الـذي يمكـن أن يحققـه هـذا النشـاط، والـذي لا يشـجع الفاعليـن علـى التنافـس بواسـطة الأسـعار فـي هـذه الأسـواق، طالمـا أن النتائـج الإيجابيـة المتعلقـة بحسـاباتهم الماليـة تظـل مضمونـة أو شـبه مضمونـة، بصـرف النظـر عـن الظرفيـة أو عـدد الفاعليـن، وهـذه الوضعيـة تفسـر، إلـى حـد كبيـر، غيـاب خـروج أي مـن الفاعليـن مـن هـذه الأسـواق طـوال العشـر سـنوات الماضيـة.
فضلا عـن ذلـك، يؤكد المجلس أنه، وفـي الوقـت الـذي انخفضـت فيـه الأسـعار عالميـا سـنة 2020 وفـي النصـف الأول مـن سـنة 2021، لوحـظ أن هـؤلاء الفاعليـن فضلـوا مضاعفـة هوامـش ربحهـم بـدلا مـن السـعي إلـى الزيـادة فـي حصصهـم السـوقية عـن طريـق تطبيـق تخفيضـات هامـة فـي أسـعار البيـع.
ورغم القول الصريح في مشاكل سوق المحروقات بالمغرب، الذي يطبعه التحكم والجشع، وجب القول أن دراسة المجلس، رغم مجهودها ومصداقيتها، توجه لها ثلاثة انتقادات رئيسية؛ يكمن الأول منها في عدم تركيزها على مدى حضور الاحتكار في بنية المنافسة بين الشركات ومدى تأثير ذلك على وضعية الأسعار في السوق الوطنية، فمعلوم أن الشركة المحتكرة ترسم الطريق التي تجعل أي خصم لا يخضع لها، خارج المنافسة.
وهذا الأمر جعل من الدراسة، قاصرة على تأثيرات الأسواق الدولية على السوق المحلية، في حين أن المواطنين يشتكون أساسا من الممارسات “الجشعة” التي تنخر السوق الوطنية..
ويتجلى الانتقاد الثاني، في اعتماد الدراسة على مجموع الشركات العاملة في قطاع المحوقات، بشكل متساو ودون أدنى تمييز.. وهو وضع يخلق مؤشرات مغلوطة وغير دقيقة، وتكفي الإشاة هنا إلى مثال بسيط؛ تقول الدراسة إن “هوامــش ربــح الموزعيــن المتعلقــة بالغــازوال ســجلت ارتفاعــا ملحوظــا ســنة 2020، وتمثلت في أزيـد مـن 15 فـي المائـة مـن سـعر بيـع لتـر واحـد مـن الغــازوال، مقابــل متوســط بلــغ 9 فــي المائــة فــي الفتــرة مــا بيــن 2018 و2021” ولا تمكننا الدراسة من معرفة أي فكرة عن نسبة الفرق بين الحدين الأدنى والأعلى في ذلك، وغني عن البيان أن إعطاء نسب مئوية، لمجموعة تتضمن قلة شبه محتكرة، يخفي وراءه الكثير من الأرقام المتدنية لباقي الشركات..
وبالتالي نعتبر أن اعتماد الدراسة على مجموع الشركات العاملة في القطاع، دون اعتبار للهيمنة التي تعرفها شركات معينة، فيه تمويه واختزال لحقيقة الأرقام والمعطيات.
ثالثا وأخيرا، نعيب على الدراسة، اختيارها الزمني المتوقف عند شهر أبريل من السنة الجارية، وهو ما سمح بعدم إدراج المعدلات الخيالية التي وصلت إليها أسعار الغازوال والبنزين مؤخرا، حيث إن أقصى سعر تضمنه التقرير وصل إلى 9.41 درهما ـ وإن كنا نشكك في حقيقة الرقم ـ والحال أن الإشكال الحقيقي الذي يتطلب الدراسة والتحقيق هو وصول الأثمان إلى مبالغ ضخمة، تجاوزت ضعف ما ورد بالتقرير..