لمياء السلاوي
حينما يصاب أحد أفراد الأسرة الصغيرة بمرض قاسٍ، يعم الحزن بين باقي أفراد الأسرة، ويبدأ الأقربون والأصدقاء في عيادة المريض والتواصل معه ومواساته، وعادة ما يكون المريض قادرا على الانخراط في هذا التواصل العاطفي، لذا يشعر بشكل فائق بالدعم النفسي المقدم إليه، فيما تشعر العائلة بالامتنان لمن يبادر بالتواصل والدعم؛ ولكل تلك العواطف والمشاركة الوجدانية أثر إيجابي في تخفيف وطأة المرض على كل من المريض وأسرته.
ولكن ماذا لو أن المرض الذي أصاب هذا المريض يمنعه من هذا التواصل العاطفي والوجداني مع المقربين له، لدرجة أنه ينظر إلى كل من يعملون على رعايته وكأنهم أغراب لا يعرف عنهم شيئا؟ ماذا لو أن هذا المريض ليس لديه القدرة على تمييز الممرضة المقيمة معه عن أبنائه؟ أو باختصار: ماذا لو أن المريض مصاب بمرض الزهايمر؟
تحدثت الكثير من التقارير عن مرض الزهايمر وما يفعله في المصاب به، من تأثير سلبي في قدرة المريض على التمييز بين أسرته والأغراب، ولكن في هذا التقرير؛ نتحدث عن جانب مختلف من الأمر، وهو ما يتعرض له أقارب مريض الزهايمر وأسرته من تحديات نفسية وأزمات عاطفية بسبب رعايتهم لمريض لا يتذكر من هم بالأساس، وكيف يمكن لهم أن يتخطوا تلك العقبات النفسية؟
«زوجي لا يتذكرني»
ليس من السهل على امرأة عاشت مع زوجها أكثر من 20 عاما، اختبرا معا الحب والحنان وقسوة الحياة، أن ترى في عين زوجها نظرة استغراب من وجودها، أو اندهاش أو «توهان» كما تقول فاطمة 50 عاما عمَّا اختبرته مع زوجها مريض الزهايمر، الذي لا يتذكرها في أوقات كثيرة، كان آخرها وهي تناوله الدواء حين سألها: «شكون انت؟».
وقتها أحست فاطمة بالعذاب، وأن مشاعرها محطمة كليا، إذ كيف يمكن لزوجها ألا يتذكرها مهما حصل؟ مؤكدة أن مرض الزهايمر يضع حاجزا نفسيا بين المريض وأسرته يصعب إنكاره، تقول ذلك وهي تحاول أن تداري مشاعرها عن ابنتها التي لا يتذكرها الزوج أيضا في أحيان كثيرة، وهو ما يضع فاطمة تحت ضغط نفسي لا يطاق، وفق وصفها.
يقول الأطباء النفسيين المتخصصون في رعاية كبار السن: «إن تقديم الرعاية لمريض الزهايمر مرهق نفسيا لأهل المريض، لعدم توفر المكافأة النفسية»، ويقصد الطبيب بالمكافأة النفسية امتنان المريض أو التواصل الوجداني والنفسي بينه وبين مقدم الرعاية.
يمكنك أن تضعف.. لكن إياك والشعور بالذنب
من الناحية الجنسية ، فان إصابة الإنسان بمرض الزهايمر وما يرافقه من نسيان لمن حوله، لا يغيِّر من طبيعة احتياج المريض للحب والعاطفة، ولذلك يحتاج مقدم الرعاية لمريض الزهايمر طرقا جديدة ومختلفة للتعبير عن مشاعره للمريض، خاصة إن كان المريض زوجا أو زوجة، لأن المرض يؤثر سلبيا في العلاقة الجنسية بين الشركاء، وقد يفقد مريض الزهايمر في المراحل الأولى من المرض رغبته في ممارسة الجنس، وقد يتسبب إلحاح الطرف الآخر في مشكلات إضافية ومزيد من الحواجز النفسية.
لذا على أسرة مريض الزهايمر أن تتفهم أنه من الطبيعي أن يشعر أفرادها بالإحباط وأحيانا الغضب، سواء الغضب من المريض نفسه، أم من باقي أفراد العائلة الذين لا يقدمون أي مساعدة، لكن عند السقوط في تلك المشاعر السلبية، يجب ألا يشعروا بالذنب لغضبهم أو إحباطهم، لأن ما يشعرون به أمر طبيعي يواجهه كل مقدمي الرعاية لمرضى الزهايمر في أنحاء العالم.
وحتى لا يكون العبء غير محتمل في تقديم تلك الرعاية للمريض؛ يجب على مقدم الرعاية أن يضع أهدافا واقعية وقابلة للتحقيق لخطة رعايته، وذلك؛ لأن وضع أهداف مثالية تصيب مقدم الرعاية بالإرهاق والإحباط، فإذا كان هدف مقدم الرعاية هو أن يصبح مريض الزهايمر نظيفا ويتناول طعامه جيدا؛ فيجب قبول النجاح في هذه المهمة بنسبة 80% دون الشعور بالإحباط أو الإحساس بالذنب بسبب ما عجز عن تحقيقه.
«التواصل العاطفي ليس مستحيلا»
من أهم النصائح التي تقدم لأسر مريض الزهايمر ألا يفقدوا الأمل فيما يخص التواصل العاطفي والاجتماعي للمرضى، فالكثير من مرضى الزهايمر يظلون لائقين بدنيًّا ويحتفظون بقدرتهم على الشعور بالراحة والمشاركة في المناسبات الاجتماعية حتى درجة متأخرة من المرض.
لذا فإن الاستسلام للمرض، ولحظات عدم الإدراك التي تصيب المريض، والخجل من أن يصاب بها أمام الآخرين؛ قد يزيد من تدهور المريض، وفي هذا السياق يفضل أن تستمر أسرة المريض في توفير نشاطات اجتماعية مشتركة بينهم وبين المريض بما في ذلك الرحلات واستقبال الأقارب والأصدقاء.
ومن أهم الطقوس السعيدة والممتعة التي ينصح بها أسر مرضى الزهايمر بأن يمارسوها مع المريض، مشاهدة صور ومقاطع قديمة للأسرة والشخص نفسه في مواقف متعددة من الماضي، فبجانب أن هذا قد ينشط ذاكرته، فإنه سيدخل البهجة والسعادة على فترات رعاية المريض لمقدم الرعاية نفسه، حين يلمح نظرة تذكر أو تمييز من المريض تجاه تلك الذكريات، والذي قد يحدث بالفعل خاصةً مع الذكريات القديمة.
في المحصلة يوضح الطب النفسي لأسر مرضى الزهايمر، أن طلب المساعدة من الآخرين، أو الشعور بالضعف والغضب والإحباط ليس أمرا عليهم الخجل منه، فمن الطبيعي أن يتعرضوا لذلك، وسيكونون في حاجة للرعاية النفسية بطبيعة الحال، سواء من جانب متخصصين أم من خلال الدعم النفسي الذي يقدمه لهم الأصدقاء والمقربون.
الكشف المبكر
رشدي البقالي، رئيس جمعية “أمل المغرب للزهايمر”، يكشف عن معاناة المرضى وعائلاتهم مع هذا المرض الذي يدمر خلايا المخ، و يؤكد على أن الاكتشاف المبكر يساعد في التقليل من آثار حدة المرض، ويضيف: “هناك اعتقاد سائد بأن ذاكرة كبار السن، تبدأ في التراجع مع التقدم في العمر أو يصابون بالخرف، لذلك فإن أقارب المصاب لا يدركون حالة المريض، إلا في مرحلة متقدمة من المرض”.
ووفقا للمتخصص، يمر مريض الزهايمر بثلاث مراحل مختلفة؛ خلال المرحلة الأولى، يعاني الشخص من ضعف في الذاكرة، بالإضافة إلى صعوبة في تذكر الأسماء أو الأحداث، وفي المرحلة الثانية، تصبح مشاكل الذاكرة أكثر وضوحا ويعاني المريض من صعوبات على مستوى اللغة والحديث، كما يفقد المصاب استقلاليته وسيحتاج إلى المساعدة في ارتداء ملابسه أو القيام بأنشطته اليومية الطبيعية، وتعتبر المرحلة الثالثة أكثر حدة، لأن المريض يفقد القدرة على المشي أو التواصل، حيث يصبح المريض شبه فاقد للوعي، كما تشتد آثار الإصابة بالزهايمر في هذه المرحلة على العائلة والمقربين من المريض.
معاناة العائلات بين آثار المرض وغياب التكفل
بغض النظر عن تكاليف العلاج والمراقبة الطبية، يجب على أقارب المصابين بالزهايمر تكريس أنفسهم لرعاية المرضى، خصوصا أن هؤلاء يفقدون استقلاليتهم والسيطرة على أنفسهم، حيث يقدم معظم المصابين بهذا المرض على محاولة الفرار من المنزل بشكل يومي تقريبا، بسبب فقدان الوعي ومشاكل الذاكرة، التي يعاني من آثارها المحيط.
ويعتبر البقالي أن العائلات لا تعاني فقط من حدة المرض، ولكن أيضا من غياب الرعاية الصحية والتكفل بالتشخيص، الذي يتطلب زيارة طبيب متخصص في أمراض الجهاز العصبي وإجراء التصوير بالرنين المغناطيسي، حيث تفوق تكلفته 2000 درهم قبل بدء العلاج، الذي يكلف حوالي 1000 درهم في الشهر فبالنسبة للأشخاص الذين لا يتوفرون على رعاية صحية، فيتعين عليهم انتظار دورهم في المستشفيات العمومية، علما أن الرعاية الصحية متوفرة فقط في المدن الكبرى”.
وبمجرد القيام بالتشخيص، تبدأ المعاناة الحقيقية لدى محيط المريض، حيث يتعين، على أحد أفراد الأسرة، التضحية بنفسه ووقته، بشكل مطلق، وإيلاء أقصى قدر من الاهتمام بالمريض”.
ويشير البقالي إلى أنه، قبل الأزمة الصحية المرتبطة بانتشار فيروس “كوفيد-19″، كان أعضاء جمعية “أمل المغرب للزهايمر”، يقومون بزيارات متكررة لأسر المرضى، بهدف مرافقتهم وتقديم المساعدة اللازمة لهم، لكن الأزمة الصحية حالت دون استمرار الجمعية في زيارة المصابين بالزهايمر وأقاربهم من باب الوقاية، خاصة أن المرضى من فئة كبار السن، تعتبر أكثر عرضة للإصابة بعدوى كورونا هذا الوباء الذي لم يرد مفارقتنا.
مرض الزهايمر اليوم، أو مرض الخرف كما كان يسمى سابقا أصبح متداولا بشكل كبير للأسف، فمن لم يصبه الزهايمر عند كبره يكون اليوم قد نجا من مرض العصر، فأغلب حالات الوفاة لكبار السن ترفقها الإصابة بالزهايمر، و ذلك لأن ضغوطات الحياة أصبحت تأثر سلبا على أعصاب و ذاكرة الصغار و الكبار، و ببلدنا لا يحظون حتى بالرعاية النفسية الواجبة، ليبقوا عرضة للمجهول، لذا نشدد على وجوب توفير مراكز الرعاية للأشخاص المصابين بمرض الزهايمر بالمغرب، من شأنها تقديم الرعاية الصحية لمرضى الزهايمر وإدارة الخدمات الطبية، بالإضافة إلى إحداث قطب نفسي اجتماعي من أجل التخفيف من معاناة العائلات وأقارب المرضى



















