أمل عكاشة
زخر خطاب عيد العرش المجيد، بمضامين جمة، أعطت محددات واضحة لمعالم مغرب المرحلة المقبلة، فلاطالما رسمت الخطب الملكية الطريق أمام المسالك الصعبة كما اليسيرة، واضعة أسس الاستقرار والطمأنينة، بما تحتاج كل مرحلة من متطلبات التغيير والتجديد، مُنصِّبة في تطلعاتها الازدهار والتقدم.
وتجسيدا للصدق والأمانة المعهودين في الخطب الملكية، صارح جلالة الملك شعبه بالتحديات التي تواجه الوطن، مبرزا أن الوضعية الحالية تطبعها ظروفا متقلبة، ناتجة عن تداعيات الجائحة وانعكاسات الأزمة الدولية.
وبرمزية وفحوى الآية الكريمة “إن مع العسر يسرا”، أعلن جلالته عن خارطة الطريق التي ستمكن من رفع التحديات، سواء الداخلية والخارجية، والرسو بالتالي على بر التقدم والنماء، إذ أطلق جلالته تصورا طموحا متعدد الأبعاد، يجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود في توطيد الاستقرار الاجتماعي، إلى جانب النهوض بوضعية المرأة والأسرة، مع تعزيز قدرات الاقتصاد الوطني..
الاستقرار الاجتماعي عماد مغرب التقدم والكرامة
يعتبر الخطاب الملكي بصريح العبارة، أن تقدم المغرب سيبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية، ففي مغرب اليوم، يقول جلالته، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها.
ويؤكد الخطاب الملكي، على أن الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية، حتى تتمكن من تحقيق المشاركة الكاملة في التنمية المغربية، على صعيد كل المجالات.
وفي هذا الصدد، أشار صاحب الجلالة، إلى الوضعية التي أضحت تعرفها مدونة الأسرة، معتبرا أنها أصبحت غير كافية، لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة وتحول دون تحقيق أهدافها.. وفي ذلك، دعا جلالته إلى اعتماد المدونة بصفتها تقوم على التوازن، تعطي للمرأة حقوقها وتعطي للرجل حقوقه وتراعي أيضا، مصلحة الأطفال.
وفي رسم طريق الصلاح، شدد جلالة الملك على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، للمقتضيات القانونية، مع العمل على تعميم محاكم الأسرة، على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة، ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب، كما دعا في نفس الإطار إلى تفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها.
تعزيز التضامن الوطني رهان تخطي التحديات
استكمالا لمسلسل الدعم والتآزر الفريد من نوعه، الذي قاده صاحب الجلالة، لحماية البلاد ومواجهة الظروف الصعبة التي ما فتئت في استمرار، دعا جلالته إلى مأسسة وتنظيم هذا الدعم، من خلال الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم وضمان نجاعته.
أما على صعيد الوضع الاقتصادي الوطني وتأثراته بالأوضاع الدولية، فيؤكد قائد البلاد على أنه علينا أن نبقى متفائلين ونركز على نقط قوتنا، مشيرا إلى أنه بفضل تضافر جهود الدولة والقطاعين العام والخاص، تمكن الاقتصاد الوطني من الصمود، في وجه الأزمات والتقلبات.
وللاستمرار في المواجهة، في أفق الاستعادة الكاملة لتعافي الاقتصاد الوطني واسترجاع قوته والمضي في الازدهار، يدعو جلالة الملك إلى تعزيز آليات التضامن الوطني، والتصدي بكل حزم ومسؤولية للمضاربات والتلاعب بالأسعار، بشكل يجعل المغرب يستفيد من الفرص والآفاق، التي تفتحها هذه التحولات، لاسيما في مجال جلب الاستثمارات، وتحفيز الصادرات والنهوض بالمنتوج الوطني.
وفي ذلك، دعا جلالته الحكومة والأوساط السياسية والاقتصادية، للعمل على تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية، التي تختار بلادنا في هذه الظروف العالمية، وإزالة العراقيل أمامها، معتبرا أن أخطر ما يواجه تنمية البلاد والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها لتحقيق أرباح شخصية وخدمة مصالحهم الخاصة.
القائد الحكيم.. نبراس السلم والازدهار
بأفق تمثيل النموذج وبأمل تجسيد القدوة للشعوب المغاربية، يرسم جلالة الملك جسور العلاقة مع الجارة الجزائر، في حاضرها ومستقبلها، وفي ذلك يؤكد للشعب الجزائري مرة أخرى، بأن الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبدا، حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما.
ويشدد جلالة الملك على حرصه على الخروج من هذا الوضع، وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين، ويهيب بالمغاربة، لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين، الذين يؤكد لهم الملك، بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال.
وفي نفس الصدد، عبّر قائد البلاد على أنه “لم ولن نسمح لأي أحد، بالإساءة إلى أشقائنا وجيراننا”، معتبرا أن الادعاءات، التي تتهم المغاربة بسب الجزائر والجزائريين، “فإن من يقومون بها، بطريقة غير مسؤولة، يريدون إشعال نار الفتنة بين الشعبين الشقيقين”.
وقد جدد صاحب الجلالة التعبير عن سياسة اليد الممدودة، مشيرا إلى تطلع المغرب، للعمل مع الرئاسة الجزائرية، على أن يضعا اليد في اليد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك.
كانت هذه، أبرز الخطوط العريضة التي استطعنا رصدها من الخطاب الملكي في رسم مسار الفلاح، حفظ الله جلالة الملك، وأقر عينه بولي العهد الأمير مولاي الحسن وشد أزره بصاحب السمو الملكي مولاي رشيد.